السند القابل للتنفيذ في المخالفات: تعريفه، وشروطه
السند القابل للتنفيذ هو عبارة عن اقتراح مكتوب توجهه النيابة العامة إلى المخالف وإلى المسؤول المدني إن وجد لأداء غرامة جزافية توازي نصف الحد الأقصى المقرر للغرامة المنصوص عليه في القانون.
فإذا كان الأمر يتعلق بمخالفة يعاقب عليها القانون بغرامة فقط، وتكون مثبتة بمقتضى محضر أو تقرير، ولا يظهر فيها متضرر أو ضحية، فإنه يجوز لوكيل الملك أن يعدل عن الطريقة العادية لإقامة الدعوى العمومية (الاستدعاء) إلى مسطرة جديدة تدعى “السند القابل للتنفيذ”.
أولا – شروط إصدار السند القابل للتنفيذ :
لكي يحق للنيابة العامة اللجوء إلى مسطرة السند القابل للتنفيذ ينبغي أن تتوفر الشروط الآتية:
1- أن يتعلق الأمر بمخالفة معاقبة بالغرامة فقط. والجدير بالذكر أن الفصل 18 من القانون الجنائي يحدد العقوبات الضبطية التي يمكن تطبيقها على المخالفات في نوعين من العقوبات هي ” الاعتقال لمدة تقل عن شهر؛ و الغرامة التي تتراوح بين 30 درهما و 1200 درهم”.
2- أن تكون المخالفة مثبتة بمقتضى محضر أو تقرير. وقد عرفت المادة 24 من ق.م.ج. المحضر كما أن بعض النصوص الخاصة تطلق على الوثائق التي يحررها ضباط الشرطة القضائية أو الموظفون الموكولة إليهم بعض مهام الشرطة القضائية لفظ تقرير.
وتنص المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية أن المحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح والمخالفات، يوثق بمضمنها إلى أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل الإثبات.
ولكي يحوز المحضر أو التقرير على هذه الحجية النسبية القابلة لإثبات العكس، ينبغي أن يكون صحيحاً في الشكل وأن يتضمن ما عاينه محرره أو ما تلقاه خلال ممارسة مهامه، مما يدخل في اختصاصه المادة 289 من قانون المسطرة الجنائية.
3- ألا يظهر وجود متضرر أو ضحية في القضية، فإذا تبين وجود متضرر من المخالفة، أو ضحية للفعل المعتبر مخالفة فإن النيابة العامة ينبغي أن تسلك المسطرة العادية لإقامة الدعوى العمومية بناء على الاستدعاء.
ثانيا – مضمون السند القابل للتنفيذ :
السند القابل للتنفيذ وثيقة يحررها وكيل الملك، وهي عبارة عن اقتراح يوجه إلى مرتكب المخالفة والمسؤول المدني عند الاقتضاء. ويتضمن السند القابل للتنفيذ ما يلي :
– تاریخ صدوره. وإمضاء قاضي النيابة العامة، وينبغي أن يتم إرفاق الإمضاء باسم القاضي الذي أصدر الأمر؛
– اسم مرتكب المخالفة العائلي واسمه الشخصي ومهنته و عنوان سكناه، ورقم بطاقة هويته ونوعها إن أمكن، ونفس المعلومات بالنسبة للمسؤول المدني إن اقتضى الحال؛
– بيان المخالفة أو المخالفات المرتكبة، وتاريخ ارتكابها ووسائل إثباتها وهي عادة (المحضر أو التقرير)؛
– النصوص القانونية المطبقة في القضية. ويقصد بها النصوص التي تجرم الفعل وتحدد عقوبته؛
– بیان مبلغ الغرامة المقترحة، والإشارة إلى أدائها بصندوق أي محكمة ابتدائية بالمملكة، وتكون هذه الغرامة محددة في نصف الحد الأقصى المقرر للمخالفة أو للمخالفات المرتكبة في حالة تعددها.
– ورغم عدم النص صراحة على ضم العقوبات المالية، فنرى أن النيابة العامة يمكنها أن تطبق القاعدة المنصوص عليها في الفصل 123 من القانون الجنائي وتضم الحدود القصوى للغرامات المقررة للمخالفات في حالة تعددها .
ثالثا – تبليغ السند القابل للتنفيذ :
يبلغ السند القابل للتنفيذ إلى مرتكب المخالفة، وإلى المسؤول المدني عند الاقتضاء، بواسطة رسالة تسمى “رسالة التبليغ”، وتتضمن رسالة التبليغ إشعار المعني بالأمر بأن يؤدي مبلغ الغرامة بصندوق أي محكمة ابتدائية من محاكم المملكة بعد الإدلاء بالرسالة المذكورة.
ويشار فيها كذلك إلى أنه في حالة عدم الرغبة في الأداء فإن القضية ستعرض على المحكمة لتبت فيها في تاريخ يحدد في الرسالة نفسها. أي أن رسالة التبليغ تعتبر تبليغاً للسند القابل للتنفيذ وفي نفس الوقت استدعاء للجلسة بالنسبة للمبلغ إليه الذي يرفض المقترح الموجه إليه، ويبلغ السند القابل للتنفيذ إلى مرتكب المخالفة وإلى المسؤول عن الحق المدنى إن وجد بواسطة إحدى الطرق الآتية:
– رسالة مضمونة مع الإشعار بالاستلام.
– بواسطة عون التبليغ.
– بواسطة عون قضائي.
– بالطريق الإدارية، أي بواسطة السلطات المحلية أو القوة العمومية.
في حالة موافقة المعني بالأمر على الاقتراح يمكنه أن يؤدي المبلغ المقترح عليه بصندوق كتابة الضبط بأي محكمة من المحاكم الابتدائية للمملكة.
ويتعين على كتابة الضبط المذكورة أن توجه إشعارا بالأداء للنيابة العامة التي أصدرت السند القابل للتنفيذ داخل أجل أسبوع من الأداء. وفي هذه الحالة فإن النيابة العامة ستحفظ القضية نظرا للأداء الذي يجب أن يثبت بالسجلات ويشار فيها إلى رقم الوصل ومكان وتاريخ الأداء.
إذا لم يعبر المعني بالأمر عن رغبة صريحة، فإنه يعتبر قد قبل بالسند القابل للتنفيذ بعد مرور عشرة أيام على تبليغه به أو من رفضه التوصل به ، وفي هذه الحالة يصبح السند القابل للتنفيذ نهائياً ويسلم كاتب الضبط ملخصاً منه للجهة المكلفة بتنفيذ الغرامات قصد العمل على تنفيذه وفقا لطرق التنفيذ العادية.
إذا كانت نية المعني بالأمر مرتكب المخالفة أو المسؤول المدني هي عدم قبول المقترح الذي يتضمنه السند القابل للتنفيذ، فإنه يتعين عليه أن يضمن ذلك كتابة على هامش رسالة التبليغ أو في أسفلها. وأن يوجه تلك الرسالة إلى النيابة العامة التي أصدرتها بواسطة البريد المضمون مع الإشعار بالاستلام. وفي هذه الحالة فإن النيابة العامة تعرض القضية على الجلسة العلنية بناء على ما ضمن برسالة التبليغ، وتدرج القضية بالجلسة المعينة في التاريخ المحدد لها بمقتضى السند القابل للتنفيذ.
رابعا – بت المحكمة في السند القابل للتنفيذ المتعرض عليه :
إن الملاحظات التي يدونها مرتكب المخالفة أو المسؤول المدني على رسالة التبليغ، تعتبر بمثابة دعوة منه لإحالة القضية على هيئة الحكم، لتبت فيها وفقا لقواعد المسطرة الحضورية العادية، ولا يستدعى المتعرض، لأن تاريخ الجلسة محدد مسبقاً في السند القابل للتنفيذ.
وفي التاريخ المقرر تعرض القضية على المحكمة المشكلة من قاض منفرد وممثل للنيابة العامة وكاتب للضبط التي تبت في القضية وفقا للمسطرة العادية، مراعية كل الضمانات المخولة للمعني بالأمر، بما فيها حقه في إعداد دفاعه أو توكيل محام لمؤازرته أو استدعاء شهوده مثلا .
إذا لم يحضر المعني بالأمر، بيت القاضي في القضية بحكم نهائي يوصف طبقا لما نصت عليه المادة 314 من قانون المسطرة الجنائية. علما أن رسالة التبليغ تعتبر بمثابة استدعاء للجلسة عملا بالفقرة 2 من المادة 377 من ق.م.ج. وإذا قررت المحكمة إدانة المتهم فإن الغرامة التي يحكم بها عليه لا ينبغي أن تقل عن ثلثي الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا للمخالفة، أو ثلثي الحدود القصوى للغرامات المقررة للمخالفات في حالة تعددها.
وقد أراد المشرع بتقييد سلطة المحكمة في عدم النزول عن ثلثي الحد الأقصى للغرامة التقليل من اعتراض الأشخاص على السند القابل للتنفيذ دون توفرهم على مبرر مقبول لذلك، مما يتسبب في المبالغة في عرض الملفات على القضاء، لمجرد تأخير البت في القضية أو للحصول على مزيد من الوقت بفعل اللجوء إلى مسطرة المحاكمة العادية.
فبقدر ما كان المشرع حريصاً على حفظ حق مرتكب المخالفة والمسؤول المدني في الإبقاء على حقهما في المحاكمة الحضورية العادية، فإنه حرص على توفير هذا الحق – في المخالفات لبساطة عقوبتها ولعدم تقييدها بالسجل العدلي – للأشخاص الذين يكون لهم داع معقول وجدي لرفض مقترح النيابة العامة الذي يوفر لهم منذ البداية اقتصاد نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة،
مع العلم أن المخالفة تكون مثبتة في محضر أو تقرير له حجية الإثبات النسبي، فإذا كان المعني بالأمر يتوفر على وسائل جدية للاعتراض على المقترح، فإن حقه ثابت في اللجوء إلى القضاء واستعمال وسائل الإثبات المشروعة لدحض ما جاء في المحضر أو التقرير.
وأما إذا كان لا يريد من ذلك سوى إرهاق كاهل قضاء الحكم بملف إضافي أو أخذ مهلة زائدة، فإن المشرع اعتبر أنه ينبغي الحكم عليه في حالة إدانته بأكثر مما اقترحته عليه النيابة العامة. ويسمى المقرر الصادر عن المحكمة ” أمرا قضائيا”. ولا يقبل الأمر القضائي الطعن بالتعرض ولا بالاستئناف ، ولكنه يمكن الطعن فيه بالنقض أمام محكمة النقض .
غير أن الطعن بالنقض لا يوقف تنفيذ الغرامة، التي يتعين على الطاعن أن يؤديها وأن يثبت أداءها وقت تقديمه طلب ويرد مبلغ الغرامة لطالب النقض في حالة نقض الحكم. ويصبح الأمر القضائي الصادر عن المحكمة بعد اكتسابه لقوة الشيء المقضي به بمثابة حكم بالعقوبة ويدخل في تحديد حالة العود إلى الجريمة.
وقد كان المشرع صريحاً في النص على أن أقل ما تحكم به المحكمة في هذه الحالة هو ثلثي الحد الأقصى للغرامة المقررة في القانون. ولا يمكن التذرع في هذه الحالة بالمبدأ القائل “لا يضار أحد بطعنه” ، لأن الأمر هنا لا يتعلق بطعن، فمرتكب المخالفة أو المسؤول المدني لا يتعرض على أمر أصدرته النيابة العامة، وإنما لا يقبل باقتراح اقترحته عليه، ويفضل اللجوء إلى المحاكمة العادية.
ولأن اختياره اتسم بنوع من الاستخفاف والاستهانة بالتخفيض في الغرامة المقترحة عليه نصف الحد الأقصى للغرامة ودون أن تكون لديه مبررات جدية لذلك، فإن المشرع رأى أنه ينبغي أن يتحمل أكثر مما رفضه بغير مبرر، ويحكم عليه بثلثي الحد الأقصى للغرامة المقررة في القانون على الأقل في حالة إدانته.
ومن الناحية العملية فإذا فرضنا أن القانون يقرر للمخالفة كحد أقصى غرامة 1200 درهم مثلا، فإن النيابة العامة لا يمكنها أن تقترح في السند التنفيذي سوى مبلغ 600 درهم فقط، وإذا اختار المعني بالأمر اللجوء إلى المحاكمة العادية فإن المحكمة لا يمكنها أن تحكم بأقل من مبلغ 800 درهم، وبطبيعة الحال لا يمكن أن يزيد حكمها على 1200 درهم.
ومن جهة أخرى، فإن المحكمة مطالبة في هذه الحالة بالبت في المصاريف التي يحكم بها على مرتكب المخالفة أو المسؤول المدني وفقا للمادة 367 من قانون المسطرة الجنائية. ولم يشر القانون إلى موضوع أداء مصاريف السند القابل للتنفيذ.
ويثار اختلاف حول مدى إمكانية تضمن سند النيابة العامة اقتراح أداء مصاريف القضية رغم عدم النص صراحة على ذلك، أو ترك الأمر لكتابة الضبط لاستخلاصها ساعة استخلاص مبلغ الغرامة المقترحة بمقتضى السند القابل للتنفيذ، أو أنه لا مجال لمطالبة المعني بالأمر بها لأن الدعوى العمومية لم تحرك في حقه.
Share this content: