المسطرة أمام المحاكم الابتدائية

1 – المسطرة أمام المحاكم الابتدائية:

تنص المادة 51 من قانون التنظيم القضائي على ما يلي “مع مراعاة الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة الابتدائية بمقتضى قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية أو نصوص قانونية خاصة، تعقد المحاكم الابتدائية، بما فيها المصنفة، جلساتها بقاض منفرد وبمساعدة كاتب الضبط، عدا عند وجود نص قانوني خاص، أو في الحالات التالية التي يبت فيها بهيأة مؤلفة من ثلاثة قضاة بمن فيهم الرئيس وبمساعدة كاتب للضبط :

– في الدعاوي العقارية العينية والمختلطة.

– قضايا الأحوال الشخصية بما فيها قضايا الأسرة، باستثناء قضايا الطلاق الاتفاقي والنفقة وأجرة الحضانة والحق في زيارة المحضون والرجوع إلى بيت الزوجية وإعداد بيت الزوجية وقضايا الحالة المدنية.

– القضايا الجنحية التي تقرر فيها متابعة الشخص في حالة اعتقال ولو توبع معه أشخاص في حالة سراح، وتبقى الهيأة الجماعية مختصة بالبت في القضية في حالة منح المحكمة السراح المؤقت للشخص المتابع.

– القضايا التجارية المسندة إلى القسم المتخصص في القضاء التجاري.

– القضايا الإدارية المسندة إلى القسم المتخصص في القضاء الإداري.

إذا تبين للقاضي المنفرد أو لهيأة القضاء الجماعي، تلقائيا أو بناء على طلب أحد الأطراف، أن أحد الطلبات الأصلية أو المقابلة أو طلبات المقاصة يرجع النظر فيه إلى هيأة أخرى، أو له ارتباط بدعوى جارية أمامها، أحيل ملف القضية بأمر ولائي إلى رئيس المحكمة الذي يتولى هو أو نائبه إحالة القضية فورا إلى الهيأة المعنية. وفي جميع الأحوال لا يترتب البطلان عن بت هيأة القضاء الجماعي في قضية من اختصاص فرد “.

وحسب المادة 53 من نفس القانون” يجب حضور ممثل النيابة العامة في الجلسات الزجرية للمحكمة الابتدائية تحت طائلة بطلان المسطرة والحكم مع مراعاة مقتضيات المادة 52 أعلاه.

يعتبر حضور ممثل النيابة العامة في الجلسة اختياريا في جميع القضايا الأخرى ويغني إدلاؤه بالمستنتجات الكتابية عن حضوره عند الاقتضاء، عدا في الأحوال المحددة بمقتضى قانون المسطرة المدنية، وخاصة إذا كانت النيابة العامة طرفا أصليا، وفي جميع الأحوال الأخرى المقررة بمقتضى نصوص قانونية أخرى…”.

ويقضي الفصل 45 من قانون المسطرة المدنية المعدل في 17 غشت 2011 بأنه ” تطبق أمام المحاكم الابتدائية وغرف الاستئنافات بها قواعد المسطرة الكتابية المطبقة أمام محاكم الاستئناف وفقا لأحكام الفصول 329 و 331 و 332 و 334 و 335 و 336 و 342 و 344 الآتية بعده.

غير أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية : القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا ؛ قضايا النفقة والطلاق والتطليق ؛ القضايا الاجتماعية ؛ قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء؛ قضايا الحالة المدنية “.

من خلال هذه المقتضيات، يتضح أن المسطرة أمام المحاكم الابتدائية تقوم على عدة مبادئ أساسية، أبرزها التشكيلة الجماعية أو الفردية للمحكمة، بالإضافة إلى ضرورة اتباع المسطرة الكتابية.

بالنسبة لمبدأ القاضي الفرد، يجدر التذكير بأن المشرع المغربي شهد ترددًا عدة مرات بين اعتماد مبدأ القاضي الفرد ومبدأ القضاء الجماعي.

ففي ظل ظهير 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي، اعتمد التشريع المغربي مبدأ القاضي الفرد للنظر في القضايا. إلا أن الانتقادات التي وُجهت إلى هذا المبدأ، خاصة فيما يتعلق بارتفاع نسبة الأخطاء في الأحكام الصادرة عن القاضي الفرد، دفعت المشرع إلى تعديل هذا النظام.، ويسلك طريقا آخر مفاده أن المحاكم الابتدائية تبت وهي مشكلة من ثلاثة قضاة كقاعدة عامة باستثناء بعض النزاعات التي يُنظر فيها بقاضي منفرد، وقد كان ذلك بمقتضى التعديل الذي أدخله ظهير 10 شتنبر 1993 على التنظيم القضائي.

ومع ذلك، ففي التدخلين التشريعيين اللذين تم إجراؤهما في 11 نونبر 2003 وفي 17 غشت 2011، بالإضافة إلى مقتضيات التنظيم القضائي المغربي الجديد، أعاد المشرع تبني مبدأ القاضي الفرد في جميع القضايا، باستثناء الحالات الواردة حصراً في المادة المعنية، التي تبت فيها المحاكم بتشكيلة جماعية.

ويتعلق الأمر بالحالات التي ينص فيها القانون على ذلك بشكل صريح، بالإضافة إلى الحالات التي أوردتها المادة 51 من قانون التنظيم القضائي بشكل حصري. ومن أبرز هذه الحالات قضايا الأحوال الشخصية، بما في ذلك قضايا الأسرة، باستثناء قضايا الطلاق الاتفاقي والنفقة وأجرة الحضانة والحق في زيارة المحضون، فضلاً عن القضايا المتعلقة بالرجوع إلى بيت الزوجية وإعداد بيت الزوجية وقضايا الحالة المدنية.

وكما هو واضح، فقد قام المشرع من خلال القانون رقم 38.15 بإدخال تعديلات هامة على ما كان ينص عليه ظهير التنظيم القضائي، وتظهر هذه التعديلات بشكل خاص في قضايا الأحوال الشخصية. ومن المعروف أن قضايا الأحوال الشخصية أوسع بكثير من قضايا الأسرة، إذ تشمل بشكل مبدئي جميع النصوص القانونية التي تنظم حالة الشخص، بغض النظر عن مجال تنظيمها.

لكن مع ذلك، سرعان ما تراجع المشروع فيقيد هذا المفهوم المطلق للأحوال الشخصية مستبعدًا عددًا من القضايا التي تندرج أصلا في مجال الأحوال الشخصية، ومن أمثلة ذلك إخراج الطلاق الاتفاقي والنفقة وأجرة الحضانة والحق في زيارة المحضون والرجوع لبيت الزوجية وإعداد بيت الزوجية وقضايا الحالة المدنية.

وهو الأمر الذي يفيد أن كل ما يتعلق بالأحكام المتصلة بحالة الشخص في إطار قانون كفالة المهملين أو في القوانين الأخرى ذات الصلة، والتي لم يتم استثناءها من التشكيلة الجماعية التي تبنتها المادة 51 من قانون التنظيم القضائي.

ومن أبرز مظاهر توسيع مبدأ القضاء الجماعي هو تمديده ليشمل المحاكم الابتدائية إلى جانب المحاكم التجارية والمحاكم الإدارية. لكن يجب أن يتم فهم هذا التمديد بشكل دقيق، حيث لا يتعلق الأمر بكل القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها، بل يقتصر على القضايا التجارية والقضايا الإدارية بالنسبة للمحاكم الابتدائية التي تتضمن الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري، والأقسام المتخصصة في القضاء الإداري.

إن التمديد المشروط بإحداث الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري والإداري قد يثير بعض الإشكالات. فمن ناحية، سيكون لدينا نوع من التنوع في هيكل المحاكم الابتدائية، حيث قد تكون هناك محاكم لا تتضمن هذه الأقسام، وبالتالي لا تخضع لمبدأ القضاء الجماعي. ومن ناحية أخرى، سنواجه محاكم تطبق مبدأي القاضي الفرد والقضاء الجماعي في الوقت نفسه؛ حيث يُطبَّق القضاء الفردي في جميع القضايا ما عدا تلك المتعلقة بالقضاء التجاري والإداري، التي تُطبق فيها مبدأ القضاء الجماعي.

ومن أبرز تجليات تأكيد المشرع على مبدأ القضاء الجماعي في المحاكم الابتدائية هو تطبيقه على القضايا الجنحية رغم عدم التمييز بين الجنح الضبطية والجنح التأديبية خلافا لما عليه الأمر في النص الحالي حيث تشترط المادة 51 من القانون 38.15 أن تتم متابعة الشخص في حالة اعتقال ولو توبع من معه في حالة سراح.

تضاف إلى هذه الحالات الاستثنائية الحالة التي يكون فيها أحد الطلبات الأصلية أو المقابلة أو طلبات المقاصة ضمن اختصاص هيئة أخرى، أو إذا كان له ارتباط بدعوى جارية أمامها، حيث يتم إحالة القضية إلى الهيئة المختصة بناءً على أمر ولائي يصدره رئيس المحكمة الابتدائية.

ومن خلال هذا المقتضى، يتضح أن هناك اختلافًا بين صياغة الفصل الرابع من ظهير التنظيم القضائي الحالي كما تمم وعدل وبين صياغة الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 51 من القانون رقم 38.15 إذ أن الفصل الرابع يتناول الحالات التي تُعرض فيها القضية على القاضي الفرد بينما هي في الواقع تدخل ضمن اختصاص القضاء الجماعي، وفي هذه الحالة، يكون الحل هو منح الاختصاص للقضاء الجماعي بدلاً من القاضي الفرد.

أما فيما يتعلق بالمادة 51، إذا كانت القضية تتطلب النظر من قبل هيأة أخرى، فإن الإحالة التي يقوم بها رئيس المحكمة أو نائبه لا تفضي بالضرورة إلى عرض النزاع على هيأة جماعية. بل يتيح النص إمكانية إحالة الملف إلى أي هيأة، سواء كانت جماعية أو فردية

بناءً على ذلك، يمكن القول بشكل عام إن المشرع المغربي اعتمد كلا من نظامي القضاء الجماعي والقضاء الفردي أمام المحاكم الابتدائية، بحيث يتم تطبيق كل منهما وفقًا لطبيعة القضية وظروفها.

ففيما يتعلق بالتشكيلة الجماعية للمحكمة، يتضح من خلال الفصل الرابع من ظهير التنظيم القضائي والمادة 51 من قانون التنظيم القضائي أن المحكمة لا تنظر في القضايا بعين قاض منفرد، بل تتكون من ثلاثة قضاة. وقد تم تبني هذا المبدأ بعد التعديلات التي أدخلها المشرع على عدة فصول من قانون المسطرة المدنية في العاشر من شتنبر 1993، حيث تم استبدال عبارة “القاضي” بعبارة “المحكمة”.

ورغم ذلك، يعتبر القضاء الفردي اختيارًا مناسبًا نظرًا للفوائد التي يقدمها للمتقاضين، مثل تسريع البت في القضايا وتبسيط الإجراءات. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك القاضي الفرد فرصة اتخاذ القرارات بناءً على قناعته الشخصية، حيث يتابع جميع مراحل النزاع بنفسه حتى يتم الفصل فيه.

ولقد تبنى المشرع مبدأ القضاء الجماعي استجابة للانتقادات التي وُجهت إلى مبدأ القاضي الفرد، والتي أبرزت احتمالية وقوع أخطاء قد تؤثر سلبًا على حقوق الأطراف. إلا أن القضاء الجماعي، رغم كونه خطوة مهمة نحو ضمان العدالة، لا يخلو من تحديات. فبجانب أهمية التنوع في وجهات النظر، قد تظهر صعوبة في الانسجام والتواصل بين القضاة في الهيئة، خصوصًا في حالات التباين في آراء القضاة وتوجهاتهم واختلاف خلفياتهم القانونية والفكرية.

ومن المهم الإشارة إلى أن قانون المسطرة المدنية، خلافًا لبعض القوانين المقارنة، لا يتيح إبراز مواقف جميع الأعضاء المشاركين في المداولة في منطوق الحكم. فإذا اعترض أو تحفظ أحد أعضاء الهيئة على حكم ما، يجب عليه الخضوع لرأي الأغلبية، بل وتحمل المسؤولية التي قد تترتب على ذلك الحكم الذي لم يكن موافقا على منطوقه.

ورفعا لمثل هذه الاشكالات، ولتعزيز ثقة المتقاضين في مرفق القضاء، من الأفضل أن يُفتح المجال للقضاة للتعبير عن مواقفهم في المنطوق سيرا على نفس النهج الذي سلكه المشرع بالنسبة لأحكام المحكمين حيث يوقع كل واحد من المحكمين إذا كان المحكمون أكثر من اثنين ورفضت الاقلية التوقيع أشار المحكمون الآخرون لذلك فيه ويعتبر الحكم له نفس المفعول كما لو كان موقعًا من الجميع.

واستجابة لذلك، قرر قانون التنظيم القضائي اعتماد مبدأ جديد يسمح بالإشارة إلى جميع الآراء المعبر عنها من قبل أعضاء الهيئة القضائية، بما في ذلك الرأي المخالف. يتم توثيق هذه الآراء في محضر سري، يتم توقيعه من قبل جميع أعضاء الهيئة، ويتم الاحتفاظ به لدى رئيس المحكمة المعنية لمدة عشر سنوات. ومع ذلك، لا يمكن الاطلاع على هذا المحضر من قبل الغير إلا إذا قرر المجلس الأعلى للسلطة القضائية السماح بذلك.

وهكذا نصت المادة 16 من القانون 38.15 على أنه ” تصدر أحكام قضاة هيئة القضاء الجماعي بالإجماع أو بالأغلبية، بعد دراسة القضية والتداول فيها سرا، وتضمن وجهة نظر القاضي المخالف معللة، بمبادرة منه في محضر سري خاص موقع عليه من قبل أعضاء الهيئة، يضعونه في غلاف مختوم، ويحتفظ به لدى رئيس المحكمة المعنية بعد أن يسجله في سجل خاص يحدث لهذه الغاية، ولا يمكن الاطلاع عليه من قبل الغير إلا بناء على قرار من المجلس الأعلى للسلطة القضائية. يحتفظ بالمحضر المذكور لمدة عشر سنوات من تاريخ إنجازه، ويعتبر الكشف عن مضمونه بأي شكل كان خطأ جسيما “.

ومن خلال تحليل هذه المادة بشكل مبسط، يتضح أن المشرع قد اتخذ خطوة جريئة تهدف إلى ضمان الشفافية وتوفير مساحة أكبر للحرية في التعبير عن المواقف خلال مداولات القضايا، إلى جانب تحديده بصورة غير مباشرة لمسؤولية كل عضو من أعضاء الهيأة في الملف في حال التقدم بشكوى أو إجراء تفتيش بشأن ملابسات صدور الحكم أو القرار.

رغم ذلك، تظل هذه المبادرة محدودة الأثر إلى حد بعيد، حيث أن تضمين القرار أو الرأي المخالف في محضر سري يحتفظ به لمدة عشر سنوات لدى رئيس المحكمة، دون إمكانية الكشف عن مضمونه إلا بموافقة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لا يحقق الهدف الذي تم السعي إليه منذ سنوات بالإشارة إلى الرأي المخالف على غرار ما نص عليه قانون المسطرة المدنية في مجال أحكام المحكمين، وأسوة بعدد من القوانين المقارنة.

وبالفعل، رغم ما أشرنا إليه من محدودية المبادرة، فإنها تظل خطوة إيجابية جديرة بالتأييد والتشجيع. فالسماح للغير بالاطلاع على الآراء الصادرة عن الهيئات القضائية دون شروط قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها، ما لم يتم ضمان حماية كافية للمعلومات. فالأمن القضائي وبناء الثقة في المؤسسة القضائية يتطلبان جهودًا كبيرة، فضلاً عن تدرج في التشريع يتناسب مع مستوى الوعي بدور القضاء الحيوي في تحقيق العدالة بين المواطنين.

ومن الممكن بعد سنوات من تطبيق هذا النص الجديد أن تصبح المسألة مقبولة وأكثر فهمًا، حيث لا يمكن إصدار تشريع دون مراعاة جميع جوانبه وآثاره المختلفة على المواطنين والمتقاضين، بالإضافة إلى القضاة الذين يجب توفير الحماية اللازمة لهم من أي تبعات قد تنجم عن الكشف عن محتوى الحكم.

وفيما يتعلق بالمسطرة الكتابية، فقد تبنى المشرع هذه المسطرة في التقاضي أمام المحاكم الابتدائية بعد تعديل الفصل 45 من قانون المسطرة المدنية، حيث كانت المسطرة في السابق شفوية بموجب النص السابق قبل التعديل الذي تم في عام 1993.

في الواقع، لم يكن هذا التعديل نتيجة للصدفة أو اتخاذ قرارات عشوائية، بل كان استجابة لعدة عوامل دافعة، منها التغيرات المجتمعية التي شهدها المغرب وضرورة التوافق بين قانون المسطرة المدنية والقانون المنظم لمهنة المحاماة الذي صدر في سنة 2008 الذي جاء بمقتضيات تتماشى نسبيا من بعض الوجوه مع ما ورد في الفصل 45 من قانون المسطرة المدنية،

حيث ينص على أن المحامين المقيدين في جدول هيئات المحامين بالمملكة هم الجهة الوحيدة المؤهلة لتمثيل الأطراف ومؤازرتهم في تقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في القضايا. ويستثنى من ذلك بعض القضايا، مثل قضايا التصريحات بالحالة المدنية، وقضايا النفقة أمام المحاكم الابتدائية والاستئنافية، بالإضافة إلى القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائياً وانتهائياً، وكذلك المؤازرة في قضايا الجنح والمخالفات.

وبذلك يتضح وجود نوع من التكامل بين المسطرة الكتابية المعتمدة وتنصيب المحامي. فبالنظر إلى الاستثناءات الواردة في المادة المشار إليها، والتي لا تفرض ضرورة توكيل المحامي، وتلك المنصوص عليها في الفصل 45، نجد أن هناك تطابقاً ملحوظاً بينهما. وهذا يشير إلى أن المسطرة الشفوية، كقاعدة عامة، لا تتطلب تنصيب محامٍ، في حين أن المسطرة الكتابية تستوجب ذلك كقاعدة أساسية.

2 – حضور النيابة العامة في الجلسات الزجرية بالمحكمة الابتدائية:

تنص المادة 53 من ظهير التنظيم القضائي على ما يلي ” يجب حضور ممثل النيابة العامة في الجلسات الزجرية للمحكمة الابتدائية تحت طائلة بطلان المسطرة والحكم، مع مراعاة مقتضيات المادة 52 أعلاه.

يعتبر حضور ممثل النيابة العامة في الجلسة اختياريا في جميع القضايا الأخرى ويغني إدلاؤه بالمستنتجات الكتابية عن حضوره عند الاقتضاء، عدا في الأحوال المحددة بمقتضى قانون المسطرة المدنية، وخاصة إذا كانت النيابة العامة طرفا أصليا، وفي جميع الأحوال الأخرى المقررة بمقتضى نصوص قانونية أخرى.

يجب حضور المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق في جلسات القضايا الإدارية التي يختص بها القسم المتخصص في القضاء الإداري بالمحكمة الابتدائية.

يدلي المفوض الملكي بكل استقلال بآرائه مكتوبة، ويمكن له توضيحها شفهيا لهيئة الحكم بالجلسة، سواء فيما يتعلق بالوقائع أو القواعد القانونية المطبقة عليها. يحق للأطراف الحصول على نسخة من المستنتجات الكتابية للمفوض الملكي. لا يشارك المفوض الملكي في المداولات “.

يشدد المشرع في هذه المادة على ضرورة حضور النيابة العامة في جميع الجلسات الزجرية للمحكمة الابتدائية، سواء كانت المتابعة تتعلق بجنحة أو مخالفة من المخالفات التي لا تدخل ضمن اختصاص غرف قضاء القرب. وفي حال عدم حضورها، يتم اعتبار المسطرة باطلة بجميع إجراءاتها، مثل استجواب الشهود أو إجراء الخبرة أو المعاينة، وما تم اتخاذه من تدابير للمراقبة أو الحماية، ولا يجوز استخدام أي من هذه الإجراءات في الدعوى الحالية أو أمام أي محكمة زجرية أخرى، سواء كانت من نفس الدرجة أو أعلى.

كما أن الحكم الصادر في غياب ممثل النيابة العامة يُعتبر باطلاً ويفقد أي حجية قضائية، ولا ينتج أي أثر تجاه المتهم أو المطالب بالحق المدني، ولا يمكن لأي منهما التمسك به ضد الآخر. علاوة على ذلك، يكون بطلان هذا الحكم محكوماً به بموجب القانون، دون الحاجة لأن يثير أحد الأطراف ذلك أمام المحكمة الأعلى درجة. ويحق للمحكمة الأعلى درجة أن تقرر بطلانه من تلقاء نفسها بمجرد ملاحظتها لعدم حضور النيابة العامة خلال الجلسة التي صدر فيها الحكم، ومن ثم إعادة القضية إلى المحكمة الابتدائية لتبث فيها مجدداً طبقاً للقانون.

وفي غير القضايا الزجرية المشار إليها، يُعتبر حضور ممثل النيابة العامة في الجلسة اختيارياً في القضايا الأخرى، ويغني عن حضوره تقديمه للمستنتجات الكتابية عند الحاجة، خاصة في القضايا المدنية. ومع ذلك، هناك استثناءات منصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، حيث يُلزم المشرع بحضور النيابة العامة في بعض الحالات، ويكون تواجدها في الجلسة واجباً، لا سيما إذا كانت طرفاً أصلياً في الدعوى، وكذلك في جميع الحالات الأخرى المنصوص عليها في نصوص قانونية أخرى.

عند النظر في هذا المقتضى الذي ورد في الفقرة الثانية من هذه المادة، وخاصة في الاستثناء المتعلق بإلزامية حضور النيابة العامة في القضايا المدنية التي تحدد بعض القوانين الخاصة وجوب حضورها فيها، أو عندما تكون طرفاً أصلياً، قد يتبين أن المشرع قد حسم هذا الأمر بشكل قاطع، بحيث لا يترك مجالاً للشك بشأن حالة حضور النيابة العامة أو عدمه في هذه الحالات.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *