|

الطلاق الإتفاقي

أولا – التعريف بالطلاق الإتفاقي :

بخصوص الطلاق الاتفاقي لقد نصت المادة 114 من مدونة الأسرة على أنه : “يمكن للزوجين أن يتفقا على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية دون شروط أو بشروط لا تتنافى مع أحكام هذه المدونة. ولا تضر بمصالح الأطفال. عند وقوع هذا الاتفاق يقدم الطرفان أو أحدهما طلب التطليق للمحكمة مرفقا به للإذن بتوثيقه. تحاول المحكمة الإصلاح بينهما ما أمكن، فإذا تعذر الإصلاح أذنت بالإشهاد على الطلاق وتوثيقه” .

يعتبر الطلاق الإتفاقي مقتضى جديد لم يرد عليه النص في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، وهكذا تم توسيع حق المرأة في طلب إنهاء العلاقة الزوجية بالاتفاق مع الزوج تحت مراقبة القضاء، وهذا مظهر من مظاهر المساواة بين الزوجين في ممارسة حق الطلاق، فإرادة الزوجين هي التي أبرمت عقد الزواج من خلال التوافق والتراضي،

ومن ثم فما بنته إرادتان لا تهدمه إرادة واحدة فقد يتوصل الزوجان إلى ما هو أفضل لهما معا وهو الافتراق ويقتنع كل واحد بأنه لا يصلح زوجا للآخر وأن استمرار العشرة قد تترتب عليها نتائج مناقضة لما توصي به الشريعة الإسلامية من المودة والمحبة بين الزوجين.

وفي إنهاء العلاقة الزوجية بالاتفاق وبطريقة ودية حسم نهائي لجميع الخلافات التي تنشب عادة عند إشهار الطلاق من جانب واحد، فقد يتم الاتفاق بين الزوجين على طريقة معينة لإنهاء كل القضايا والمشاكل المرتبطة بحل الرابطة الزوجية.

ثانيا – شروط الطلاق الإتفاقي :

لقد وسعت مدونة الأسرة من حرية الإرادة سواء تعلق الأمر بالإبرام أو الإنهاء وأصبح بإمكان الزوجين تنظيم مختلف القضايا المرتبطة بشؤونهما الأسرية في إطار احترام الأحكام العامة الواردة في مدونة الأسرة، ولذلك يعتبر الطلاق بالاتفاق مظهرا من مظاهر حرية الالتزامات والاتفاقات المنشئة على وجه صحيح والتي تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئها،

غير أن هذه الحرية مقيدة في إطار الطلاق الإتفاقي بضرورة سلامة إرادة الزوج والزوجة وكونها صحيحة وتتفق مع المبادئ العامة في التعاقد وخالية من أي عيب كما أن مثل هذا الاتفاق يجب أن يكون غير مناف لمقتضيات مدونة الأسرة وأن لا يمس بمصالح الأطفال كما يتعين على الطرفين تقديم طلب للمحكمة للاذن بالطلاق الإتفاقي ويجب على المحكمة أن تقوم بمحاولة الصلح، وهذا ما نشير إليه بإيجاز فيما يلي:

1 – يجب أن يكون الاتفاق صحيحا غير مخالف للقواعد العامة في التعاقد:

يعتبر مبدأ التراضي هو جوهر عملية التعاقد وفق النظرية العامة للعقد بحيث يتعين أن تكون إرادة الأطراف المنشئة للروابط العقدية حرة وسليمة وأن يتوفر العقد على كافة أركان انعقاده وخاليا من أي عيب من عيوب الرضى التي من شأنها أن تؤثر على صحة العقد،

وإعمالا لما سبق فإن الزوجين اللذين يودان إنهاء الرابطة الزوجية بينهما بالتراضي والتفاهم والاتفاق مراعاة كل الأركان والشروط المتطلبة قانونا لإبرام العقود وخاصة تلك المتعلقة بركني الإيجاب والقبول أو ما يصطلح عليه بالصيغة، ولذلك يتعين على الزوجين التعبير عن إرادة واعية متوفرة على الإدراك والتمييز وهذه الإرادة المعبرة عن الاتفاق على توقيع الطلاق بالاتفاق يجب أن لا تعترضها عوارض تؤثر عليها كالإكراه والتدليس مثلا.

2 – يجب أن يكون الطلاق الإتفاقي غير مناف لمقتضيات مدونة الأسرة:

لقد نصت الفقرة الأولى من المادة 114 من مدونة الأسرة على أنه يمكن للزوجين أن يتفقا على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية دون شروط، أو بشروط لا تتنافى مع أحكام هذه المدونة، ولا تضر بمصالح الأطفال ولذلك يتعين على الزوجين الراغبين في إنهاء علاقتهما الزوجية بالاتفاق عدم تضمين الاتفاق ما يتعارض مع نصوص مدونة الأسرة وفلسفتها العامة وقواعدها المبينة على المرجعية الإسلامية، كأن يشترط أحد الزوجين على الآخر بأن لا يتزوج مطلقا، أو استمرارهما العيش معا بعد الطلاق،

إن كل شرط يخالف الأحكام الشرعية يعد شرطا غير صحيح ويتعين على القاضي رفضه وعدم الاستجابة له، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما وحرم حلالا” فالمحكمة لا تمنع الإذن بتوثيق الطلاق الإتفاقي الذي يخالف القواعد والثوابت المضمنة في مدونة الأسرة،

وقد تطلب المحكمة بتعديل الاتفاق وحذف ما هو مخل بشرط من شروط الطلاق الإتفاقي، ومتى تم التعديل أو الحذف تستكمل الإجراءات بشكل طبيعي، وإذا أصر أحد الطرفين على تضمين مثل هذا الشرط فإن المحكمة ترفض الإذن بالإشهاد على الطلاق.

ولكن الشروط الصحيحة والتي لا تخالف المقتضيات السابقة تعد شروطا معتبرة يتعين الوفاء بها طبقا للقواعد العامة باعتبار العقد شريعة المتعاقدين. فقد تقبل الزوجة التنازل عن حضانة الأطفال، كما قد يقبل الزوج تخصيص مسكن للزوجة أو يمنحها تعويضا عن الطلاق أو يستمر في الإنفاق على ولدها من زوج آخر… الخ.

3 – يجب أن لا يضر الشرط بمصالح الأطفال:

يتعين على الزوجين وهما بصدد الاتفاق على إنهاء الرابطة الزوجية استحضار مصلحة أطفالهما وجعل هذه المصلحة فوق كل اعتبار مع الأخذ بعين الاعتبار المقتضيات المنصوص عليها في المادة 54 من مدونة الأسرة والتي تتحدث عن حقوق الأطفال تجاه والديهم سواء أثناء قيام الرابطة الزوجية أو بعد انتهائها كحقهم في الرعاية والنفقة والحضانة والصحة والتعليم وغيرها من الحقوق التي تبقى محفوظة وخارج أي اتفاق قد يحصل بينهما،

4 – يجب تقديم طلب للمحكمة من أجل الإذن بالطلاق:

بعد حصول الاتفاق على إنهاء الرابطة الزوجية بين الزوجين فإنه يتعين عليهما أو أحدهما تضمين هذا الاتفاق في عقد رسمي أو عرفي أو حتى بواسطة التصريح الشفوي أمام المحكمة. وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 114 على أنه عند وقوع هذا الاتفاق يقدم الطرفان أو أحدهما طلب التطليق للمحكمة مرفقا به للإذن بتوثيقه.

ویری جانب من الفقه بأن الطلب المقدم للمحكمة والمتضمن للاتفاق بين الزوجين على الطلاق يتعين أن يكون مكتوبا لأن الطلبات القضائية تكون مكتوبة، خاصة وأن الكتابة في أمر خطير جدا كالطلاق تفرض التأني واختيار العبارات الملائمة والمعبرة عن الإرادة.

وهذا الطلب يقدم وفق الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية إلى قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية وخاصة الفصلين 31 و 32 من قانون المسطرة المدنية بحيث يجب أن يكون المقال مستجمعا لكافة البيانات الأساسية وإلا كانت الدعوى غير مقبولة. كما يشترط أيضا في طالب الطلاق الإتفاقي أن يكون الطلب مستوفيا للشروط المنصوص عليها في الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية والذي ينص على أنه لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة.

وإذا كان المشرع وفق القواعد العامة للتقاضي يشترط الأهلية إلى جانب الصفة والمصلحة، فإن أهلية التقاضي في المادة الأسرية لها خصوصياتها، ذلك أن القاصر والذي لم يبلغ سن الرشد. يجوز له أن يتقدم بصفة شخصية بدعوى الطلاق الإتفاقي دون حاجة إلى تدخل نائبه القانوني ما دامت المادة 22 من مدونة الأسرة تنص صراحة على أنه يكتسب المتزوجان طبقا للمادة 20 أعلاه الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بأثر عقد الزواج من حقوق والتزامات”.

فبمجرد منح الأذن بالزواج من طرف قاضي الأسرة المكلف بالزواج يصبح متمتعا بالأهلية المدنية للتقاضي بشأن آثار الزواج، ومعلوم أن المادة 20 من مدونة الأسرة تمنح لقاضي الأسرة المكلف بالزواج صلاحية الإذن بزواج الفتى والفتاة دون من الأهلية الذي هو ثمان عشرة سنة شمسية طبقا للمادة 19، وذلك بمقتضى قرار معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة للزواج دون السن القانونية للزواج، وذلك بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.

وبالإضافة إلى ما سبق فإن الطلب المقدم للمحكمة لإنهاء الرابطة الزوجية بالاتفاق بين الزوجين يقتضي أن يرفق هذا الطلب بكل الوثائق والمستندات كرسم الزوجية، وهوية الزوجين ومهنتهما، وعنوان سكناهما، وعدد الأطفال ووضعيتهم الدراسية والصحية وسنهم… الخ بالإضافة طبعا إلى عقد الاتفاق المبرم بينهما والمتضمن للتراضي على الطلاق موقع من الطرفين ومصادق عليه.

5 – إجراء الصلح بين الزوجين قبل الإذن بتوثيق الطلاق:

نصت الفقرة الأخيرة من المادة 114 من مدونة الأسرة على إجراء الصلح حيث تحاول المحكمة الإصلاح بين الزوجين، وإذا تعذر الإصلاح تأذن المحكمة بالإشهاد على الطلاق وتوثيقه.

والصلح إجراء أساسي في ظل نصوص مدونة الأسرة، وجعله المشرع أمرا ضروريا قبل الحكم بإنهاء الرابطة الزوجية، ومنح للقضاء سلطة اتخاذ جميع التدابير الرامية إلى حل الخلافات والمنازعات الأسرية بالطرق الودية حفاظا على كيان الأسرة من الانهيار، خاصة مع وجود الأطفال، حيث تتكرر المحاولة الصلحية تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما حسب مقتضيات المادة 82 من مدونة الأسرة ،

حيث تجرى عملية الصلح في غرفة المشورة، وتقوم المحكمة بكل الإجراءات بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين، وعند تعذر الإصلاح بين الزوجين فإن المحكمة تأذن بالإشهاد على الطلاق وتوثيقه ويتم هذا الإشهاد من طرف العدلين المنتصبين للإشهاد لأنهما المكلفان بتوثيق الطلاق بالطريقة التي حددتها مدونة الأسرة.

مع التنبيه إلى أنه في حالة عدم حضور الزوجين الراغبين في الطلاق لجلسة الصلح سواء الأولى أو الثانية في حالة وجود أبناء فإن المحكمة تحكم بعدم قبول طلبهما.


  • ادريس الفاخوري: قانون الأسرة المغربي، أحكام الزواج، انحلال الرابطة الزوجية، طبعة 2019.2020.
  • محمد الشافعي: الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، سلسلة البحوث القانونية 24.
  • محمد الكشبور: الواضح في مدونة الأسرة، الطبعة الثالثة 2015.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *