قضاء القرب
الفقرة الأولى // تعريف لقضاء القرب :
يعد قضاء القرب من المستجدات البارزة التي تضمنها التنظيم القضائي الجديد للمملكة في سنة 2011، حيث يُعتبر إضافة هامة في هيكلة النظام القضائي المغربي. ويُدرج هذا القضاء ضمن المحاكم الابتدائية باعتباره وحدة قضائية تابعة لها ضمن نطاقها الترابي.
وبمراجعة القانون المنظم لقضاء القرب، نلاحظ أنه يشكل قسمًا تابعًا للمحكمة الابتدائية، تم إنشاؤه ليحل محل محاكم الجماعات والمقاطعات بهدف تخفيف العبء على المحاكم الابتدائية التي تعاني من ضغط كبير نتيجة لكثرة القضايا والنقص في الموارد البشرية واللوجستية. ومن هنا، جاء إنشاء قضاء القرب ليكون جهة قضائية قريبة من المتقاضين، مختصة بالنظر في القضايا البسيطة التي لا تتطلب إجراءات معقدة، مثل القضايا التي لا تتجاوز قيمتها 5000 درهم في الدعاوى الشخصية والمنقولة.
ووفقًا للمادة 10 من القانون المنظم لقضاء القرب، يخرج عن اختصاص هذا القضاء النزاعات المتعلقة بمدونة الأسرة، والعقارات، والقضايا الاجتماعية، والإفراغات. كما لا يُقبل من المدعي تجزئة مستحقاته بهدف الاستفادة من اختصاص هذا القضاء، إذ يُقبل فقط المطالب الأولية.
فيما يخص المسطرة المتبعة في قضاء القرب، فهي تتم إما من خلال مقال مكتوب أو تصريح شفوي يتم تسجيله من قبل كاتب الضبط في محضر يتضمن الموضوع والأسباب وفق نموذج معد لذلك، ويوقعه الطالب. وإذا كان المدعى عليه حاضرًا، يوضح له القاضي مضمون الطلب، وإذا لم يحضر، يتم تبليغه بالمقال أو نسخة من المحضر مع استدعاء لجلسة تُعقد خلال مدة لا تتجاوز 8 أيام.
أما في القضايا الزجرية، فإن قاضي القرب يختص بالنظر في المخالفات التي لا تتجاوز عقوبتها 1200 درهم، ويشمل ذلك المخالفات المرتكبة من الرشداء كما هو منصوص عليه في المواد 15 و16 و17 و18 من القانون المنظم لهذا النوع من القضاء. ويتم تحريك الدعوى العمومية بواسطة النيابة العامة التي تحيل على قاضي القرب المحاضر المنجزة من قبل الشرطة القضائية أو الأعوان المكلفين بذلك، وفقًا للمادة 19 من القانون ذاته.
الفقرة الثانية // تأليف قضاء القرب :
تم إحداث قضاء القرب بموجب القانون رقم 42.10، الذي صدر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.151 بتاريخ 17 غشت 2011، بهدف تقليص الضغط والكثافة التي تعاني منها المحاكم الابتدائية. وقد تم منح قضاء القرب اختصاص النظر في بعض القضايا البسيطة التي لا تتطلب الإجراءات المعقدة للمساطر القانونية المقررة للقضايا التي تتجاوز قيمتها 5000 درهم، بالإضافة إلى دوره في تقريب القضاء من المتقاضين.
على عكس محاكم الجماعات والمقاطعات التي حل محلها قضاء القرب، يعد هذا الأخير عبارة عن غرف تابعة للمحاكم الابتدائية ضمن دائرة نفوذها الترابي. ويتم توزيع الاختصاص الترابي لقضاء القرب على النحو التالي: أقسام (غرف) قضاء القرب بالمحاكم الابتدائية، ويشمل اختصاصها الترابي الجماعات المحلية الواقعة بالدائرة الترابية لهذه المحاكم، وأقسام (غرف) قضاء القرب بمراكز القضاة المقيمين، ويشمل اختصاصها الترابي الجماعات المحلية الواقعة بالدائرة الترابية لمركز القاضي المقيم.
وتتألف أقسام وغرف قضاء القرب من قاضٍ أو أكثر، بالإضافة إلى أعوان كتابة الضبط أو الكتابة، وفقًا لما تنص عليه المادة الثانية من القانون رقم 42.10 الذي أُحدث بموجبه هذا النوع من القضاء.
1 – قضاة غرف قضاء القرب :
ينتمي قضاة غرف قضاء القرب إلى السلك القضائي الذي يتضمن قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة بمحكمة النقض وبمحاكم الموضوع، بالإضافة إلى القضاة الذين يمارسون مهامهم في الإدارة المركزية بوزارة العدل.
ويتم تعيين قضاة غرف قضاء القرب – سواء في المحاكم الابتدائية أو بمراكز القضاة المقيمين – من بين الملحقين القضائيين الذين اجتازوا بنجاح مباراة نهاية التكوين واستوفوا الشروط المطلوبة وفق النظام الأساسي للقضاة. ومع ذلك، يمكن استثناء ذلك في حالة تعيين القضاة من بين الأساتذة الباحثين الذين قاموا بتدريس فرع من فروع القانون لمدة لا تقل عن عشر سنوات، أو من بين المحامين الذين مارسوا مهنة المحاماة لمدة عشر سنوات على الأقل.
بالإضافة إلى ما سبق، يمكن تعيين موظفي كتابة الضبط المنتمين إلى درجة مرتبة في سلم الأجور رقم 11 على الأقل بشرط أن يكونوا قد قضوا عشر سنوات فعلية في هذه الوظيفة. كما يمكن تعيين موظفي الإدارات العمومية الذين ينتمون إلى درجة مرتبة في نفس السلم الأجور (رقم 11) بشرط أن يكونوا قد قضوا مدة لا تقل عن عشر سنوات من الخدمة الفعلية في مجال الشؤون القانونية.
ولا يكفي أن يكون القاضي المعين ملحقًا قضائيًا أو أستاذًا جامعيًا أو محاميًا أو موظفًا في مجال الشؤون القانونية، بل يجب أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط الأساسية التي تُعد ضرورية للالتحاق بالقضاء سواء كملحق أو قاض أو مستشار. وتشمل هذه الشروط ما يلي: أن يكون ذا جنسية مغربية، وأن يكون متمتعًا بكامل حقوقه المدنية وذا مروءة وسلوك حسن، وألا يكون قد أدين قضائيًا أو تأديبيًا بسبب ارتكاب أفعال تتنافى مع الشرف والمروءة وحسن السلوك، حتى وإن تم رد اعتباره، وأن يكون قادرًا صحيًا على القيام بالمهام القضائية، وألا تتجاوز سنه الخامسة والأربعين في فاتح يناير من سنة إجراء المباراة، وأن يكون حائزًا على الشهادة العلمية المنصوص عليها قانونًا لهذه الوظيفة.
بعد نجاح المرشح في مباراة الملحقين القضائيين، يُعين ملحقًا قضائيًا بقرار من وزير العدل، ويتقاضى مرتبًا يُحدد بموجب مرسوم، بالإضافة إلى تعويض تمثيلي عن بذلة الجلسة. ويقضي الملحق القضائي، بصفته هذه، فترة تدريب لمدة سنتين، تُوزع على النحو التالي:
– سنة واحدة بالمعهد العالي للقضاء مخصصة للدراسات والأنشطة التطبيقية التي تؤهل الملحقين القضائيين مهنيًا.
– سنة في محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية والإدارات المركزية، بالإضافة إلى المصالح الخارجية والجماعات المحلية والمؤسسات العامة والخاصة.
ويساعد الملحقون القضائيون القضاة في تنفيذ إجراءات التحقيق، كما يحضرون الجلسات المدنية والجنائية والإدارية بالإضافة إلى النصاب القانوني. ويشاركون في المداولات، لكن دون حق التصويت.
وعند انتهاء فترة التدريب، يخضع الملحقون القضائيون لامتحان التخرج أو نهاية التدريب، وفي حال نجاحهم وتفوقهم فيه، يتم تعيينهم قضاة من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وذلك بعد موافقة جلالة الملك بظهير شريف وفقًا للمادتين 67 و 68 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس. ويشترط أن يلتزم الملحقون القضائيون قبل إجراء امتحان نهاية التدريب بقضاء ثماني سنوات على الأقل في سلك القضاء.
ويتمتع الملحقون القضائيون بالعطل ورخص التغيب وفقًا للشروط المقررة للقضاة وإن لم يجز اعتبار مجموع الرخص والإذن بالتغيب بجميع أنواعه الممنوح لهم جزءا من التمرن إلا في حدود شهر واحد.
ومثلهم مثل باقي القضاة وإن بدرجات متفاوتة ومساطر مختلفة، يتعرض الملحقون القضائيون للعقوبات التأديبية في حال ارتكابهم لمخالفات قانونية. تشمل هذه العقوبات: الإنذار، التوبيخ ،الإقصاء المؤقت عن العمل لمدة لا تتجاوز شهرين مع الحرمان من كل مرتب باستثناء التعويضات العائلية ،الإعفاء.
2 – أعوان كتابة الضبط أو الكتابة :
يعتبر أعوان كتابة الضبط موظفين عموميين يخضعون للنظام الأساسي الخاص بهيئة كتابة الضبط الصادر في 14 شتنبر 2011، بالإضافة إلى قانون الوظيفة العمومية لسنة 1958 في حالة غياب النصوص الخاصة في النظام. ويعد أعوان كتابة الضبط من مساعدي القضاء إلى جانب المحامين والخبراء والموثقين والعدول والمفوضين القضائيين. وهم يتكفلون بعدد من المهام المرتبطة بالعمل القضائي، والتي ورد معظمها في قانون المسطرة المدنية، ومن أبرز هذه المهام:
– تلقي تقييد الدعاوي والسهر على نقلها بسجل خاص معد لذلك بالمحكمة (الفصل 31 من قانون المسطرة المدنية).
– توجيه الاستدعاء إلى الاطراف وإلى الشهود والخبراء (الفصل 1/37 ق.م.م) وهذا يدخل في إطار قيامهم بتبليغ الدعاوى، كما يقومون كذلك بمهمة تبليغ الأحكام وتنفيذها وفي هذه الحالة يعرفون بأعوان التنفيذ. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشرع أحدث هيأة أخرى تقوم بعمليات التبليغ والتنفيذ، وهي هيأة المفوضين القضائيين المحدثة بموجب القانون 81.03.
– التوقيع على غلاف الاستدعاء الموجه إلى الطرف المعني (ف. 3/38 من قانون المسطرة المدنية).
– تبليغ الأحكام إذا كانت حضورية ومعاينة حضور الأطراف أو وكلائهم بالجلسة وتسليم نسخة من منطوق الحكم مع الاشارة في آخره إلى أن التبليغ والتسليم قد وقعا (ف 9/50 من قانون المسطرة المدنية) .
– التوقيع على الأحكام الصادرة عن المحاكم إلى جانب رئيس الجلسة والقاضي المقرر إذا كانت التشكيلة جماعية، أو إلى جانب القاضي المكلف بالقضية إذا كان النزاع يدخل في القضايا التي يبت فيها قاضي فرد (ف 10/50 والفصل 5/345 والفصل 7/375 من ق.م.م).
– ويتعين أن نشير إلى أنه على الرغم من أن المشرع لم ينص على هذه الاختصاصات في الظهير المحدث لمحاكم الجماعات والمقاطعات وفي مرسومه التطبيقي، فإن أعوان كتابة الضبط أو الكتابة كانوا يقومون ببعض هذه المهام أمام محاكم الجماعات والمقاطعات نذكر منها خاصة : المشاركة في تشكيلة المحكمة إلى جانب الحاكم (الفصل 2 من ظهير 15 يوليوز 1974) تضمين الاتفاق المكتوب بين الأطراف الذي بمقتضاه ترفع قيمة النزاع إلى ألفي درهم أو الاشارة إلى عدم قدرتهم على التوقيع (الفصل 7/22 من ظ 1974) تحرير التصريحات الشفوية التي يدلي بها المدعي إذا لم يكن قد قدم الدعوى في شكل مقال مكتوب (الفصل 25 من ظ 74).
الفقرة الثالثة // المسطرة أمام غرف قضاء القرب :
تنص المادة 6 من قانون قضاء القرب رقم 42.10 على أنه ” تكون المسطرة أمام أقسام قضاء القرب شفوية ومجانية، ومعفاة من الرسوم القضائية” ، وتقضي المادة 7 بأنه “تكون جلسات أقسام قضاء الأسرة علنية، وتصدر الأحكام باسم جلالة الملك، وتضمن في سجل خاص بذلك، كما تذيل بالصيغة التنفيذية …”
وتنص المادة 52 من قانون التنظيم القضائي على أنه “نعقد جلسات غرف قضاء القرب بقاض منفرد وبمساعدة كاتب للضبط، وبحضور ممثل للنيابة في قضايا المخالفات التي تدخل ضمن اختصاص قضاء القرب…. تكون المسطرة أمام غرف قضاء القرب شفوية، ومعفاة من الرسوم القضائية بالنسبة للطلبات المقدمة من طرف الأشخاص الذاتيين. يمكن لغرف قضاء القرب عقد جلسات تنقلية بإحدى الجماعات الواقعة بدائرة النفوذ الترابي للمحكمة “.
قبل مناقشة الدعوى، يجب على قاضي القرب أن يبذل جهدًا للصلح بين الأطراف. في حال نجاح محاولة الصلح، يُحرر محضر بذلك ويتم توثيقه من قبل القاضي. أما إذا تعذر التوصل إلى صلح بين الطرفين، فإن القاضي يفصل في موضوع الدعوى بحكم نهائي غير قابل للطعن، سواء بالطعن العادي أو الاستثنائي، وذلك في مدة لا تتجاوز 30 يومًا مع مراعاة أحكام المادة 7. وفي حال كان أحد الأطراف متضررًا من الحكم، يمكنه طلب إلغائه أمام رئيس المحكمة الابتدائية خلال 8 أيام من تاريخ تبليغه، وفقًا للشروط التي حددتها المادة 9 من قانون 42.10، كما يلي:
” يمكن تقديم طلب إلغاء الحكم إذا توفرت إحدى الحالات التالية:
– إذا لم يحترم قاضي القرب اختصاصه النوعي أو القيمي
– إذا لم يجر محاولة الصلح المنصوص عليها في المادة 12 بعده
– إذا بت فيما لم يطلب منه، أو حكم بأكثر مما طلب منه، أو أغفل البت في أحد الطلبات
– إذا بت رغم أن أحد الأطراف قد جرحه عن حق
– إذا بت دون أن يتحقق مسبقا من هوية الأطراف
– إذا حكم على المدعى عليه أو المتهم دون أن تكون له الحجة على أنه توصل بالتبليغ أو الاستدعاء
– إذا وجد تناقض بين أجزاء الحكم
– إذا وقع تدليس أثناء تحقيق الدعوى. يبت الرئيس في الطلب داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ إيداعه، في غيبة الأطراف، ما لم ير ضرورة استدعاء أحدهم لتقديم إيضاحات؛ وفي جميع الحالات يبت داخل أجل الشهر. لا يقبل هذا الحكم أي طعن”.
وتتولى السلطة الإدارية المحلية على مستوى أقسام قضاء القرب مهمة تبليغ وتنفيذ الأحكام الصادرة عن هذا القضاء وفقًا لما ينص عليه الفصل 21. ومع ذلك، يمكن للمستفيد من الحكم أن يطلب تكليف المفوضين القضائيين بتبليغ وتنفيذ الأحكام الصادرة عن أقسام قضاء القرب.
انطلاقًا من هذه المقتضيات، يمكن استنتاج أن المسطرة أمام غرف قضاء القرب تتميز بعدد من الخصوصيات، أهمها: الشفوية، والمجانية، والعلنية، بالإضافة إلى الإعفاء من أداء الرسوم القضائية بالنسبة للطلبات المقدمة من الأشخاص الذاتيين. كما يمكن إضافة بعض الخصوصيات التي تبرز في فصول أخرى من القانون، مثل: البت من قبل قاضي فرد، والبساطة والسرعة في الإجراءات، وكذلك إمكانية تنظيم جلسات تنقلية في الدوائر الترابية التابعة لنفوذ المحكمة التي يتبعها قضاء القرب.
1- الشفوية والعلنية :
من أبرز مميزات المسطرة أمام غرف قضاء القرب هو الطابع الشفوي، مما يعني أن الأطراف لا يُطلب منهم تقديم وسائل دفاعهم أو دفوعاتهم في شكل مقالات مكتوبة. بل يكفي أن يترافعوا أمام قاضي القرب ويعرضوا ما يثبت صحة ادعاءاتهم أو يدحضوا مزاعم خصومهم.
ولا شك أن لهذه الميزة أهمية كبيرة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن المسطرة الكتابية تتطلب في الغالب تعيين محامٍ مسجل في إحدى هيئات المحامين بالمملكة لتمثيل الطرف المعني. ولكن، في حالة المسطرة الشفوية، يُعفى الطرف من هذا الالتزام ويكون له الخيار في تمثيل نفسه شخصيًا أمام القاضي دون الحاجة إلى محامٍ، إلا إذا رغب في الاستعانة به.
وقد كان المشرع المغربي ينص على أن المسطرة أمام المحاكم الابتدائية تتم بصورة شفوية وفقًا للفصل 45 من قانون المسطرة المدنية، ولم يكن يستوجب اللجوء إلى المسطرة الكتابية إلا في حالات استثنائية محددة في نفس الفصل المذكور، المؤرخ بـ 28 شتنبر 1974.
لكن المشرع المغربي تراجع عن هذه القاعدة في 10 شتنبر 1993، حيث أحال في المسطرة أمام المحاكم الابتدائية إلى الفصل 329 وما يليه من قانون المسطرة المدنية، الذي يستوجب سلوك المسطرة الكتابية أمام محاكم الاستئناف. ومع ذلك، تم الحفاظ على مبدأ شفوية المرافعات في بعض الحالات الاستثنائية، وهي: القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيًا وانتهائيًا، قضايا النفقة والطلاق والتطليق، القضايا الاجتماعية، قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء، وقضايا الحالة المدنية.
ولم يعتمد المشرع على سن المسطرة الشفوية أمام غرف قضاء القرب إلا بسبب طبيعة النزاعات التي تعرض أمامها، حيث تكون قيمتها زهيدة ولا تتجاوز خمسة آلاف درهم (5000 درهم). إذ لو تم النص على ضرورة اتباع المسطرة الكتابية، لكان من الضروري تنصيب محامٍ، خاصة في القضايا المدنية. وهذا كان سيثقل كاهل المتقاضي، حيث يصبح من غير المنطقي أن يدفع الشخص أتعاب محامٍ تتجاوز قيمة دعواه.
وإلى جانب الشفوية، نص المشرع أيضًا على مبدأ العلنية في جلسات قضاء القرب. وذلك على خلاف المسطرة أمام المحاكم الابتدائية في القضايا التي تتجاوز القيمة المذكورة، وأمام محاكم الاستئناف التي قد تكون سرية في بعض الحالات، مثل القضايا التي تمس النظام العام أو تلك التي تتطلب الحفاظ على أسرار الأسرة أو تتعلق بالأحداث. هذه الأنواع من النزاعات لا تعرض على قضاء القرب، الذي يقتصر في الغالب على الدعاوى الشخصية والمنقولة.
ولا تنظر غرف قضاء القرب في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية، وهي المسائل التي تستدعي أحيانًا سرية الجلسات حفاظًا على خصوصية الأطراف. بالإضافة إلى ذلك، وحتى في اختصاصاتها في المادة الجنائية، التي قد تأخذ طابعًا سريًا في بعض الأحيان أمام المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف فإن اختصاصها هذا لا يوازي في الأهمية درجة النزاعات المعروضة على محاكم الدرجة الأولى والثانية.
2 – المجانية والبساطة والسرعة :
وفقًا للمادة 6 من القانون رقم 42.10 المتعلق بقضاء القرب، فإن المسطرة أمام هذا القضاء معفاة من جميع الرسوم القضائية، مما يشكل خاصية هامة جدًا. هذه الإعفاءات تتيح لأي متضرر أو ذي مصلحة أن يتوجه إلى هذه الغرف للمطالبة بحقوقه دون عوائق مالية. فلو كان المشرع قد فرض الرسوم والمصاريف القضائية على القضايا التي تعرض على أقسام قضاء القرب، لما تمكن العديد من الأفراد من الدفاع عن حقوقهم، خصوصًا في الحالات التي قد تكون فيها حقوقهم قد تعرضت للإهدار أو التعدي من قبل الغير.
تشمل مصاريف الدعوى الرسوم القضائية، وأتعاب الخبراء والمترجمين، ومصاريف المعاينات والتنقل إذا كانت ضرورية. وقد نص المشرع على بعض من هذه المصاريف في الفصول 126 إلى 129 من قانون المسطرة المدنية.
وكما هو ملاحظ، فإن الإعفاء من جميع الرسوم القضائية أمام غرف قضاء القرب منصوص عليه بشكل تشريعي، ولا حاجة لتقديم طلب بشأن ذلك. وهذا يختلف عن المسطرة أمام المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، حيث يلتزم المتقاضي بدفع مصاريف الدعوى وجميع الرسوم المنصوص عليها في القانون، ما لم يكن معفى بمقتضى المساعدة القضائية. ويتم منح هذه المساعدة بناء على طلب يتعين أن يقدمه المتقاضي مرفقًا بما يثبت عوزه وحاجته، وتقوم النيابة العامة برفع الطلب إلى مكتب المساعدة القضائية المختص الذي يبت في الطلب إما بالموافقة أو الرفض.
ووفقًا للمادة الثانية من القانون 42.10، تتكون المحكمة من قاض أو أكثر، لكن الجلسات تُعقد أمام قاض منفرد. حيث ينص النص على أنه: “…. تعقد الجلسات بقاض منفرد بمساعدة كاتب الضبط، وبدون حضور النيابة العامة …”
ويعتبر هذا المبدأ ذا أهمية كبيرة في تحقيق البساطة والسرعة، حيث أن القضايا التي تُنظر من قبل قاض منفرد عادة ما تكون قضايا بسيطة لا تتطلب إجراءات معقدة. وهذا ينطبق بشكل خاص على غرف قضاء القرب، حيث يسهم هذا المبدأ في تسريع البت في القضايا وتنفيذ الأحكام. لا تتجاوز الآجال التي يحددها المشرع عادة بضعة أيام، خاصة إذا حضر الأطراف وقت النطق بالحكم. وهذا يختلف تمامًا عن تنفيذ الأحكام الابتدائية والقرارات الاستئنافية، التي قد تتطلب أحيانًا سنوات لإتمام تنفيذها.
يضاف إلى ما سبق أن المشرع، بخلاف الشكليات الدقيقة والبيانات الإلزامية التي فرضها للأحكام الابتدائية (الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية) والقرارات الاستئنافية (الفصل 345 من نفس القانون) وقرارات محكمة النقض (الفصل 375 من قانون المسطرة المدنية)، لم يستوجب في أحكام غرف قضاء القرب إلا أن تصدر باسم جلالة الملك وتُذيل بالصيغة التنفيذية. وهذا يعكس بوضوح خاصية البساطة والسرعة التي تميز أحكام هذه الغرف، مما يسهل تنفيذها بسرعة ودون تعقيد.
ومن المفيد الإشارة إلى أنه، وفقًا للمادة الثانية من قانون قضاء القرب، يمكن عقد جلسات تنقلية في إحدى الجماعات الواقعة ضمن دائرة النفوذ الترابي لغرفة قضاء القرب، وذلك للنظر في القضايا التي تدخل ضمن اختصاصها.
وتعد هذه المسألة في غاية الأهمية، حيث تحقق تقريب القضاء من المواطنين، خاصة في المناطق القروية والجبلية والنائية التي يجد سكانها صعوبة في التنقل إلى مقار المحاكم في المدن. من هنا، تعتبر الجلسات التنقلية من الإيجابيات التي تسجل للوزارة الوصية على القطاع، لأنها تسهم في تسهيل الوصول إلى العدالة في هذه المناطق. ومع ذلك، يبقى من الضروري أن يتم تعويض القضاة عن تكاليف تنقلهم إلى هذه المناطق، لضمان استمرارية هذا النظام وتحفيز القضاة على أداء مهامهم في ظروف ملائمة.
الفقرة الرابعة // المبادئ العامة المنظمة لعمل قضاء القرب :
تنص المادة 52 من ظهير التنظيم القضائي على ما يلي” تنعقد جلسات غرف قضاء القرب بقاض منفرد وبمساعدة كاتب للضبط وبحضور ممثل للنيابة العامة في قضايا المخالفات التي تدخل ضمن اختصاص قضاء القرب. غير أن إدلاء النيابة العامة بمستنتجاتها الكتابية يغني عن حضورها في الجلسة عند الاقتضاء.
تكون المسطرة أمام غرف قضاء القرب شفوية، ومعفاة من الرسوم القضائية بالنسبة للطلبات المقدمة من طرف الأشخاص الذاتيين. يمكن لغرف قضاء القرب عقد جلسات تنقلية بإحدى الجماعات الواقعة بدائرة النفوذ الترابي للمحكمة “.
تتناول هذه المادة المبادئ العامة المنظمة لعمل قضاء القرب في غرفه المتواجدة بالمحاكم الابتدائية والمراكز القضائية التابعة لها، حيث تؤكد على مبدأ القضاء الفردي كقاعدة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها في عقد جلسات هذه الغرف. ويشمل ذلك جميع القضايا، سواء كانت مدنية أو قضايا مخالفات.
ففي القضايا المدنية، تُعقد الجلسات أمام قاض منفرد بمساعدة كاتب الضبط، دون الحاجة لحضور ممثل النيابة العامة. أما في قضايا المخالفات التي تتعلق بالأفعال المنصوص عليها في المواد من 15 إلى 18 من القانون 42.10 المتعلق بقضاء القرب وتحديد اختصاصاته، فتنعقد الجلسات أيضًا بقاض منفرد مع مساعدة كاتب الضبط، ولكن مع حضور ممثل النيابة العامة.
هذا ويجدر بالذكر أن النيابة العامة، وفقًا للقانون 42.10، وبالتحديد المادة 2 التي تم نسخها بموجب هذا القانون، لم تكن تحضر جلسات قضاء القرب، حتى في قضايا المخالفات، وذلك بسبب النصوص الصريحة التي كانت تورد أنه “تعقد الجلسات بقاض منفرد بمساعدة كاتب للضبط، وبدون حضور النيابة العامة”.
وبموجب المادة 52، أصبح حضور النيابة العامة في جلسات قضاء القرب أمرًا ضروريًا وإلزاميًا في قضايا المخالفات، ولا يُعفى ممثل النيابة العامة من الحضور إلا في حالة تقديمه لمستنتجاته الكتابية. من خلال هذا التعديل، أراد المشرع إيجاد مخرج لكل من نفسه وللنيابة العامة، وذلك لتجاوز المفارقة المتعلقة بعدم حضور النيابة العامة في جلسات المخالفات، مما كان من شأنه أن يقلل من مكانتها في متابعة هذه القضايا.
بالإضافة إلى إرهاق ميزانية تسيير المحكمة بمزيد من التكاليف، خصوصًا عندما نعلم أن نسبة كبيرة من جلسات قضاء القرب هي جلسات تنقلية تنظر في جميع القضايا، سواء كانت مدنية أو مخالفات، وبالتالي الزام حضور النيابة العامة سيرغم المحكمة على الفصل بينها في جلستين مستقلتين.
فكان المخرج الذي ابتكره المشرع هو التنصيص على ضرورة حضور النيابة العامة، مع إضافة مقتضى ينص على أنه “غير أن إدلاء النيابة العامة بمستنتجاتها الكتابية يغني عن حضورها في الجلسة عند الاقتضاء”. وبذلك، يتيح المشرع الاستمرار في العمل بجلسة واحدة شاملة لجميع القضايا دون حضور النيابة العامة. وفي حال كانت القضية تتعلق بالمخالفات، يتم إحالة الملف إلى النيابة العامة لتقديم مستنتجاتها الكتابية، التي غالبًا ما تكون عبارة عن التماس لتطبيق القانون. بذلك، يكون الهدف من هذا التعديل هو ضمان حضور النيابة العامة بطريقة غير مباشرة من خلال تقديم مستنتجاتها الكتابية في قضايا المخالفات.
وعلاوة على ما تم ذكره سابقًا، استمرت المادة في التأكيد على اتباع المسطرة الشفوية أمام غرف قضاء القرب، مع الإعفاء من دفع الرسوم القضائية بالنسبة للطلبات المقدمة من الأفراد.
أما بالنسبة للأشخاص الاعتباريين، سواء كانوا الدولة أو الإدارات العمومية أو الشركات أو الهيئات أو الجمعيات أو المؤسسات، فإن الطلبات المقدمة من قبلهم إلى غرف قضاء القرب لا تُعفى من دفع الرسوم القضائية. ويلزم هؤلاء الأشخاص أداء الرسوم سواء كانت الطلبات أصلية أو مقابلة، وفي حال عدم دفع الرسوم، يُحكم بعدم قبول الطلب.
وتماشيًا مع المقتضى الوارد في المادة 3 من هذا القانون، نصت الفقرة الأخيرة من المادة موضوع الشرح على إمكانية عقد جلسات تنقلية في إحدى الجماعات التابعة لدائرة النفوذ الترابي للمحكمة.
Share this content: