الصلح ” وسائل البديلة لحل المنازعات “

أولا // التعريف :

الصلح هو عقد يتم بموجبه إنهاء نزاع قائم بين طرفين أو أكثر أو الحيلولة دون نشوء نزاع مستقبلي، ويتم ذلك من خلال اتفاق الأطراف على تقديم تنازلات متبادلة. تتجلى هذه التنازلات في تقديم أموال أو الالتزام بأداء معين أو التنازل عن بعض المطالب لصالح الطرف الآخر، وذلك وفقًا لما يتم الاتفاق عليه بشكل يحقق رضا جميع الأطراف المعنية. يهدف هذا العقد إلى إيجاد حل ودي للمشكلة القائمة أو المحتملة، مما يساهم في تحقيق الاستقرار والوفاق بين الأطراف.

ويعد وسيلة فعالة لتجنب الصراعات الممتدة وتخفيف الأعباء التي قد تترتب على اللجوء إلى القضاء أو الدخول في إجراءات قانونية مطولة. بالإضافة إلى ذلك، يسهم الصلح في تعزيز العلاقات الاجتماعية والتجارية بين الأطراف، حيث يقوم على مبدأ التسامح والتفاهم المشترك، ويعكس رغبة الأطراف في تجاوز الخلافات بشكل حضاري يحفظ مصالح الجميع، ويوفر الوقت والجهد والتكاليف التي قد تنجم عن تصعيد النزاع

اعتمد المشرع المغربي، بالإضافة إلى تنظيمه لمقتضيات الصلح في المادة المدنية، على تكريس مبدأ الصلح في قانون المسطرة الجنائية الجديد. وقد جاء هذا التوجه كجزء من رؤية حديثة وحضارية تهدف إلى تعزيز الحلول البديلة للنزاعات الجنائية. يتيح الصلح في هذا السياق للأطراف فرصة حل النزاع وديًا قبل تحريك الدعوى العمومية، مما يساهم في تقليل اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية التي قد تثقل كاهل النظام القضائي والسجون.

ويُعد الصلح في القضايا الجنائية خطوة متقدمة نحو تطوير العدالة الجنائية، حيث يسمح للأطراف بالوصول إلى حلول مرضية للطرفين دون الحاجة إلى إجراءات قضائية طويلة ومكلفة. كما يعكس هذا التوجه حرص المشرع على تقليل الطابع العقابي البحت للعدالة الجنائية، مع التركيز على إصلاح ذات البين وإعادة بناء العلاقات الاجتماعية، مما يسهم في تحقيق الاستقرار والعدالة المجتمعية.

هذا المبدأ يدعم التوجه العالمي نحو تعزيز الحلول البديلة للنزاعات، ويُظهر مرونة القانون الجنائي المغربي في التفاعل مع المستجدات القانونية والاجتماعية.

ثانيا // شروط إبرام الصلح :

– يتطلب إجراء الصلح توافر شرط أساسي يتمثل في تمتع الأطراف بالأهلية القانونية اللازمة للتصرف بعوض في الأشياء أو الحقوق التي يشملها الصلح. بمعنى أن الشخص الذي يقوم بالصلح يجب أن يكون قادرًا قانونيًا على التنازل عن جزء من حقوقه أو التزاماته مقابل تنازل الطرف الآخر، وذلك وفقًا لما تم الاتفاق عليه

– لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام، وذلك لأن هذه القضايا تمس قواعد وأحكامًا أساسية لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها أو التنازل عنها، حيث تُعد هذه الأمور من النظام العام ولا تخضع لإرادة الأطراف

– لا يجوز الصلح بين المسلمين على ما لا يجوز شرعًا التعاقد عليه، وذلك لأن الصلح يُعتبر في أصله عقدًا من العقود التي تخضع للأحكام الشرعية. وبالتالي، فإن ما يحرم الإسلام التعاقد عليه لا يمكن أن يكون محلاً للصلح، حيث إن الصلح لا يُباح فيه الاتفاق على شيء يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو يُفضي إلى فعل محرم.

– لا يجوز الصلح على حق النفقة لأنه حق مقرر شرعًا وقانونًا لصالح المستحقين، مثل الزوجة أو الأولاد أو الوالدين، ويهدف إلى توفير احتياجاتهم الأساسية وضمان معيشتهم الكريمة. هذا الحق يعتبر من الحقوق المرتبطة بالنظام العام، ولا يجوز الاتفاق على إسقاطه أو التصالح بشأنه بما يُخلّ بالغاية منه أو يُعرّض المستحقين للضرر.

ثالثا // آثار الصلح :

– من أهم آثار الصلح انقضاء الحقوق والادعاءات التي كانت محلاً له، حيث يؤدي الصلح إلى إنهاء النزاع القائم بين الأطراف فيما يتعلق بالحقوق أو الالتزامات المتنازع عليها. وبمجرد إبرام الصلح بشكل صحيح ومستوفٍ للشروط القانونية، تتوقف جميع المطالبات أو الدعاوى المتعلقة بتلك الحقوق التي كانت محل النزاع، ولا يجوز لأي من الأطراف العودة إلى المطالبة بها مستقبلاً.

– – أن يتأكد لكل من طرفي الصلح من حيازته للأشياء التي سُلِّمت له وثبوت استحقاقه للحقوق التي تم الاعتراف له بها من قِبل الطرف الآخر.

– الصلح على الدين مقابل جزء من المبلغ المستحق يُعد بمثابة إبراء للجزء المتبقي منه، ويترتب عليه إعفاء المدين من الوفاء بما تبقى.

رابعا // الصلح في القوانين المدنية :

هناك مقتضيات مدنية توجب اللجوء إلى الصلح. ومقتضيات مدنية أخرى تجيزه فقط. يمكن إيجاز المقتضيات المدنية التي توجب الصلح في ما يلي :

– تعد قضايا الطلاق والتطليق من أبرز المجالات التي يظهر فيها دور الصلح كمرحلة ضرورية قبل اللجوء إلى القضاء. ففي هذه القضايا، يفرض المشرع محاولة التوفيق بين الزوجين من خلال جلسات الصلح التي تهدف إلى الحفاظ على كيان الأسرة وتجنب تفككها.

– وتُعتبر القضايا الاجتماعية من أبرز المجالات التي يُلجأ فيها إلى الصلح كآلية فعّالة لحل النزاعات وتخفيف حدة الخلافات بين الأفراد

– وتُعد قضايا الكراء المعد للاستعمال التجاري والصناعي من المجالات التي يُطرح فيها الصلح كخيار فعّال لحل النزاعات بين المكري والمكتري. وتشمل هذه القضايا الخلافات المتعلقة بمراجعة السومة الكرائية، أو تجديد عقد الكراء، أو إفراغ المحلات، وكذلك التعويض عن الإفراغ. يُلجأ إلى الصلح في هذه النزاعات بهدف إيجاد حلول توافقية تُحقق التوازن بين مصالح الطرفين، من خلال الحفاظ على استقرار النشاط التجاري أو الصناعي للمكتري، مع ضمان حقوق المكري. كما يُعتبر الصلح في هذه الحالات وسيلة ناجعة لتجنب النزاعات الطويلة أمام المحاكم والآثار السلبية التي قد تنتج عن توقف الأنشطة الاقتصادية أو تعطيلها.

– تُعد قضايا التعويض عن حوادث السير من المجالات التي يُلجأ فيها إلى الصلح كوسيلة فعّالة لتسوية النزاعات بين الأطراف المتضررة وشركات التأمين أو المسؤول عن الحادث.

خامسا // المقتضيات القانونية التي تجيز اللجوء إلى الصلح :

– في إطار قانون التحفيظ العقاري، توجد مقتضيات قانونية تجيز اللجوء إلى الصلح كوسيلة لحل النزاعات المرتبطة بعمليات التحفيظ أو الحقوق العينية العقارية.

– الصلح في المهن الحرة.

سادسا // الصلح في القوانين الجنائية :

القوانين الجنائية تعد من القوانين التي تمثل النظام العام، حيث لا يملك الأطراف صلاحية تعديل نطاق تطبيقها بسبب الأثر الاجتماعي الكبير الذي قد يترتب على الإخلال بها. ومع ذلك، في بعض الجرائم التي تحمل طابعًا اجتماعيًا أو أسريًا، سمح المشرع للأطراف بإبرام مصالحة بينها، مما يؤدي إلى وضع حد للمتابعة القضائية في هذه الحالات، و من أهم هذه الجرائم تلك الواردة في القانون الجنائي أو في بعض القوانين الجنائية الخاصة :

– قضايا إهمال الأسرة.

– الخيانة الزوجية.

– السرقة بين الأقارب

فهذه الجرائم لا تحرك المتابعة بشأنها إلا بناء على شكوى من المجني عليه ويؤدي التنازل عن الشكاية إلى انقضاء المتابعة وسقوط الدعوى العمومية.

– بعض المخالفات الجمركية.

– ظهور أدلة جديدة لم تعرف من قبل تقتضي تحريك المتابعة.

كما أن النيابة العامة تسهر على تنفيذ مقرر الصلح بعد المصادقة عليه من قبل المحكمة.

سابعا // دور المحكمة في مسطرة الصلح :

يصادق رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه على محضر الصلح المحال عليه من قبل النيابة العامة بحضور الأطراف بغرفة المشورة بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن، وإذا لم تصادق المحكمة على مقرر الصلح يصبح لاغيا.

يتضمن الأمر القضائي ما اتفق عليه الأطراف، وعند الاقتضاء ما يلي :

– أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا.

– تحديد أجل تنفيذ الصلح.

ثامنا // مقرر الصلح :

– يتمتع مقرر الصلح بقوة الشيء المقضي به ولا يقبل أي طعن.

– تسهر النيابة العامة على تنفيذ مقرر الصلح بعد المصادقة عليه من غرفة المشورة.

– لا يؤدي الصلح إلى سقوط الدعوى العمومية بل إلى إيقافها فقط إذ يمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية في حال ظهور أدلة جديدة لم تعرف من قبل أو في حالة تراجع المشتكى به عن تنفيذ مقرر الصلح. أو عدم المصادقة عليه من طرف المحكمة.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *