الوضع تحت المراقبة القضائية: شروط التطبيق، المدة، والتدابير القانونية
|

الوضع تحت المراقبة القضائية: شروط التطبيق، المدة، والتدابير القانونية

تدبير الوضع تحت المراقبة القضائية :

إن مصطلح “مراقبة قضائية” يأخذ معنى الوضعية القانونية التي تتوسط بين الحرية المجردة والاعتقال، فهي بمثابة “حرية محروسة” تقتضي إخضاع المتهم للإشراف القضائي ولمجموعة التزامات من طبيعتها أن تحول دون السقوط في سلبيات حرية غير مشروطة، أو في اعتقال احتياطي غير ضروري، حيث تمكن من تجنب النتائج السيئة المترتبة عن الاعتقال.

وقد عالج المشرع أحكام الوضع تحت المراقبة القضائية في المواد من 159 إلى 174 من قانون المسطرة الجنائية، وأكدت المادة 159 على الصفة الاستثنائية للوضع تحت المراقبة القضائية، كونها تدبيرا يعمل به في الجنايات أو في الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية.

وبالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية، يتجلى أن هناك مجموعة من الأحكام تنظم الوضع تحت المراقبة القضائية، تتمثل فيما يلي:

يتم اللجوء إلى الوضع تحت المراقبة القضائية على سبيل الجواز كلما ارتأى قاضي التحقيق أنه لا حاجة إلى اعتقال المتهم، وتوفر ضمانات حضوره لإجراءات التحقيق وما لم تكن ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص أو على النظام العام تدعو إلى اعتقال المتهم.

يمكن لقاضي التحقيق اتخاذ هذا التدبير في أي مرحلة من مراحل التحقيق شريطة أن لا تتجاوز مدته شهرين قابلة للتجديد خمس مرات، ويصدر قاضي التحقيق هذا التدبير في شكل أمر يبلغه في الحال شفهيا للمتهم، ويسجل هذا التبليغ في المحضر، ويتم تبليغه كذلك للنيابة العامة داخل أجل أربع وعشرين ساعة من تاريخ اتخاذه، ولا يشترط أن يكون هذا الأمر معللا.

يحق للمتهم والنيابة العامة استئناف هذا الأمر خلال اليوم الموالي لصدروه طبقا لشكليات استئناف أوامر قاضي التحقيق بشأن الإفراج المؤقت، ويجب على الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف أن تبت في هذا الاستئناف داخل أجل خمسة أيام من تاريخ الإحالة.

ولقاضي التحقيق كامل الصلاحية في تغيير التدبير المتخذ، أو إضافة تدبير آخر أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في المادة 161 المشار إليها، تلقائيا أو بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو محاميه، بعد أخذ رأي النيابة العامة. كما يمكن إلغاء التدابير المتخذة في أي وقت وأثناء جميع مراحل التحقيق، إما تلقائيا كذلك أو بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو محاميه.

وإذا لم يحترم المتهم الالتزامات المفروضة عليه بمقتضى الأمر الصادر عن قاضي التحقيق، فإن قاضي التحقيق يمكنه أن يصدر أمرا بإيداعه في السجن أو بإلقاء القبض عليه إذا كان في حالة فرار، وذلك بعد أخذ رأي النيابة العامة. و لا يجب أن يمس الوضع تحت المراقبة القضائية بحرية الرأي بالنسبة للأشخاص الخاضعين له، ولا بالمعتقدات الدينية أو السياسية، ولا بالحق في الدفاع.

وبناء على ذلك، يتضمن الأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية واحداً أو أكثر من التدابير المشار إليها في المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تلزم المتهم بالخضوع لها والتقيد بمقتضياتها، وتتجلى هذه التدابير في الالتزامات التالية:

– عدم مغادرة الحدود الترابية المحددة من قبل قاضي التحقيق، حيث يعين قاضي التحقيق المنطقة أو الجهة أو الحي الذي يتعين على المتهم عدم مغادرته.

– عدم التغيب عن المنزل أو المسكن الذي يحدده قاضي التحقيق، إلا وفق الشروط والأسباب التي يقررها القاضي نفسه، ويمكن مثلا أن يقرر موافقته مسبقا، أو إشعار الشرطة أو الدرك الملكي بالمنطقة بذلك أو أي شرط آخر لا يمنعه القانون.

– عدم التردد على بعض الأمكنة التي يحددها القاضي، وغالبا ما يكون المنع منصبا على بعض الأماكن التي يخشى فيها إتلاف أدلة الجريمة، أو أماكن من شأنها التأثير على سلوك المتهم، أو يخشى أن يتعرض فيها للانتقام مثلا.

– إشعار قاضي التحقيق بكل تنقل خارج الحدود التي يعينها القاضي نفسه.

– استجابة المتهم للاستدعاءات التي توجه إليه من طرف سلطة أو شخص يكلفه قاضي التحقيق بمراقبته.

– التقدم بصفة دورية أمام المصالح المعينة من طرف قاضي التحقيق كالشرطة أو الدرك الملكي، التي يتعين عليها أن تسجل تواريخ حضور المتهم لديها بناء على ما قرره قاضي التحقيق (المادة 166 من ق.م.ج. ).

– الخضوع لتدابير المراقبة المتعلقة بالنشاط المهني أو حول المثابرة على تعليم معين. ويكلف القاضي سلطة أو شخصا مؤهلا لمراقبة النشاط المهني للمتهم أو مواظبته على الدراسة.

– إغلاق الحدود، و تقديم الوثائق المتعلقة بالهوية ولا سيما جواز السفر إما لكتابة الضبط أو لمصلحة الشرطة أو للدرك الملكي مقابل وصل، ويشير الوصل إلى نوع الوثيقة المسحوبة وبياناتها وهوية المتهم، وتضع السلطة المكلفة على الوصل صورة حديثة للمتهم، ويبين في الوصل أنه سلم مقابل وثيقة الهوية المسحوبة ويتم إرجاع الوصل للمصلحة التي سلمته عندما يسترجع المتهم الوثيقة التي سحبت منه.

– المنع من سياقة جميع الناقلات أو بعضها، أو تسليم رخصة السياقة لكتابة الضبط مقابل وصل. ويمكن لقاضي التحقيق أن يسمح للمتهم بالسياقة خلال مزاولة نشاطه المهني.

– المنع من الاتصال ببعض الأشخاص المحددين على وجه الخصوص من طرف قاضي التحقيق.

– الخضوع لتدابير الفحص والعلاج أو لنظام الاستشفاء سيما من أجل إزالة التسمم، ويمكن للمتهم أن يختار الطبيب المختص أو المؤسسة التي تتولى ذلك، وتسلم للقاضي، من طرف الطبيب أو المؤسسة أو من طرف المتهم، جميع الوثائق التي يطلبها.

– إيداع كفالة مالية يحدد قاضي التحقيق مبلغها وأجل أدائها مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية للمعني بالأمر، وتودع الكفالة بصندوق المحكمة التي يوجد بها قاضي التحقيق مقابل وصل وتسلم نسخة من الوصل للقاضي. وقد استعمل المشرع تعبير “مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية للمعني بالأمر” وهو ما يفيد الخروج عن المقاييس المقررة في المادة 184 من ق.م.ج. التي تتحدث عن الإفراج المؤقت مقابل كفالة.

– عدم مزاولة بعض الأنشطة ذات طبيعة مهنية أو اجتماعية أو تجارية ماعدا المهام الانتخابية أو النقابية، وذلك في الحالة التي ترتكب فيها الجريمة أثناء ممارسة هذه الأنشطة أو بمناسبتها، أو إذا كان يخشى ارتكاب جريمة جديدة لها علاقة بممارسة النشاط المعني.

غير أنه إذا تعلق الأمر بعدم مزاولة مهنة المحاماة، فإن الوكيل العام للملك يحيل الأمر بطلب من قاضي التحقيق على مجلس هيئة المحامين الذي يبت طبقا لمقتضيات المواد من 65 إلى 69 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، وفي حالة عدم البت داخل أجل شهرين من تاريخ الإحالة يعود لقاضي التحقيق اتخاذ القرار بنفسه، ويمكن الطعن في قرار مجلس الهيئة طبقا لأحكام المواد 90 إلى 93 من قانون المحاماة.

– عدم إصدار الشيكات، وفي هذه الحالة فإن القاضي يشعر البنك أو المصلحة أو المؤسسة التي تسير الحساب البنكي للمتهم أو بنك المغرب للسهر على تنفيذ الأمر.

– عدم حيازة الأسلحة وتسليمها إلى المصالح الأمنية المختصة مقابل وصل. وتحاط بهذا التدبير مصالح الشرطة أو الدرك الملكي بالمكان الذي يقيم فيه المتهم. وعليها تنفيذه باستلام الأسلحة من المتهم مقابل وصل بذلك، وتشعر قاضي التحقيق.

– – تقديم ضمانات شخصية أو عينية يحددها قاضي التحقيق تستهدف ضمان حقوق الضحية.

– وأخيرا إثبات مساهمة المتهم في التحملات العائلية أو أنه يؤدي بانتظام النفقة المحكوم بها عليه وعلى قاضي التحقيق إشعار المستفيد من النفقة بذلك.

يتضح إذن أن قاضي التحقيق يملك سلطة تقديرية واسعة في اتخاذ أي تدبير يراه ملائها ضمن هذه القائمة الطويلة من التدابير، وأن يختار من ضمنها الالتزام الأصلح الذي يراه أفيد في تدبير إجراءات التحقيق حسب ظروف وملابسات القضية المعروضة عليه من جهة، والظروف الشخصية للمتهم من جهة ثثانية.

ولتنفيذ ما يتخذه قاضي التحقيق من تدابير في إطار الوضع تحت المراقبة القضائية، فإنه يقوم بتعيين شخص ذاتي أو معنوي مؤهل للمشاركة في ذلك، أو تعيين مصلحة للشرطة أو للدرك الملكي، أو أي مصلحة قضائية أو إدارية مختصة، طبقا للمادة 162 من قانون المسطرة الجنائية.

تتأكد السلطات أو الأشخاص المكلفون بالمشاركة في تطبيق الوضع تحت المراقبة القضائية من أن المتهم امتثل للالتزامات المفروضة عليه، ويمكنهم لهذه الغاية استدعاؤه أو زيارته، كما يمكنهم القيام بكل الإجراءات والأبحاث المفيدة لتنفيذ مهمتهم، ويقومون أيضاً بتبليغ قاضي التحقيق عن إنجاز مهامهم وعن سلوك المتهم ضمن الشروط التي حددها.

وإذا تملص المتهم من تطبيق التدبير أو التدابير المفروضة عليه، يتم إشعار قاضي التحقيق فورا بذلك طبقا للمادة 163 من قانون المسطرة الجنائية.

يتم إشعار رئيس مصلحة الشرطة أو الدرك بمكان إقامة المتهم، واطلاعه على أي تدبير من تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية المعهد إليه بتنفيذه، كما يتم الإشعار بأي تغيير يطرأ على ذلك.

تؤدى تعويضات ومصاريف الأشخاص الذين يقومون بأبحاث حول شخصية المتهم في نطاق الوضع تحت المراقبة القضائية، باعتبارها مصاريف قضائية في الميدان الجنائي.

وأخيراً، ينتهي مفعول الوضع تحت المراقبة القضائية إذا صدر أمر بعدم المتابعة استنادا للفقرة الخامسة من المادة 216 من قانون المسطرة الجنائية، أو إذا تبين لقاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية أن الأفعال المعروضة عليه مجرد مخالفة وفق المادة 217 من قانون المسطرة الجنائية، كما ينتهي الوضع تحت المراقبة القضائية إذا أمر قاضي التحقيق باعتقال المتهم أو متابعته.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *