الوضع تحت الحراسة النظرية: بين البحث التمهيدي والبحث في حالة تلبس
|

الوضع تحت الحراسة النظرية: بين البحث التمهيدي والبحث في حالة تلبس

بالرغم من أن المشرع المغربي لم يقدم تعريفاً للحراسة النظرية، يمكن اعتبارها إجراء يتمثل في توقيف الشخص ووضعه رهن تصرف ضابط الشرطة القضائية وتحت إشرافه داخل مركز عمله، لمدة محددة وفق ما ينص عليه القانون.

أولا – الحراسة النظرية في حالة التلبس بالجريمة :

تناول المشرع المغربي في المواد 66 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية الصلاحيات البارزة التي يتمتع بها ضابط الشرطة القضائية أثناء مراحل البحث التمهيدي، وعلى رأسها سلطة الوضع تحت الحراسة النظرية. ونظراً لما ينطوي عليه هذا الإجراء من مساس بحرية الأفراد وحقوقهم الأساسية، فقد وضع المشرع جملة من الشروط والضمانات الصارمة لضمان احترام الحقوق والحريات.”

1) شروط الوضع تحت الحراسة النظرية :

نظراً لخطورة الوضع تحت الحراسة النظرية ولعلاقته بالحرية الشخصية للأفراد، فإن صلاحية تقريرها تبقى بيد ضابط الشرطة القضائية، ولكنها تظل مرتبطة بحاجيات البحث، وهو ما نصت عليه المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية. لذلك، لا يمكن لضابط الشرطة القضائية الاحتفاظ بأي شخص تحت الحراسة النظرية إلا إذا استدعت ذلك ضرورة إجراءات البحث.

ولم يحدد القانون حدود ضرورة البحث، ولكن العمل جرى على أن يتم اللجوء إلى الوضع تحت الحراسة النظرية للحد من خطورة المجرم أو الحيلولة دون فراره أو خوفا من تأثيره على سير البحث أو حماية للأدلة أو البراهين المستدل منها على الجريمة التي يخشى أن يقوم بإخفاء معالمها أو يغيرها ….

لم يحدد القانون بشكل دقيق حدود ضرورة البحث، لكن الممارسة العملية اعتمدت على اللجوء إلى الوضع تحت الحراسة النظرية في حالات تهدف إلى الحد من خطورة المشتبه فيه، أو منع فراره، أو تفادي تأثيره على سير البحث، أو لحماية الأدلة والبراهين التي قد يسعى إلى إخفائها أو تغيير معالمها.

بل إن الوضع تحت الحراسة النظرية قد يؤثر سلباً على سير البحث أحياناً، حيث يقلص مدته إلى فترة زمنية محددة تُلزم ضابط الشرطة القضائية بالعمل تحت ضغط الوقت. هذا الوضع يفرض عليه الإسراع في جمع أدلة الجريمة ومتابعة مسار التحقيق في وقت محدود، مما قد يؤدي إلى إهمال بعض جوانب البحث أو التقصير في إنجاز إجراءات ضرورية للكشف عن الحقيقة. ونتيجة لذلك، قد تتأثر مهمة تحقيق العدالة التي تعتمد بشكل أساسي على دقة وموضوعية البحث الجنائي، وهو ما يجعل التوازن بين احترام حقوق الأفراد ومتطلبات التحقيق أمراً بالغ الأهمية.

ولا يقل دور النيابة العامة أهمية في هذا الإطار، إذ إنها الجهة المسؤولة عن الإشراف على أعمال الشرطة القضائية وتسيير مهامها. وبحكم هذه الصلاحيات، يمكنها التدخل لتصحيح أي وضع ترى أنه غير مناسب أو مخالف لمقتضيات العدالة. فهي تملك سلطة مراجعة قرارات ضابط الشرطة القضائية، سواء بوضع حد للحراسة النظرية إذا تبين لها أنها غير مبررة أو تفتقر إلى الجدوى، أو بإصدار أوامر بوضع شخص تحت الحراسة النظرية إذا رأت أن ذلك ضروري ومناسب لمقتضيات البحث والتحقيق. هذا الدور الرقابي الذي تضطلع به النيابة العامة يُعد ضمانة أساسية لتحقيق التوازن بين حماية الحقوق الفردية ومستلزمات تحقيق العدالة.

وتشكل خطورة هذا الإجراء أحد أبرز الأسباب التي دفعت العديد من التشريعات إلى وضع إطار قانوني دقيق لتنظيمها. ويهدف هذا التنظيم إلى تحقيق التوازن بين مصلحة العدالة في الوصول إلى الحقيقة وحماية حق المواطن في عدم المساس بحريته أو التعسف في استعمال هذا الإجراء. ولهذا السبب، قيد المشرع مدة الحراسة النظرية بفترة زمنية محددة بالساعات، مع منح النيابة العامة صلاحية مراقبة تطبيقها بشكل صارم، والسهر على أن تتم في ظروف إنسانية تضمن كرامة الأفراد. بالإضافة إلى ذلك، وضع المشرع عقوبات لمعاقبة أي تجاوز لهذه المدة، تأكيداً على أهمية احترام الحقوق الأساسية للأفراد ودرء أي انتهاك لحرية الأشخاص أثناء تنفيذ هذا الإجراء.

يجدر التنبيه إلى أن المشرع، بالإضافة إلى ما نصت عليه المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية بشأن ارتباط وضع شخص تحت الحراسة النظرية بحاجيات البحث، قد اشترط كذلك شرطاً آخر يتعلق بطبيعة الجريمة موضوع البحث. فقد حدد القانون في المادة 70 أن الجريمة يجب أن تكون جناية أو على الأقل جنحة يعاقب عليها بالحبس.

وهذا التحديد منطقي ومنسجم مع مبادئ العدالة، إذ لا يعقل أن يُحرم المشتبه فيه من حريته في إطار الحراسة النظرية إذا كانت الجريمة موضوع البحث لا تتضمن في الأصل عقوبة سالبة للحرية. ويؤكد هذا الشرط حرص المشرع على عدم تعسف الجهات المعنية في تقييد الحريات وضمان أن يتم هذا الإجراء فقط في الحالات التي تستوجبها خطورة الجريمة وطبيعتها.

لا يشترط القانون المغربي، خلافاً لبعض التشريعات المقارنة، توفر أدلة أو قرائن قوية على ارتكاب أو محاولة ارتكاب الجريمة لوضع شخص تحت الحراسة النظرية. فالمادة 66 من قانون المسطرة الجنائية المغربي اكتفت بربط هذا الإجراء بضرورة البحث، دون إلزام بوجود دلائل ملموسة على تورط الشخص. وفي المقابل، نصت بعض القوانين المقارنة، كالمادة 63 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي، على اشتراط توفر إمارات تدفع إلى الاعتقاد بضلوع الشخص في ارتكاب الجريمة، إلى جانب ضرورة البحث كشرط أساسي.

يعكس هذا التباين اختلافاً في فلسفة التشريعات حول مدى تقييد حرية الأفراد ومدى الصلاحيات الممنوحة للسلطات في اتخاذ إجراءات الحراسة النظرية، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة الضمانات التي يوفرها كل نظام قانوني في حماية الحريات الفردية.

ومدة الحراسة النظرية في القانون محددة بالساعات، وتبدأ احتسابها من اللحظة التي يقرر فيها ضابط الشرطة القضائية توقيف الشخص ووضعه رهن الحراسة النظرية. ويُعد هذا الإجراء فعلياً منذ اللحظة التي يصبح فيها الشخص مكرهاً على البقاء تحت تصرف ضابط الشرطة القضائية، بما يترتب عليه تقييد حريته في التنقل والذهاب والإياب.

وقد أكدت محكمة النقض الفرنسية هذا المفهوم، مشيرة إلى أن بداية احتساب مدة الحراسة النظرية يجب أن تتزامن مع اللحظة التي يفقد فيها الشخص حريته بشكل عملي، حتى لو لم يتم إعلامه رسمياً بوضعه تحت الحراسة النظرية. هذا التحديد الدقيق يعكس الحرص على ضبط الإجراءات وضمان عدم تمديد المدة المقررة قانوناً، ما يمثل حماية لحقوق الأفراد وفرضاً للرقابة على ممارسة هذا الإجراء الاستثنائي.

2) مدة الحراسة النظرية :

تختلف مدة الحراسة تبعا لنوع الجريمة موضوع البحث إلى ثلاث فئات:

– بالنسبة للجرائم العامة، باستثناء الجرائم الإرهابية وجرائم أمن الدولة، فإن المدة تكون 48 ساعة، مع إمكانية التمديد مرة واحدة لمدة 24 ساعة، مما يجعل المدة الإجمالية تصل إلى 72 ساعة (48 ساعة + 24 ساعة).

– فيما يتعلق بجرائم المس بأمن الدولة الداخلي والخارجي، فإن مدة الحراسة النظرية المقررة لها هي 96 ساعة، قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة مماثلة، مما يجعل المدة القصوى تصل إلى 192 ساعة (96 ساعة + 96 ساعة).

– بالنسبة للجريمة الإرهابية، فإن المدة المحددة لها هي 96 ساعة، قابلة للتمديد مرتين، كل مرة لمدة 96 ساعة، مما يجعل المدة الإجمالية تصل إلى 288 ساعة (96 ساعة + 96 ساعة + 96 ساعة).

عند وضع شخص تحت الحراسة النظرية، يتعين على ضابط الشرطة القضائية إشعار النيابة العامة فورًا وفقًا لما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية. بالإضافة إلى ذلك، يجب عليه توجيه لائحة اسمية إلى النيابة العامة تتضمن أسماء جميع الأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة النظرية خلال الأربع وعشرين ساعة السابقة، وذلك استنادًا إلى الفقرة الثالثة من المادة 67 من نفس القانون.

ومن الواضح أن الإشعار المنصوص عليه في المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية يتطلب تنفيذه بشكل فردي، فور اتخاذ قرار وضع الشخص تحت الحراسة النظرية أو في أقرب وقت ممكن. أما بالنسبة للمادة 67، فهي تشير إلى إعداد لائحة تضم جميع الأشخاص الذين وُضعوا تحت الحراسة النظرية خلال الأربع وعشرين ساعة السابقة، مع إرسال هذه القائمة بشكل مكتوب إلى النيابة العامة.

ولم تحدد المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية بشكل صريح كيفية إشعار النيابة العامة بوضع شخص تحت الحراسة النظرية، مما يفتح المجال لاعتماد أي شكل من أشكال الإشعار، سواء كان ذلك كتابةً أو شفهياً. كما يمكن أن يتم الإشعار باستخدام وسائل متعددة، مثل المراسلة المكتوبة، أو الفاكس، أو الاتصال الهاتفي، أو الإبلاغ المباشر، مما يوفر مرونة في تنفيذ هذا الإجراء بما يحقق الغرض منه.

ونرى أنه يُستحسن اعتماد أسرع الوسائل الممكنة لإشعار النيابة العامة بالوضع، وذلك لضمان علمها بالإجراء في أقرب وقت من اتخاذه. وتملك النيابة العامة، في إطار سلطتها الإشرافية على الشرطة القضائية، صلاحية تحديد الطريقة والشكل المناسبين للإشعار، من خلال إصدار مذكرات مصلحية تنظم هذه العملية بما يحقق الكفاءة والفعالية المطلوبة.

3) إشعار عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية :

يتوجب على ضابط الشرطة القضائية إشعار عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية فور اتخاذ هذا الإجراء، باستخدام أي وسيلة متاحة مثل الهاتف، أو مشافهة، أو كتابة، أو عن طريق عون للقوة العمومية. ولضمان الشفافية والمصداقية، يجب أن يُشار إلى عملية الإشعار بشكل دقيق في المحضر.

وينبغي أن يتضمن المحضر جميع التفاصيل المتعلقة بالإشعار، بما في ذلك اسم الشخص الذي تم إبلاغه، والطريقة المستخدمة للإشعار، بالإضافة إلى تحديد مكان وزمان حدوث الإشعار بدقة. هذا التوثيق يعزز ضمانات حقوق الأفراد ويمكّن من التحقق من احترام الإجراءات القانونية.

لم ينص القانون صراحة على الجزاء المترتب عن إخلال ضابط الشرطة القضائية بإجراء إشعار عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية. ومع ذلك، فإن الفقه والقضاء يعتبران هذا الإجراء ذا طابع إداري محض، مما يعني أن عدم إنجازه لا يؤثر على صحة المسطرة المصاحبة للوضع تحت الحراسة النظرية أو الإجراءات الناتجة عنها. وبالتالي، فإن الإخلال بهذا الالتزام لا يؤدي إلى بطلان المسطرة.

إضافة إلى الطابع الإداري لإجراء إشعار عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، قد تترتب عن الإخلال بهذا الإجراء مسؤولية تأديبية لضابط الشرطة القضائية. وقد أكدت قرارات سابقة لمحكمة النقض هذا المبدأ، من بينها قرار ينص على أن عدم إخبار ضابط الشرطة القضائية لعائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة لا يؤثر على سلامة المسطرة، ما دام القانون لم يرتب البطلان على ذلك صراحة.

4) تمديد الحراسة النظرية :

تكون مدة الحراسة النظرية الأصلية قابلة للتمديد بمقتضى إذن كتابي من النيابة العامة، كلما اقتضت ذلك ضرورة البحث. وتُمنح النيابة العامة في هذا السياق سلطة تقديرية مطلقة لتقييم وتقدير مدى ضرورة ومتطلبات البحث التي تستدعي تمديد مدة الحراسة النظرية.

غير أن الشخص لا يملك أي وسيلة للتظلم أو الاعتراض على قرار النيابة العامة بتمديد مدة الحراسة النظرية في حقه. وبالمثل، فإن ضابط الشرطة القضائية لا يملك أي وسيلة للتظلم من رفض النيابة العامة طلب تمديد مدة الحراسة النظرية.

يُعد من المنطقي أن الضابط لا يمكنه تقديم تظلم بشأن قرار صادر عن الجهة المسؤولة عن الإشراف على البحث، نظراً لأنه يعمل تحت سلطتها وينفذ تعليماتها. ومن جانب آخر، وبما أن الحالة تتعلق بحالة التلبس، فإن القانون لا يفرض تقديم الشخص المعني أمام النيابة العامة كشرط لتمديد مدة الحراسة النظرية.

غير أنه يجوز للنيابة العامة، بصفتها المشرفة على أعمال الشرطة القضائية، أن تطلب من ضابط الشرطة القضائية إحضار الشخص المعني من أجل الموافقة على تمديد الحراسة النظرية. ولا يشترط أن يتم التمديد طيلة المدة المسموح بها قانوناً، إذ يمكن الاكتفاء بالفترة اللازمة لإتمام الأبحاث المطلوبة، شريطة ألا تتجاوز هذه المدة الحد الأقصى المنصوص عليه قانوناً.

فإذا كان يتعلق الأمر بالجرائم العادية مثلا ، لا يجوز أن يتجاوز التمديد مدة 24 ساعة. ومع ذلك، يمكن للنيابة العامة أن تقرر تمديد الحراسة النظرية فقط لمدة ساعة أو ساعتين، حسب الضرورة. وفي جميع الحالات، يظل التمديد خاضعاً للحد الأقصى المنصوص عليه قانوناً، وهو 24 ساعة

كما أنه إذا تعلق الأمر بالجرائم الإرهابية، يمكن تمديد الحراسة النظرية 96 ساعة كاملة أو لجزء منها، مع إمكانية منح التمديد الأول كاملاً والاكتفاء بساعات محددة من التمديد الثاني. ويجب مراعاة حرية الأشخاص واستخدام التمديد فقط بالقدر اللازم لضرورة البحث.

ثانيا – الحراسة النظرية في البحث التمهيدي :

لا تختلف القواعد المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية بين البحث التمهيدي والبحث في حالة التلبس إلا في بعض التفاصيل، إلا أن هذه التفاصيل تعتبر جوهرية ومؤثرة. فهي تعكس طبيعة كل نوع من البحث ومتطلبات التحقيق فيه، مما يجعل تلك الاختلافات ذات أثر كبير على سير الإجراءات وضمانات حقوق الأشخاص المعنيين.

1) إذن النيابة العامة :

في إطار البحث التمهيدي، يُشترط الحصول على موافقة مسبقة من النيابة العامة قبل وضع الشخص تحت الحراسة النظرية. أما في حالة البحث المرتبط بالتلبس، يُمنح ضابط الشرطة القضائية صلاحية وضع الشخص تحت الحراسة النظرية دون الحاجة إلى إذن مسبق من النيابة العامة، شريطة أن يقوم بإشعارها بذلك فوراً بعد اتخاذ الإجراء.

وعلى الرغم من أن النيابة العامة، بصفتها الجهة المشرفة على سير أعمال الشرطة القضائية، تمتلك صلاحية الأمر بإنهاء الوضع تحت الحراسة النظرية في حالة التلبس، فإن الإجراء الذي يتخذه ضابط الشرطة القضائية بوضع الشخص تحت الحراسة النظرية دون إذن مسبق منها يُعد قانونياً وساري المفعول، مما يترتب عليه جميع آثاره القانونية.

وأما إذا كان الأمر يتعلق ببحث تمهيدي، فإن الحصول على إذن مسبق من النيابة العامة لوضع الشخص تحت الحراسة النظرية يُعتبر شرطاً ضرورياً. وبالتالي، إذا تم وضع شخص تحت الحراسة النظرية دون هذا الإذن المسبق، في سياق بحث تمهيدي وليس حالة تلبس، فإن ذلك يُعدّ خرقاً للقانون.

ويترتب على ذلك بطلان الإجراءات المنجزة خلال تلك الفترة أو الناتجة عنها، وفقاً لما تنص عليه المادة 751 من قانون المسطرة الجنائية. كما يُعتبر الوضع الناتج عن هذا الخرق بمثابة اعتقال تعسفي يعاقب عليه القانون الجنائي بعقوبة جنائية تتمثل في التجريد من الحقوق الوطنية، وفقاً للفصول 225، 226، 227، و228 من القانون الجنائي.

وإذا كان الإذن المسبق من النيابة العامة هو السمة الأساسية التي تميز وضع الشخص تحت الحراسة النظرية في حالة البحث التمهيدي مقارنة بحالة التلبس، فإن المشرع لم يحدد شكل هذا الإذن بشكل دقيق. وعليه، يمكن أن يكون الإذن شفوياً أو مكتوباً. وفي حالة كونه شفوياً، يتعين أن يُشار إليه بوضوح في المحضر، لتمكين المحكمة من ممارسة رقابتها على قانونية الإجراءات وسلامتها.

ومن وجهة نظرنا، ينبغي أن يتضمن المحضر دائماً إشارة صريحة إلى إذن النيابة العامة بوضع الشخص تحت الحراسة النظرية، بغض النظر عما إذا كان هذا الإذن كتابياً أو تم عبر وسيلة أخرى لا تترك أثراً مكتوباً. فالمحضر هو الوثيقة التي تعكس كافة الإجراءات التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية أو يُبلغ بها أو يصدر بشأنها تعليمات. وبما أن الحصول على إذن لوضع شخص تحت الحراسة النظرية يُعد من بين تلك الإجراءات، فمن الضروري توثيقه في المحضر لضمان الشفافية واحترام الإجراءات القانونية.

2) تمديد الحراسة النظرية :

تتجلى الميزة الثانية التي تفرق بين الوضع تحت الحراسة النظرية في البحث التمهيدي وحالة التلبس تكمن في الإجراءات الخاصة المتعلقة بتمديد فترة الحراسة النظرية. وفقاً للمادة 80 من قانون المسطرة الجنائية، يُشترط تقديم الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية إلى النيابة العامة قبل انتهاء المدة الأصلية المقررة للحراسة، لضمان احترام الضوابط القانونية والإشراف القضائي على هذه العملية.

وفي حالة طلب تمديد مدة الحراسة النظرية، يتوجب على قاضي النيابة العامة الاستماع إلى الشخص المعني قبل إصدار قرار مكتوب بالموافقة على التمديد. وفي حال تعذر تقديم الشخص إلى النيابة العامة في وقت طلب التمديد، وكان هناك مبرر للموافقة على التمديد، يجب أن يتضمن قرار النيابة العامة تفسيراً واضحاً يبرر أسباب عدم تقديم الشخص في تلك المرحلة.

ومن الأسباب التي قد تعيق تقديم الشخص إلى النيابة العامة وقت طلب تمديد الحراسة النظرية، حالات مثل نقله في تلك اللحظة إلى مسرح الجريمة للتعرف عليه أو لإعادة تمثيل الوقائع، أو بسبب وجوده في المستشفى لتلقي العلاج. كما يمكن أن يكون بُعد المسافة عاملاً مؤثراً، حيث قد تستغرق الرحلة ذهاباً وإياباً عدة ساعات، مما يؤدي إلى تقليص المدة الفعلية المخصصة لإجراءات البحث.

وبغض النظر عن طبيعة الأسباب، تظل النيابة العامة ملزمة بتقديم توضيح كتابي وتعليل موقفها عند إصدار قرار بتمديد الحراسة النظرية في حالة البحث التمهيدي، وذلك في حال عدم إحضار الشخص المعني بالتمديد أمامها.

3) باقي شروط وشكليات الحراسة النظرية :

أما باقي الشروط والإجراءات المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية فهي واحدة سواء تعلق الأمر بالبحث التمهيدي أو البحث في حالة تلبس. ويُشار إلى أنه، رغم أن المادة 80 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية في البحث التمهيدي تشترط أن يتعلق هذا البحث بجناية أو بجنحة يعاقب عليها بالحبس، إلا أن المادة 66 من نفس القانون، التي تنظم الوضع تحت الحراسة النظرية في حالة التلبس، لم تستخدم هذا التعبير.

ومع ذلك، فإن هذا لا يضفي أي خصوصية على الوضع تحت الحراسة النظرية في حالة البحث التمهيدي، لأنه على الرغم من أن المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بحالة التلبس لم تشترط أن يتعلق الأمر بجناية أو بجنحة معاقب عليها بالحبس لوضع الشخص تحت الحراسة النظرية، فإن هذا الشرط يبقى ضرورياً في حالة التلبس، استناداً إلى مقتضيات المادة 56 من نفس القانون، التي قيدت تعريف حالة التلبس بالجنايات أو الجنح.

ورغم أن أوصاف حالة التلبس بجنحة قد تتحقق حتى لو كانت الجنحة معاقباً عليها بالغرامة فقط دون الحبس، فإن المادة 70 من قانون المسطرة الجنائية حسمت هذا الأمر، حيث نصت على تطبيق مقتضيات المواد من 57 إلى 69 من نفس القانون على حالات التلبس بالجنح، ولكن في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقوبة الحبس.

وبناءً على ذلك، يمكن القول إنه حتى إذا كان البحث جارياً في حالة تلبس، فإنه إذا لم تكن الجريمة محل البحث جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس، فلا يمكن تطبيق الحراسة النظرية بشأنها. ويعود ذلك إلى أن الحراسة النظرية في هذه الحالة تُطبق استناداً إلى المادتين 66 و67 من قانون المسطرة الجنائية، وهما من المواد التي تخضع لأحكام المادة 70 المذكورة

في الواقع، إذا لم تكن الجنحة معاقباً عليها بالحبس، فلا يمكن تطبيق إجراءات البحث في حالة التلبس عليها، وإنما تخضع لإجراءات البحث التمهيدي. وأخيراً، أشارت المادة 82 من قانون المسطرة الجنائية إلى أن الوضع تحت الحراسة النظرية يتم إثباته وفق الشكليات المنصوص عليها في المواد 66 و67 و68 من نفس القانون، والتي تم التطرق إليها سابقاً عند الحديث عن البحث في حالة التلبس (شاهد المقال).

4) التفتيش الجسدي :

نصت المادة 81 من قانون المسطرة الجنائية على أن لضابط الشرطة القضائية الحق في إجراء تفتيش جسدي لكل شخص تم وضعه تحت الحراسة النظرية. وإذا كان الأمر يتعلق بامرأة، فيجب على الضابط انتداب امرأة لتولي عملية التفتيش، أو أن تقوم الضابطة نفسها بذلك إذا كانت امرأة. وتُطبق هذه الأحكام سواء في حالة البحث التمهيدي أو في حالة التلبس بجناية أو جنحة.

والتفتيش الجسدي للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية لا يتطلب موافقته، لأنه يُعد إجراءً أمنياً يهدف إلى حماية سلامة الشخص المعني وسلامة الآخرين الذين قد يكونون تحت الحراسة النظرية، بالإضافة إلى سلامة ضباط وأعوان الشرطة القضائية. ويهدف هذا التفتيش إلى التأكد من أن الشخص لا يحمل أي أدوات قد تشكل خطراً على حياته أو حياة الآخرين أو سلامتهم.

ولم يكن قانون المسطرة الجنائية السابق يتضمن نصاً مشابهاً للمادة 81، التي جاءت لسد الفراغ التشريعي ووضع حد للتأويلات. ويُشار إلى أن الفصل 64 من قانون الدرك الملكي ينص على تفتيش أي شخص يتم إلقاء القبض عليه أو يُشتبه في حمله أسلحة أو أشياء قد تضر بالأمن العام، كما يشمل التفتيش العربات التي يستخدمها والأمتعة التي يحملها. وينص الفصل أيضاً على وجوب أن يتم تفتيش النساء من قبل امرأة.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *