الاختصاص المكاني لضباط الشرطة القضائية الساميين وضباط الشرطة القضائية العاديين
يمكن تحديد ملامح الاختصاص المكاني للشرطة القضائية من خلال تتبع وقراءة مجموعة من النصوص القانونية الواردة في قانون المسطرة الجنائية. فقد حرص المشرع المغربي على تنظيم هذا الاختصاص بدقة لضمان فعالية الأجهزة الأمنية في أداء مهامها. وقد جاءت هذه النصوص لتحدد نطاق الاختصاص المحلي لكل من ضباط الشرطة القضائية الساميين وضباط الشرطة القضائية العاديين، بما يتماشى مع طبيعة المهام المنوطة بكل فئة.
الفقرة الأولى // ضباط الشرطة القضائية السامون :
يشمل هذا الصنف من الضباط كل من الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف ونوابه، ووكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ونوابه، وقضاة التحقيق بالمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف.
أولا // وكيل الملك ونوابه :
تتولى النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية إقامة وممارسة ومراقبة الدعوى العمومية ولها حق تسخير القوة العمومية، وحدد المشرع مهامها في المواد من 36 إلى 51 من قانون المسطرة الجنائية، وأشارت المادة 16 من قانون المسطرة الجنائية إلى أن وكيل الملك يمارس مهام الشرطة القضائية ويسير في دائرة نفوذه أعمال الشرطة القضائية.
ويمثل وكيل الملك شخصيا أو بواسطة نوابه، النيابة العامة في دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية المعين بها، ويباشر أو يأمر بمباشرة الإجراءات الضرورية للبحث عن مرتكبي المخالفات للقانون الجنائي ويصدر الأمر بضبطهم وتقديمهم ومتابعتهم.
ومفاد ذلك أن وكيل الملك يمارس مهامه كضابط سامي للشرطة القضائية في دائرة نفوذ محكمته ولا يمكنه أن يتجاوزه إلى دائرة نفوذ محكمة أخرى، وبالتالي فوكيل الملك وفي إطار تعريف إجراءاته اليومية لمكافحة الجريمة محكوم بثلاث ضوابط أساسية: مكان ارتكاب الجريمة، مكان إلقاء القبض على المشتبه فيه، والمكان الذي يسكن فيه المشتكى به أو المشتبه فيه.
وعليه، يمارس وكيل الملك إجراءات الدعوى العمومية داخل نفوذ المحكمة الابتدائية التي يترأس نيابتها، فإذا ارتكبت الجريمة بدائرة نفوذه وجب إحاطته علما بها وله الخيار في القيام بعمليات البحث التمهيدي أو تكليف أحد ضباط الشرطة القضائية التابعين له القيام بذلك.
وقد خول المشرع لممثل النيابة العامة أثناء قيامه بإجراءات البحث في الجرائم التي تدخل ضمن اختصاصه أن ينتقل كلما استلزمت ذلك ضرورة البحث إلى دوائر نفوذ المحاكم المجاورة للمحكمة التي يمارس فيها مهامه شريطة أن يخبر بذلك مسبقا النيابة العامة لدى المحكمة التي سينتقل إليها ويبين سبب هذا التنقل بالمحضر.
علاوة على ذلك يجب على وكيل الملك أن يخبر بتنقله الوكيل العام للملك التابع الدائرة نفوذه، فخروج وكيل الملك عن اختصاصه المحلي أجازه له المشرع ولكن بشروط، وذلك بأن يكون تنقل وكيل الملك خارج دائرة نفوذ المحكمة استلزمته ضرورة البحث، وأم يتم إخبار النيابة العامة لدى المحكمة التي سينتقل إليها، وكذا تبیان سبب التنقل بالمحضر، وإخبار الوكيل العام للملك الذي يتبع وكيل الملك لدائرة نفوذه.
ثانيا // الوكيل العام للملك ونوابه :
على غرار وكيل الملك، يمثل النيابة العامة أمام محكمة الاستئناف الوكيل العام للملك شخصيا بوصفه رئيسا للنيابة العامة أو بواسطة نوابه، فالمادة 44 من قانون المسطرة الجنائية أشارت إلى أن الاختصاص المحلي ينعقد للوكيل العام للملك في مكان ارتكاب الجريمة، ومحل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مشاركته في ارتكاب الجريمة، ومكان إلقاء القبض على أحد هؤلاء الأشخاص، ولو تم هذا القبض لسبب آخر.
وتسري نفس المقتضيات والقواعد الخاصة بالاختصاص المحلي لوكيل الملك على الوكيل العام للملك مع الأخذ بعين الاعتبار اختصاص كل منهما على حدة، فإذا كان الاختصاص المكاني لوكيل الملك يغطي دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية التي يترأس نيابتها، فإن الاختصاص المكاني للوكيل العام للملك يشمل الدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بأكملها.
ولذلك يمارس الوكيل العام للملك سلطته على جميع قضاة النيابة العامة التابعين لدائرة نفوذه، وكذا على ضباط وأعوان الشرطة القضائية وعلى الموظفين القائمين بمهام الشرطة القضائية، في حين ينعقد الاختصاص للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط بخصوص جرائم الإرهاب في جميع أنحاء المملكة المغربية طبقا للقانون 03/03 المتعلق بمكافحة الإرهاب.
ثالثا // قضاة التحقيق :
لا يختلف قضاة التحقيق عن قضاة النيابة العامة من حيث الازدواجية في الصفة على اعتبار أن قاضي التحقيق يعد ضابطا ساميا للشرطة القضائية وهذه الازدواجية في المهام والوظائف تنعكس بشكل غير مباشر على علاقته بالشرطة القضائية، إذ بالإضافة إلى اختصاصات قاضي التحقيق الأصلية ذات الطابع القضائي يعهد إليه القانون بمهام الضبط القضائي ويسند إليه مهمة البحث عن أدلة ارتكاب الجريمة من طرف الفاعل حيث يباشرها قاضي التحقيق بنفسه أو يكلف من يحل محله في أدائها من ضباط الشرطة القضائية تحت مراقبته وإشرافه.
إذن فقاضي التحقيق كضابط سامي للشرطة القضائية خول له المشرع مجموعة من الصلاحيات الاستثنائية بشأن التثبت من وقوع الجريمة وملاحقة مرتكبيها، لا سيما في الحالات المتعلقة بالتلبس لأن حضور قاضي التحقيق إلى مسرح الجريمة يغل يد ضابط الشرطة القضائية، وكذا يد ممثل النيابة العامة فيما يتعلق بإجراءات البحث والتحقيق وفقا لأحكام الفقرة الأولى من المادة 75 ق.م.ج حيث جاء فيها “إذا حضر قاضي التحقيق بمكان وقوع الجناية أو الجنحة المتلبس بها، فإن الوكيل العام للملك أو وكيل الملك وضابط الشرطة القضائية يتخلون له عن القضية بقوة القانون”.
وعليه، فإن تحقق حالة التلبس يعطي لقاضي التحقيق صلاحية الاختيار بين مباشرة إجراءات البحث بنفسه، أو إصدار أمره القضائي إلى ضابط الشرطة القضائية للقيام بالإجراءات المذكورة تحت إشرافه وبتوجيه منه في كل مراحلها، إلا أنه من الناحية العملية فإن مقتضيات المادة 75 لا يتم تنزيلها على أرض الواقع وأن ممارسة إجراءات الأبحاث التمهيدية والانتقال إلى مسرح الجريمة تقوم به الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة االعامة.
وقاضي التحقيق شأنه شأن وكيل الملك والوكيل العام للملك يمارس اختصاصه ضمن دائرة نفوذ المحكمة المعين بها، فقاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية يمارس مهامه ضمن دائرة اختصاصه الترابي أي داخل الرقعة أو المجال الجغرافي المعين به والذي لا يمكن أن يخرج عن نفوذ المحكمة الابتدائية.
أما بخصوص قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف فإن الاختصاص المحلي يغطي نفوذ الدائرة القضائية برمتها التابعة لمحكمة الاستئناف المعين بها، والاختصاص المكاني لقاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالرباط بخصوص الجرائم والقضايا المتعلقة بالإرهاب طبقا لقانون 03/03، يتعدى الحدود الجغرافية للدائرة القضائية بالرباط إلى مجموع التراب الوطني.
الفقرة الثانية // ضباط الشرطة القضائية العاديون :
يمارس ضباط الشرطة القضائية مهامهم ضمن دائرة اختصاصهم الترابية، أي داخل الحدود الجغرافية للمكان الذي يزاولون فيه وظيفتهم الإدارية. وقد يكون مجرد جماعة قروية أو دائرة حضرية، أو إقليماً أو عمالة أو جهة، أو كامل التراب الوطني، فعلى سبيل المثال فإن ضابط الشرطة القضائية المعين في مصلحة مركزية يشمل اختصاصها كامل التراب الوطني كالإدارة العامة للأمن الوطني أو قيادة للدرك الملكي، يمكنه ممارسة اختصاصه عبر التراب الوطني بكامله، وأما ضابط الشرطة القضائية المعين في مقاطعة معينة داخل مدينة من المدن فإن اختصاصه يرتبط بحدود تلك المقاطعة.
غير أن ضباط الشرطة القضائية يمكنهم أن يمارسوا مهمتهم بجميع أنحاء المملكة كلما توفرت حالة الاستعجال وطلبت منهم ذلك السلطة القضائية أو العمومية. وتتوفر حالة الاستعجال مثلا إذا تعلق الأمر بالبحث في حالة تلبس حيث تقتضى الأجال المسطرية تقديم المشتبه فيهم بسرعة أمام الجهة القضائية المختصة، وهو ما يدعو ضابط الشرطة القضائية إلى ممارسة هذه الإمكانية والانتقال خارج مكان عمله المعتاد لإنجاز بعض الأبحاث بطلب من النيابة العامة أو من رؤسائه الإداريين.
وكذلك الحال إذا قررت الإدارة التي يخضع لها ضباط الشرطة القضائية إدارياً تكليفه بأبحاث معينة اقتضتها حالة الاستعجال. على أن السلطات الإدارية ملزمة بإشعار النيابة العامة المختصة بالتغييرات الطارئة على اختصاص ضباط الشرطة القضائية.
وإذا تعلق الأمر بدائرة حضرية مقسمة إلى دوائر، فإن ضابط الشرطة القضائية المعين في إحدى تلك الدوائر يكون مختصا لممارسة مهامه في مجموع الدائرة. كما أنه إذا حدث مانع لضابط شرطة قضائية بإحدى تلك الدوائر، يمكن تكليف ضابط من دائرة مجاورة للقيام مقامه. ويجب كذلك إشعار النيابة العامة بهذه التغييرات.
Share this content: