الشروط الإرادية لعقد الزواج وآثارها
أولا – إلزامية الشروط :
نصت المادة 47 من مدونة الأسرة على أن الشروط كلها ملزمة، إلا ما خالف منها أحكام العقد ومقاصده وما خالف القواعد الآمرة للقانون فيعتبر باطلا والعقد صحيحا. وعليه يمكن للزوجين أن يضمنا العقد ما شاء من الشروط التي لا تتنافى مع مقاصده الشريعة الإسلامية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما”.
فالأهم أن لا يكون شرط يتنافى مع المقصود من النكاح كشرط عدم الإجماع، أو عدم لحوق نسب الولد، أو لا يأتيها وقت كذا … أو عدم التوارث بينهما فالشرط باطل والعقد صحيح. والأمر نفسه إذا خالف الشرط القواعد الأمرة، وتعتبر من الشروط الصحيحة اشتراط الزوجة على زوجها أن يعجل المهر، وأن تشترط عليه أن لا تسكن مع أهله، أو أن يشترط أن يقيم أبناؤه من زوجة سابقة معهما.
ويمكن تلخيص هذه الشروط في الآتي:
1 – شروط يقتضيها العقد ولا ينافيه :
ويعني بها الشروط المتممة والمؤكدة له، ولاتخالف أحكامه ومقاصده، والوفاء بهذه الشروط لازمة ولو لم تشترط في العقد لأنها من آثار العقد، كأن تشترط عليه أن يحسن الإنفاق عليها، وأن يعاشرها بالمعروف، أويشترط عليها الزوج أن يجامعها.
2 – شروط لا يقتضيها العقد ولا ينافيه :
وهي شروط لا تنافي العقد ولا مع مقاصده، ولكنه مع ذلك يتضمن آثارا من الآثار التي تترتب على عقد الزواج، كأن تشترط الزوجة على زوجها أن لا يتزوج عليها، أو يسكنها في مكان معين من مدينتها، أو لا يمنعها من مزاولة وظيفتها. فهذه شروط لا تخالف مقاصد العقد وأهدافه، فهي شروط صحيحة والعقد المقترن بها صحيح بطبيعة الحال.
3 – شروط تنافي العقد :
وهي الشروط التي تناقض ما يقتضيه العقد من الآثار كان تشترط عليه الزوجة أن لا يعدل بينهما وبين ضرتها، أو كأن يشترط الزوج على زوجته أن لا ترث منه. فهذه الشروط كلها باطلة وغير ملزمة ومخالفة للقانون والمقاصد العقد وأحكامه، وإذا وقعت فإن العقد يكون صحيحا والشرط باطلا، ويفسخ العقد قبل الدخول ويثبت بعده ويكون للزوجة صداق مثيلاتها.
ثانيا – الإعفاء من الشروط وتعديلها :
لا يمكن إعمال المفهوم التقليدي لمبدأ سلطان الإرادة في عقود الزواج بحيث يكون من غير الممكن تدخل طرفي عقد الزواج أو أحدهما بتعديل مضمون الاتفاق أو الشرط.
فالتوازن العقدي في مجال الحياة الزوجية قد يقتضي تدخل الإرادة مرة أخرى لتعديل بعض المقتضيات المتفق عليها سابقا والتي أصبحت ترهق أحد الأطراف عند التنفيذ، إذ قد تتغير الظروف وتصبح معها الشرط مرهقا لمن تحمل به وضارا له ضررا جسيما.
ومن ثم جاءت المادة 48 من مدونة الأسرة لكي تنص على أنه “إذا طرأت ظروف أو وقائع أصبح معها التنفيذ العيني للشرط مرهقا أمكن للملتزم به أن يطلب من المحكمة إعفاءه منه أو تعديله ما دامت تلك الظروف أو الوقائع قائمة مع مراعاة أحكام المادة 40 أعلاه”
والظروف التي من شأنها أن تجعل التنفيذ العيني للشرط مرهقا للملتزم به هي تلك الظروف الخارجة عن إرادته، وليس تلك المترتبة عن فعله أي نتيجة ظروف موضوعية لا ذاتية لا يد للملتزم في حدوثها، فلا يعقل أن يلتزم زوج تجاه زوج آخر بشرط ماء ثم يفتعل بعد ذلك ما يجعل تنفيذه لذلك الشرط مرهقا له، ليؤسس عليه المطالبة بالتعديل أو الإعفاء فيما بعد.
لاسيما وأن معيار الإرهاق الذي يقع فيه الملتزم نتيجة لما طرأ من ظروف ووقائع، مرن ليس له مقدار ثابت يتغير بتغير الظروف ولذا يتعين على المحكمة التحقق من تأثير تلك الظروف والوقائع على التنفيذ العيني للشرط، فيصير معها التنفيذ مرهقا.
وقد سبق للقضاء المغربي أن استصدر قرارات بهذا الخصوص حتى قبل صدور مدونة الأسرة وفي هذا الصدد اعتبرت استئنافية وجدة (قرار عدد 1258 في ملف رقم 2013/449 بتاريخ 2013/12/04) أن اشتراط السكن مع اهل الزوج في عقد الزواج ما دام أن الشرط المتفق عليه قبلته الزوجة وارتضته لنفسها في حينه بحضور وليها الشرعي ليس من شأنه أن يعطل مقاصد عقد الزواج أو الغاية منه حتى وإن ادعت الزوج بأنه مرهق لها.
ومن بين الأمثلة التي قد تجعل التنفيذ العيني للشرط مرهقا فقد تشترط الزوجة مثلا عدم التزوج عليها وفي ظل مدونة الأسرة الجديدة لا تأذن المحكمة بالتعدد، فقد يرغب الزوج في التعدد لسبب جدي يدعوه إلى التعدد كعقم زوجته أو إصابتها بمرض يمنع من القيام بالوظيفة الجنسية.
وقد تشترط الزوجة على زوجها عند إبرام العقد بأن ينفق على أولادها من زوج آخر، فيقبل الزوج الشرط في ظل ظروف مادية مريحة، ثم تتغير الظروف مع مرور الوقت فتصبح أحواله المالية مرهقة وصعبة, وقد يشترط الزوج على زوجته عدم ولوج عالم الوظيفة والشغل وبعد مرور مدة من الزمان على إبرام عقد الزواج تحوز الزوجة على شهادة علمية أو مهنية تخول لها وظيفة أو عمل تحسن به وضعيتها المادية.
إن العدالة تقتضي في مثل هذه الأحوال وغيرها إعادة النظر في الشروط الاتفاقية في عقد الزواج ومراجعة القضاء بشأنها لإعادة التوازن ورفع الحيف إما بإلغاء الشرط أو تعديله مع إمكانية إعطاء التعويض للطرف المتضرر إذا توافرت شروطه.
ثالثا / الإخلال بتنفيذ الشروط الاتفاقية :
وقد جعل المشرع المغربي في مدونة الأسرة الإخلال بالشرط في عقد الزواج أحد الأسباب المبررة لطلب التطليق، طبقا للفقرة الأولى من المادة 98 من مدونة الأسرة التي جاء فيها “للزوجة طلب التطليق بناء على أحد الأسباب التالية : 1- إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزوج”.
ومن خلال ما جاءت به مدونة الأسرة من مقتضيات في المادتين 98 و 99 تكون قد استحدثت سببا جديدا لتمكين الزوجة من إنهاء الرابطة الزوجية عن طريق التطليق للإخلال بالشرط.
والملاحظ على المادة 98 من مدونة الأسرة أنها قصرت الإخلال بالشروط المتفق عليها بين الزوجين على الزوج دون الزوجة وراعت مصلحة الزوجة المتضررة ومنحت لها حق طلب التطليق في حين لم ترتب أي جزاء عندما تكون الزوجة هي المخلة بما التزمت به من شروط لفائدة زوجها.
إلا أنه رغم الصياغة التي جاء بها المشرع في المادتين 98 و 99 من مدونة الأسرة التي تجعل الزوجة مستثنات من إمكانية إخلالها بالشروط المتفق حولها إلا أن بعض الفقه يرى ضرورة تفسير المادة 99 بطريقة تكفل المساواة بين الزوجين باعتبار أن عنوان الفرع الأول من الباب الثاني والمتعلق بالتطليق لأسباب أخرى جاء عاما يشمل كل من الزوجين.
كما يتعين استحضار المادة 52 من مدونة الأسرة التي لم تفرق في أحكامها بين الزوج والزوجة بخصوص الإخلال بالواجبات والاستناد إليها في الإخلال بالشروط في عقد الزواج حيث المساواة في المسؤولية.
إضافة إلى أن المقتضيات المنظمة في المادة 48 من مدونة الأسرة لا تميز بين الزوج والزوجة وتقر لكل واحد منهما الحق في الاشتراط على الآخر، وتلزم من التزم منهما بالوفاء بالشروط، وفي ذلك تجسيد لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين دون إعطاء أي امتياز للزوجة على حساب الزوج، وتحميل الزوج وحده تبعة الإخلال بالشرط في عقد الزواج يكون فيه إجحاف بحقه لحساب الزوجة.
ومن خلال المادتين 98 و 99 من مدونة الأسرة يكون المشرع المغربي قد اكتفى بالتطليق كجزاء لعدم الوفاء بالشروط المتفق عليها بين الزوجين إلا أنه ليس هناك ما يمنع الزوجين من التنصيص على الجزاءات الواجب تطبيقها في حالة الإخلال بالشروط المتفق عليها كتمليك الزوجة مثلا حق إيقاع الطلاق كجزاء للإخلال بشرطها.
- أحمد الوجدي، عبد الالاه المحبوب، أحلام عليمي، محاضرات في مدونة الاسرة، الموسم الجامعي 2021/2020.
- ادريس الفاخوري: قانون الأسرة المغربي، أحكام الزواج، انحلال الرابطة الزوجية، طبعة 2019.2020.
- محمد الشافعي: الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، سلسلة البحوث القانونية 24.
- محمد الكشبور: الواضح في مدونة الأسرة، الطبعة الثالثة 2015.
Share this content: