التعريف بالخطبة وآثار العدول عنها
أولا – تعريف مدونة الأسرة للخطبة :
عرفت مدونة الأسرة في المادة الخامسة الخطبة بأنها : ” تواعد رجل وامرأة على الزواج، وتتحقق الخطبة بتعبير طرفيها بأي وسيلة متعارف عليها تفيد التواعد على الزواج ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت به العادة والعرف من تبادل الهدايا.” ويمكن أن نستنتج من تعريف المدونة ما يلي:
– تعبيرها عن الخطبة بالتواعد وليس بالوعد ، حيث التواعد يعني ضرب موعد إلى أجل معين محدد في الزمان والمكان، لقوله تعالى : ” وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ”، أما الوعد فهو نقيض التواعد الذي يلتزم به الإنسان مع نفسه أو مع غيره، وتعبير المدونة بالتواعد بدل الوعد كان صائبا ومنسجما مع تحقق الدلالة اللغوية في الخطبة.
– الخطبة ليست عقداً؛ بل هي وعد بالعقد، وهذا تكييفها الشرعي والقانوني وهذا التكييف متفق عليه بين المذاهب الإسلامية كلها، وهو متفق مع التوجه القانوني الحديث في القوانين العربية والغربية، إذ نصت كل القوانين العربية على أن الوعد بالزواج لا يعد زواجاً.
– فالتواعد يحقق الالتزام عند الطرفين اللذان يعتبران في فترة تواعد إلى حين الإشهاد على الزواج وقد نص مدونة الأسرة في المادة 6 يعتبران الطرفان في فترة خطبة إلى حين الإشهاد على عقد الزواج ولكل من الطرفين حق العدول عنها.
و تتحقق الخطبة بكل ما تدل عليه عرفا إما بالقول واما بالفعل ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرى بع العمل والعرف من تبادل الهدايا بين الناس وتعد الخطبة السبيل الوحيد لتعرف الطرفين على بعضهما ودراسة طبائعهما وميولهما ولكن في حدود ما هو مسموح به شرعا. فإذا اتفقا فيما بينهما على الزواج أمكن إبرام العقد، وإذا لم يتفقا رجع كل واحد على سبيله.
ثانيا – شروط وآداب الخطبة :
– أن لا تكون المراد خطبتها قد خطبها شخص آخر لقوله صلى الله عليه وسلم: ” لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه. و لما في ذلك من التناحر والتباغض الذي قد ينشأ بين الخاطب الأول والخاطب الثاني والمخطوبة ويؤثر على كيان المجتمع، والأسرة من كيانه يجب احترامها والمحافظة عليها والذود عن حماها.
– أن تكون المخطوبة ذات خلق ودين، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم :تنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك.
– أن لا تكون المراد خطبتها من النساء المحرمات على الرجل بالقرابة أو المصاهرة أو الرضاع، بل النساء البعيدات عليه، تفاديا لقطع الرحم، وكذلك أن التزاوج بالنساء القريبات يسبب ضعف النسل.
– أن لا تكون المخطوبة في حالة عدة من زواج سابق، وفي هذا الشرط يجب التمييز بين ثلاث حالات :
1 – المعتدة من طلاق رجعي :
فقد انعقد إجماع على أنه لا يجوز خطبتها لا بالتصريح ولا بالتعريض، لأن حق زوجها ما يزال متعلق بها حيث يحق له أن يراجعها في أي وقت شاء خلال مدة العدة، دون عقد أو صداق، لكن إذا انتهت العدة،أصبح الطلاق بائنا.
2 – المعتدة من طلاق بائن :
كالمطلقة ثلاثا فهناك من الفقهاء من جوز خطبتها بالتعريض دون التصريح، ومنع الحنفية الخطبة الصريحة عن طريق التعريض.
3 – المعتدة من وفاة :
فهناك إجماع من طرف الفقهاء على أنه يجوز التعريض لها بالخطبة دون التصريح لقوله تعالى “وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ”سورة البقرة الآية ٢٣٥. فالوفاة قطعت رابطة الزوجية السابقة.
ثالثا – العدول عن الخطبة وآثارها
1 – حق العدول عن الخطبة بدون تعويض :
نصت المادة السابعة من مدونة الأسرة على أن مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض، غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر، يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض”. يتضح من خلال المادة السابقة أنه يجوز العدول عن الخطبة بدون تعويض، حيث إذا كان يتصور أن تنتهي الخطبة بإبرام عقد الزواج، فكذلك يمكن أن لا تنتهي بإبرام العقد في حالة ما إذا توفى أحد الخطيبين أو لم يرغب أحدهما في الآخر،
إذ يمكن لأي منهما أن يعدل عن الخطبة متى شاء، وليس عليهما أي مسؤولية، لأنه استعمل حقا خولته له الشريعة الإسلامية وكذا مدونة الأسرة في المادة السادسة التي نصت على أنه يعتبر الطرفان في فترة خطبة إلى حين الإشهاد على عقد الزواج، ولكل من الطرفين حق العدول عنها.
2 – الضرر الناتج عن العدول عن الخطبة :
لقد منح المشرع حق المخطوبين في العدول عن الخطبة، وإذا كان الحق لا يوجب التعويض عنه إلا إذا ترتب عنه تعسف في استعمال هذا الحق، أو نتج عنه ذلك ضرر.وقد تنبهت إلى ذلك مدونة الأسرة ونصت في ذات المادة السابعة: “مجرد العدول عن الخطبة… غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر، يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض”.
ومن صور هذا الضرر الذي قد يترتب على العدول عن الخطبة، بعض الأضرار المادية أو المعنوية في بعض الأحيان، فقد تستمر الخطبة لسنوات، ويفوت على المخطوبة خطاباً آخرين، وفرص زواج أخرى. كما قد يطلب الخاطب من المخطوبة الاستقالة من وظيفتها أو ترك دراستها مثلاً. ومن الأضرار المعنوية ما تلوكه الألسنة عن أسباب العدول مما يؤذي سمعته.كما يمكن للخاطب كذلك أن يتضرر من عدول المخطوبة، كان تطلب المخطوبة إعداد المسكن وربما بمواصفات معينة، تثقل كاهله وتحشره في دواليب السلف والاقتراض.
3 – آثار العدول في الهدايا :
نصت المادة 8 من مدونة الأسرة على هذا المقتضى حيث جاء في مضمونها “لكل من الخاطب و المخطوبة أن يسترد ما قدمه من هدايا، ما لم يكن العدول عن الخطبة من قبله .ترد الهدايا بعينها، أو بقيمتها حسب الأحوال”. يتضح أن مدونة الأسرة أخذت بالمذهب المالكي بخصوص استرداد الهدايا ويمكن أن نستنتج من خلال ذلك حالتين:
إذا كان العدول عن الخطبة من قبل الخاطب، فلا حق له في استرداد الهدايا التي سبق وأن أهداها لمخطوبته. وإذا كان العدول عن الخطبة من قبل المخطوبة عليها أن ترد الهدايا التي سبق وأن قبضتها من خاطبها أثناء فترة الخطبة، والهدايا في جميع الأحوال ترد إما بعينها إذا كانت مازالت قائمة، أو بقيمتها إذا تلفت أو هلكت.
إلا أن المدونة سكتت عن حالة إذا كان العدول من طرفهما، وكذلك حالة ما إذا توفى أحد الخطيبين. على عكس قانون الأحوال الشخصية الامارتي لسنة 2005 حيث نص في المادة 18 في فقرته السابعة والثامنة على ما يلي:نصت الفقرة السابعة: إذا انتهت الخطبة بعدول من الطرفين استرد كل منهما ما أهداه للآخر إن كان قائماً .
ونصت في الفقرة الثامنة: إذا انتهت الخطبة بالوفاة أو بسبب لا يد لأحد الطرفين فيه أوبعارض حال دون الزواج فلا يسترد شيء من الهدايا” .
4 – آثار العدول في استرداد الصداق :
قد يستعجل الخاطب ويسلم الصداق كلا أو جزءا أثناء الخطبة، ففي حالة العدول عن الخطبة سواء من طرفه أو من طرف المخطوبة فيحق للخاطب أن يسترجع الصداق وتكون المخطوبة ملزمة برد الصداق عينا إن كان قائما أو مثلا أو قيمة. والسبب في ذلك يكمن أن الصداق شرط من شروط صحة الزواج، وليس له أية علاقة بالخطبة،
فالمهر ( الصداق) أثر من آثار عقد الزواج الصحيح، وحق من حقوق الزوجة. والخاطب إذا دفعه في أثناء الخطبة فعلى سبيل إتمام الخطبة بعقد الزواج ولم يتم، فيجب رده إلى الخاطب في حال العدول عن الخطبة ؛ لعدم تعلق حق المخطوبة به إذ لم تصبح زوجة.
ولقد نصت على ذلك صراحة جميع التشريعات العربية وكذلك مدونة الأسرة في المادة 9 التي نصت على ما يلي:إذا قدم الخاطب الصداق أو جزءا منه، وحدث عدول عن الخطبة أو مات أحد الطرفين أثناءها، فللخاطب أو لورثته استرداد ما سلم بعينه إن كان قائما، وإلا فمثله أوقيمته يوم تسلمه. إذا لم ترغب المخطوبة في أداء المبلغ الذي حول إلى جهاز، تحمل المتسبب في العدول ما قد ينتج عن ذلك من خسارة بين قيمة الجهاز والمبلغ المؤدى فيه”.
يتضح من ذلك أن مدونة الأسرة منحت الحق للخاطب استرجاع الصداق عند العدول عن الخطبة، وفي حالة إذا توفى الخاطب فيحق لورثته استرداده بعينه أو بمثله أو قيمته يوم تسلمه لكن إذا كان المهر نقداً واشترت به المرأة أشياء جهازية، أو اشترى به الخاطب أشياء جهازية لها بتكليف منها أو من وليها الشرعي، فإن القانون في هذه الحالة فرق بين كون العدول من طرفه أو من طرفها.
فإن كان العدول من طرف المخطوبة فعليها إعادة قيمته نقداً، وإن كان العدول من طرف الخاطب فللمخطوبة الخيار بين إعادة الجهاز أو دفع قيمته. وهذا هو مضمون المادة 9 في فقرتها الثانية …. “إذا لم ترغب المخطوبة في أداء المبلغ الذي حول إلى جهاز، تحمل المتسبب في العدول ما قد ينتج عن ذلك منخسارة بين قيمة الجهاز والمبلغ المؤدى فيه”.
5 – آثار الحمل الناتج عن الخطبة :
لكن، وأمام كثرة الأبناء المولودين خارج إطار العلاقات الزوجية، خاصة الذين يزدادون خلال فترة الخطبة، فإن مدونة الأسرة أقرت بالحمل الناتج أثناء فترة الخطبة وذلك لمصلحة الطفل، ولكن بشروط تطرقت إليها المادة 156 حيث نصت على ما يلي:” إذا تمت الخطوبة، وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة، ينسب للخاطب للشبهة إذا توافرت الشروط التالية:
1 ) إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما، ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء
ب ) إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة
ج ) إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهما.
تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن. إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه، أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب.
يتضح من خلال المادة أعلاه أن الحمل الناتج عن الخطبة متى توفر جميع شروطه أعلاه، وفي حالة اعتراف الخطيبان أن الحمل منهما فيتم إثبات النسب للخاطب بالشبهة بمقرر قضائي غير قابل للطعن. لكن في الحالة التي ينكر فيها الخاطب أن الحمل منه يمكن للمحكمة الاستعانة بجميع وسائل الإثبات الشرعية للنسب كالفراش والخبرة الجينية وهو ما قامت به محكمة الاستئناف بوجدة في قرار صادر عنها تضمن ما يلي :
“.. وحيث إن إنكار الخاطب الحمل لا يحول دون اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية لإثبات النسب ومنها الخبرة الوراثية، وحيث أن هذه المحكمة في هذا الإطار أمرت تمهيديا بإجراء خبرة جينية للتأكد من نسب الولد من عدمه للمستأنف، حيث أنجز التقرير بتاريخ 2008/03/03 خلص في نهايته بأن الولد ولد المستأنف عليها هو ابن المستأنف، وحيث أن الخبرة المذكورة قطعية ودقيقة وقد طالب بإجرائها المستأنف وأثبت لحوق الولد المذكور بالمستأنف ( قرار محكمة الاستئناف بوجدة، قرار رقم 601 في الملف عدد 65-106 صادر بتاريخ 17 شكير 2008)
- إدريس الفاخوري: قانون الأسرة المغربي، أحكام الزواج، انحلال الرابطة الزوجية، طبعة 2019.2020.
- محمد الشافعي: الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، سلسلة البحوث القانونية، 24.
- محمد أبو زهرة: عقد الزواج وآثاره، القاهرة 1971.
- السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني – نظرية الإلتزام.
- شفيق شحاته: الأحوال الشخصية لغير المسلمين الجزء الأول.
- توفيق حسن فرج: الطبيعة القانونية للخطبة وأساس التعويض في حالة العدول عنها، مجلة الحقوق، جامعة الإسكندرية 1968.
Share this content: