الكراء الطويل الأمد
نظم المشرع المغربي الكراء الطويل الأمد في مدونة الحقوق العينية من المادة 121 إلى المادة 129، وهذا النوع من الكراء يمنح مكتري العقار المحفظ حقا عينيا قابلا للرهن الرسمي ويولي له نتيجة لذلك ميزتي التتبع والأولوية، كما يمكن تفويت هذا الحق وحجزه طبقا للشروط المقررة في الحجز العقاري، وهو الأمر نفسه الذي كان مكرسا في الفصل 87 من ظهير 19 رجب مع واجب التنبيه على أن مدة هذا الكراء في الفصل 87 من ظهير 19 رجب كانت من 18سنة ودون أن تتجاوز 99 سنة.
أما في المادة 121 من مدونة الحقوق العينية فهذه المدة تكون من 10 سنوات إلى 40 سنة، وينقضي هذا الحق بانقضائها ومن ثم يكون المشرع قد قلص من مدة هذا الكراء وجعلها لا تتجاوز 40 سنة، حتى تنسجم مع مدة الكراء الفلاحي في قانون الالتزامات والعقود.
وما دام أن حق الكراء الطويل الأمد يعتبر حقا عينيا فإنه تسري عليه ما تسري على الحقوق العينية العقارية من إمكانية تقييده بالسجل العقاري طبقا للفصليين 66 و 67 من الظهير المطبق على العقارات المحفظة.
وقد ذهبت محكمة النقض في أحد القرارات الصادرة عنها إلى أنه: …. إذا كان الكراء لمدة 18 سنة هو الكراء الطويل الأمد المنصوص عليه في الفصل 87 من المرسوم المطبق على العقارات المحفظة هو الذي يخول للمستأجر حقا عينيا مع ما يترتب عن ذلك قانونا، فإن حق تسجيل عقد الكراء بالرسم العقاري فقط، لا يتطلب بالضرورة المدة المنصوص عليها في الفصل 87 المشار إليه وإن ما يتطلب عقد كراء تفوق مدته 3 سنوات فحسب كما ينص على ذلك الفصل 65 من ظهير 12 غشت 1913 والقرار المطعون فيه ذهب عكس ذلك يكون خارقا للفصل المذكور مما عرضه للنقض والإبطال”.
وبما أن حق الكراء الطويل الأمد يعتبر من الحقوق القابلة للإشهار في الرسم العقاري. فإنه يكون موضوع التعرض على مطلب التحفيظ.
أولا – خصائص الكراء الطويل الأمد :
يختلف حق الكراء الطويل الأمد عن الكراء العادي المنصوص عليه في قانون الالتزامات والعقود أو في قوانين الكراء الخاصة كما هو الشأن بالنسبة للقانون الذي ينظم العلاقات التعاقدية بين المكرين والمكترين للأماكن المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني من حيث أنه يمنح صاحبه حقا عينيا يوليه ميزة التتبع وميزة الأولوية كما أنه قابل للرهن الرسمي وهذا بخلاف الكراء العادي الذي لا ينشأ عنه سوى حقوق شخصية ويتميز الكراء الطويل الأمد بالخصائص التالية:
1 – أنه حق عيني عقاري يولي صاحبه ميزة التتبع وميزة الأولوية ويقبل أن يكون محلا لرهن رسمي ( المادة 121 من مدونة الحقوق العينية).
2 – يجوز لصاحبه أن يتصرف فيه، كما يجوز للغير الحجز عليه حسب شروط الحجز العقاري ( المادة 121 من مدونة الحقوق العينية).
3- أنه كراء ينقضي بانقضاء مدته ولا يقبل التمديد، عن طريق التجديد الضمني ( المادة 121 من مدونة الحقوق العينية).
4- أنه حق مؤقت تتراوح مدته بين حد أدنى لا يمكن أن يقل عن 10 سنوات وحد أقصى لا يتجاوز 40 سنة ( المادة 121 من مدونة الحقوق العينية).
5- إذا كان الكراء الطويل الأمد شائعا بين عدة أشخاص فإنه يولي كل مشاع حق أخذ حصة شريكه المبيعة عن طريق الشفعة.
الكراء الطويل الأمد في القانون المغربي ينشأ إما عن طريق العقد، وهي الحالة العادية والغالبة، حيث يتم الاتفاق بين المؤجر والمستأجر على تأجير العقار لمدة طويلة، ويُحدد في العقد الشروط والحقوق والواجبات الخاصة بكلا الطرفين، مثل مدة الإيجار، وقيمة الإيجار، وطرق الدفع، وغير ذلك من التفاصيل القانونية.
ومع ذلك، قد ينشأ الكراء الطويل الأمد أيضًا عن طريق الشفعة، وهي حالة استثنائية تحدث عندما يقوم أحد الشركاء في ملكية شائعة ببيع حصته من العقار إلى شخص آخر غير الشركاء. في هذه الحالة، يُمنح باقي الشركاء حق الشفعة، أي أن لهم أولوية شراء الحصة المبيعة بنفس الشروط التي عرضها المشتري الخارجي.
ثانيا – الحقوق والالتزامات التي يرتبها الكراء الطويل الأمد :
1) الحقوق التي يرتبها الكراء الطويل الأمد :
1 – حق استعمال العقار فيما أعد له دون إدخال أي تعديل عليه من شأنه أن ينقص من قيمته، وإذا أحدث المكتري تحسينات أو منشآت زادت في قيمة العقار فليس له هدمها ولا حق له في التعويض ( المادة 126 من مدونة الحقوق العينية).
2 – يمكن للمكتري أن يكتسب لصالح الملك حقوق ارتفاق وأن يرتب عليه بسند حقوق ارتفاق لفائدة الغير لمدة لا تتجاوز مدة الكراء الطويل الأمد، شرط أن يخبر المالك بذلك ( المادة 128 من مدونة الحقوق العينية ).
3- يستفيد المكتري مما يضم أو يدمج بالعقار نتيجة الالتصاق طيلة مدة الكراء الطويل الأمد ( المادة 129 من مدونة الحقوق العينية).
4 – لصاحب الكراء الطويل الأمد حرية التصرف في الحق المتنازل عنه سواء كان ذلك بعوض أو بدون عوض بشرط أن يكون هذا التصرف أو التنازل محصورا بمدة الكراء الطويل الأمد
2) الالتزامات التي يرتبها الكراء الطويل الأمد:
1 – تحمل جميع التكاليف والضرائب المترتبة على العقار ( المادة 127 من مدونة الحقوق العينية).
2 – القيام بالصيانة وجميع الإصلاحات التي تتطلبها الأبنية الموجودة وقت العقد أو تلك التي تم إنشاؤها تنفيذا لبنود العقد، ولكن ليس له إعادة البناء إذا أثبت أن سبب انهيارها يرجع لحادث فجائي أو قوة قاهرة أو أنها هلكت نتيجة عيب بالبناء السابق على عقد الكراء الطويل الأمد ( المادة 127 من مدونة الحقوق العينية).
3- تأدية بدل الأجور المتفق عليها في الاستحقاقات وتنفيذ جميع الالتزامات المنصوص عليها في العقد.
وفي حالة عدم دفع الأجرة مدة سنتين متتابعتين جاز للمكري بعد توجيه إنذار بدون جدوى أن يحصل قضائيا على فسخ الكراء الطويل الأمد كما يمكنه أن يطالب بالفسخ في حالة عدم تنفيذ شروط العقد أو إلحاق المكتري أضرارا جسيمة بالملك. غير أنه يجوز للمحكمة مراعاة منها لظروف المكتري أن تمنح أجالا معتدلة للوفاء ( المادة 124).
وجدير بالملاحظة أن المكتري كراء طويل الأمد لا يجوز له طلب تخفيض بدل الأجرة بحجة هلاك العقار جزئيا أو بحجة حرمانه من غلته كلا أو بعضا نتيجة حادث فجائي أو قوة قاهرة ( المادة 123 من مدونة الحقوق العينية).
ثالثا – انقضاء حق الكراء الطويل الأمد :
ينقضي الكراء الطويل الأمد وفقا لمدونة الحقوق العينية بأحد سببين:
1 – بحلول أجله: أي عندما تنتهي المدة المحددة في العقد بين المؤجر والمستأجر، حيث ينقضي الكراء تلقائيًا مع انتهاء الأجل المتفق عليه في العقد. وفي حالة وفاة المستأجر قبل حلول الأجل، يُنتقل حقه في الكراء إلى ورثته الذين يستفيدون من هذا الحق حتى نهاية المدة المتفق عليها في العقد. بمعنى آخر، لا يتوقف الكراء بعد وفاة المستأجر، بل يظل ساريًا ويُنتقل إلى الورثة الذين يلتزمون بأداء الأجرة والشروط المنصوص عليها في العقد.
2 – بفسخه قضائيًا، إذ يمكن أن ينقضي الكراء الطويل الأمد بقرار قضائي في حال حدوث خروقات من جانب المستأجر، وهذه الخروقات تتضمن “تأخر المستأجر عن دفع الأجرة المتفق عليها لمدة سنتين متتاليتين فيحق للمؤجر طلب فسخ العقد من المحكمة”، وكذا إذا لم ينفذ المستأجر الشروط الواردة في العقد، سواء كانت متعلقة بالاستخدام الأمثل للعقار أو بأي التزامات أخرى محددة، وكذا إذا تسبّب المستأجر في إلحاق أضرار جسيمة بالعقار المؤجر، سواء كان ذلك بسبب الإهمال أو سوء الاستخدام، ففي كل هذه الحالات يمكن للمؤجر اللجوء إلى المحكمة لطلب فسخ العقد ( المادة 124 من مدونة الحقوق العينية).
تم الاستفادة من مراجع لإعداد هذا المقال، منها:
- عمر أزوکار: مستجدات التحفيظ العقاري في ضوء قانون 14.07 ومدونة الحقوق العينية، دراسة عملية ورصد المواقف القضائية لمحكمة النقض، منشورات دار القضاء بالمغرب، الطبعة الأولى 2012.
- إدريس الفاخوري، الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08.
- مامون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي الجزء الثاني شركة الهلال العربية للطباعة والنشر الرباط الطبعة الثانية 1987.
Share this content: