عقد الرهن الحيازي التجاري العادي: تعريفه، شروط انعقاده، وآثاره القانونية
ينبغي هنا معالجة المقتضيات المتعلقة بإنشاء الرهن الحيازي التجاري العادي، و كل ما يتعلق بتعريفه و تحديد خصائصه و طبيعته التجارية و إثباته، ثم معالجة آثار الرهن الحيازي التجاري العادي وإجراءات التنفيذ على الشيء المرهون.
أولا – تعريف الرهن الحيازي التجاري العادي وخصائصه وطبيعته:
1) تعريف الرهن الحيازي التجاري العادي :
يمكن تعريف الرهن الحيازي التجاري بأنه عقد يضع بمقتضاه المدين مالا منقولا في حيازة دائنه أو حيازة شخص آخر ضمانا للوفاء بدين تجاري، ويمنح الدائن حق استيفاء دينه من هذا المال بالأسبقية على جميع الدائنين الآخرين إذا لم يف له به المدين.
يتضح من هذا التعريف أن الرهن الحيازي التجاري لا يتقرر إلا على المنقول، وبذلك يخرج رهن العقار من أحكام مدونة التجارة و يخضع لأحكام رهن العقار المنصوص عليها في الفصول من 1170 إلى 1183 من ق. ل. ع.
الغاية إذن من الرهن الحيازي التجاري هي ضمان استيفاء الدائن للدين، ذلك أن المدين قد لا يتمكن أو قد لا يرغب في أداء ما عليه من ديون إلى الدائن رغم حلول أجل الاستحقاق، في هذه الحالة يبادر الدائن المرتهن إلى متابعة إجراءات التنفيذ على الشيء المرهون الذي يوجد بحيازته أو حيازة شخص متفق عليه، ويستوفي دينه من ثمن بيعه بالمزاد العلني بالأسبقية على باقي الدائنين.
الدائن الذي يطلب تأمينا لضمان استيفاء حقه عند حلول الأجل، لا يعول على قاعدة ” أموال المدين ضمان عام لدائنيه” لأن هذه الأموال قد لا تكفي لأداء جميع الديون خاصة وأن الدائنين العاديين يخضعون لقاعدة أخرى في توزيع ناتج البيع عليهم وهي قاعدة “المساواة بين الدائنين”، والدائن المرتهن لا تطاله هذه القاعدة لأنه يستوفي دينه بالأولوية على باقي الدائنين من ثمن بيع الشيء المرهون.
2) خصائص الرهن الحيازي التجاري العادي :
لا تختلف خصائص الرهن الحيازي التجاري عن خصائص الرهن المدني، ذلك أن كلا منهما يعتبر حقا عينيا لأنه يخول لصاحبه سلطة مباشرة على الشيء المرهون يمكنه بمقتضاها حبس الشيء بيده حتى تنفيذ الالتزام بأكمله، أو التنفيذ عليه و استيفاء دينه من ثمنه بالأسبقية على جميع الدائنين الآخرين إذا لم يف له به المدين في تاريخ الاستحقاق.
كما أنه يعتبر حقا عينيا تبعيا لأنه لا يوجد لذاته وإنما لضمان التزام أصلي، وبالتالي فهو يتبع الالتزام المضمون في وجوده و عدمه، ويخول الرهن الحيازي التجاري للدائن تتبع الشيء المرهون في حالة انتقال الحيازة إلى الغير خفية عنه أو برغم معارضته؛ ولا يقبل الرهن التجاري التجزئة، فكل جزء من الشيء المرهون رهنا حيازيا يضمن كل الدين.
3) تجارية عقد الرهن الحيازي :
يتضح كذلك من التعريف المتقدم أن الرهن التجاري هو الرهن الذي يعقد ضمانا لدين تجاري، و هو ما تم التنصيص عليه في الجملة الأولى من المادة 337 من م.ت التي جاء فيها ما يلي “يخضع الرهن الحيازي للمنقول المنشأ من تاجر أو غيره بمناسبة عمل تجاري”، وهو ما تم التأكيد عليه في الفقرة الأولى من المادة 338 من نفس القانون التي جاء فيها أن “الرهن التجاري يثبت طبقا لأحكام المادة 334 بالنسبة للمتعاقدين والغير سواء قام به تاجر أو غير تاجر من أجل ضمان عمل من الأعمال التجارية”،وهو ما أخذت به بعض التشريعات العربية.
ومعنى ذلك أن العبرة في تحديد صفة الرهن هي طبيعة الدين المضمون، وهذا أمر منطقي لأن الرهن تابع للدين المضمون، والقاعدة أن الفرع يتبع الأصل، فلو اشترى أحد الأشخاص مالا منقولا بنية بيعه بربح، ومن أجل الاستفادة من أجل معين لأداء الثمن، قام برهن شيء من أمواله ضمانا لسداد الدين الناتج عن عقد البيع، فإن هذا الرهن يعتبر تجاريا لأنه يضمن الوفاء بدين ناتج عن عمل تجاري.
أما لو قام شخص ما بشراء عقار أو سيارة قصد الاستعمال الشخصي، وقام برهن شيء من أمواله لضمان تسديد الثمن أو باقي الثمن فإن الرهن في هذه الحالة يعتبر مدنيا لأنه يضمن الوفاء بدين مدني.
انطلاقا مما سبق، وانطلاقا كذلك من المادتين 337 و 338 من م.ت يتضح أنه لا عبرة في الرهن التجاري بصفة الدائن أو بصفة المدين، فالرهن يكون تجاريا مهما كانت صفة الشخص الذي أنشأه، أي سواء كان تاجرا أم غير تاجر، ويكفي أن يتقرر الرهن لضمان الوفاء بدين تجاري حتى يوصف بالتجاري.
وهكذا فالرهن الذي يعقده تاجر لمصلحة تاجر آخر ضمانا للوفاء بثمن أثاث اشتراه لمنزله يعتبر رهنا مدنيا لأن الدين المضمون من طبيعة مدنية، وكذلك الحال بالنسبة للرهن الذي يعقده تاجر ضمانا لقرض ليس له صلة بتجارته وإنما لأجل بناء مسكن له، بينما يعتبر الرهن تجاريا، سواء أنشأه تاجر أو غير تاجر، إذا كان يرمي إلى ضمان الوفاء بدين ناتج عن بضائع اشتراها بنية بيعها بذاتها أو بعد تهيئتها بهيئة أخرى، وذلك لأن الدين المضمون في هذه الحالة يعد من طبيعة تجارية.
ولو قام التاجر بإجراء الرهن بمناسبة عمل تجاري أو لحاجات تجارية، فإن الرهن في هذه الحالة يوصف بالصفة التجارية بالتبعية وذلك بمقتضى المادة 10 من م.ت، وهذه قرينة يمكن إثبات عكسها.
وإذا كان الدين مختلطا أي تجاريا بالنسبة إلى أحد الطرفين ومدنيا بالنسبة إلى الطرف الآخر، فإن صفة الرهن، حسب الرأي الراجح، تتحدد بطبيعة الدين المضمون بالنسبة إلى المدين، فإذا كان الدين المضمون تجاريا بالنسبة للمدين فإن الرهن يعتبر تجاريا وإن كان الدين مدنيا بالنسبة للدائن.
ذلك لأن المدين هو الذي يقدم المال المرهون، وأن تنفيذ الرهن يكون على الشيء المرهون عند عدم سداد الدين من طرف المدين الراهن، أضف إلى ذلك أنه لا محل لاعتبار الرهن تجاريا بالنسبة لطرف ومدنيا بالنسبة لطرف آخر، إذ من الضروري أن يخضع الرهن لقواعد واحدة وأن تكون له صفة واحدة تتحدد بطبيعة الدين المضمون بالنسبة إلى المدين.
ثانيا – انعقاد الرهن الحيازي التجاري وإثباته:
1) إنشاء الرهن الحيازي التجاري العادي :
يعتبر عقد الرهن التجاري في القانون التجاري المغربي عقدا رضائيا، يكفي لانعقاده تطابق الإيجاب والقبول، وهو ما أخذت به صراحة بعض التشريعات العربية، وبذلك لم يشترط المشرع المغربي شكلا معينا لإتمام العقد، ومن ثم فانعقاد الرهن يستوجب أن يكون محل الرهن مما يجوز التعامل فيه، وأن تتوفر في المدين الراهن أهلية التصرف بعوض في الشيء المرهون، و مالكا له، و أن تكون إرادة كلا الطرفين حرة و خالية من العيوب.
ومع ذلك، أضاف المشرع إلى عنصر الرضائية عنصرا آخر ضروريا في الرهن ألا وهو التسليم إذ نص في الفقرة الأولى من المادة 339 من م.ت على أنه “في جميع الحالات لا يستمر الامتياز قائما على الشيء المرهون إلا إذا وضع هذا الشيء وبقي في حيازة الدائن أو في حيازة شخص آخر تم اتفاق المتعاقدين عليه، وهو ما سبق التنصيص عليه في الفصل 1188 من ق. ل. ع الذي نص على أنه يتم الرهن الحيازي بتراضي طرفيه على إنشاء الرهن، وزيادة على ذلك بتسليم الشيء المرهون فعليا إلى الدائن أو إلى أحد من الغير يتفق عليه المتعاقدون.
وبذلك يعتبر عقد الرهن عقدا عينيا لأن تسليم المال المرهون يعتبر في هذه الحالة ركنا لانعقاد العقد، و يجب أن تنتقل الحيازة إلى الدائن المرتهن أو إلى من يقوم مقامه كوكيله كما يجوز طبقا للفقرة الأولى من المادة 339 من م.ت وضع المرهون في حيازة شخص آخر يتم الاتفاق عليه.
والحكمة المتوخاة من ضرورة انتقال المرهون إلى حيازة الدائن المرتمن هي إظهار حق هذا الأخير على المال المرهون أمام الجميع أي شهره، وفي ذلك إحاطة فعالة وحقيقية للغير يتعلق حق المرتهن بالمرهون، بينما إذا بقي الشيء المرهون بيد المدين الراهن فقد يتورط الغير في إقراضه رغم أن مركزه المالي لا يسمح له بالإقراض.
إضافة إلى ذلك، فان حيازة الدائن للمرهون مفيدة له لأنه يكون في مأمن من الحصول على دينه الذي هو مقابل الرهن عند الاستحقاق، و إذا لم يقم المدين بسداد الدين في تاريخ الاستحقاق يمكنه التنفيذ على الشيء المرهون طبقا للإجراءات القانونية، فيحصل على مبلغ الدين من ثمن بيع المرهون، كما أن انتقال الحيازة إلى الدائن يجعل المرهون بمنأى عن الراهن فلا يستطيع هذا الأخير إخفاءه أو التصرف فيه لشخص حسن النية يستطيع أن يحتمي بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية. وتختلف طريقة انتقال الحيازة بحسب ما إذا كان الشيء المرهون ماديا أو معنويا، وهو ما يتضح مما يلي:
تنتقل حيازة المنقول المادي إلى الدائن المرتهن بتسليمه هذا الشيء تسليما فعليا وحقيقيا، كما قد يكون التسليم رمزيا و ذلك حينما تكون البضاعة تحت تصرف الدائن في مخازنه أو سفنه أو في الجمرك، أو مودعة في مخزن عام، أو كان بيده قبل وصولها، سند شحنها أو أي سند آخر للنقل، ويعني ذلك أنه لا يشترط انتقال الحيازة انتقالا فعليا إلى الدائن المرتهن، بل يكفي أن تكون تحت تصرفه سواء احتفظ بها ذاتها أو احتفظ بسند يمثل الشيء المرهون ويعطي حائزه دون غيره حق تسلمه.
وهناك ما يسمى بالتسليم الحكمي للشيء المرهون، ويتحقق حينما يكون الشيء المرهون في حيازة الدائن المرتهن قبل الرهن على سبيل الوديعة أو الإيجار مثلا، و عندما يبرم الرهن يصبح ذلك الشيء مرهونا لدى الشخص نفسه، و من ثم يعتبر التسليم قد تم حكما.
قد ينصب الرهن على حق أو منقول معنوي، و في هذه الحالة تنتقل حيازته إلى الدائن المرتهن بتسليمه السندات الثابتة فيها أو بتسليم إيصال الإيداع إذا كان السند مودعا لدى الغير.
ويتم رهن الحقوق الثابتة في السندات المحررة للأمر كالكمبيالات والسندات لأمر بتظهير هذه الأخيرة تظهيرا تأمينيا، يتضمن عبارة “مبلغ على وجه الضمان” أو “مبلغ على وجه الرهن” أو أية عبارة أخرى تفيد الرهن، وفي هذه الحالة يعتبر المظهر إليه هو الدائن المرتهن، ويجوز له أن يمارس جميع الحقوق المتفرعة عن الكمبيالة أو السند لأمر، ولكن لا يصح التظهير الذي يصدر عنه إلا كتظهير توكيلي، ولا يجوز للملتزمين أن يتمسكوا في مواجهة الحامل بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية بالمظهر ما لم يكن الحامل قد تعمد بتسلمه الكمبيالة الإضرار بالمدين.
وهكذا يتبين أن رهن السند لأمر والكمبيالة يتم بتدوين عبارة تدل على أن قيمة السند هي للضمان أو للرهن، وعندئذ يسلم السند إلى الدائن المرتهن الذي يعتبر حاملا للورقة التجارية، ويستطيع أن يقوم بكل ما يقوم به الحامل لكي يقبض قيمة السند عند حلول تاريخ استحقاقه، وبالتالي يستوفي منها دينه ما لم يكن المدين قد سدده له قبل ذلك.
أما الحقوق الثابتة في الأسهم وحصص الاستفادة والأسهم التي تصدرها الشركات التجارية أو المدنية فيجري رهنها بحوالة يذكر فيها أنها على وجه الضمان ويقيد في سجلات الشركات التي أصدرتها، وبعد ذلك يتسلم الدائن المرتهن الصك المثبت للحق كحائز له، ويترتب على هذا القيد تحديد مرتبة الرهن بالنسبة للغير.
أما الديون العادية المترتبة على شخص معين، فإن رهنها رهنا حيازيا يخضع لإجراءات الرهن المدني وفقا لما تنص عليه الفقرة الرابعة من المادة 338 من م.ت، وهكذا يجري رهن الديون العادية بتسليم السند المثبت للدين إلى الدائن المرتهن حتى يسري الرهن في مواجهة الغير، ومن ثم فالمشرع لم يشترط الكتابة في الرهن المذكور على عكس بعض التشريعات العربية.
إضافة إلى ذلك، اشترط المشرع ضرورة إعلام المدين في الدين المرهون إعلاما رسميا، أو قبوله بهذا الرهن في محرر ثابت التاريخ، كما هو الأمر في حوالة الدين وذلك لكي يعتبر الرهن نافذا في مواجهته، و يلزم أن يقع الإعلام الرسمي من الدائن في الدين المرهون أو من الدائن المرتهن إذا أذن له الدائن الأول بذلك، والدين غير الثابت في محرر لا يصح أن يكون محلا للرهن.
وتجدر الإشارة أخيرا إلى أحقية المدين في التمسك تجاه الدائن المرتهن بالدفوع التي يمكن له التمسك بها قبل الدائن الأصلي (المدين الراهن)، لكن هذه القاعدة تسري فقط على رهن الديون العادية، أما بالنسبة لرهن الأوراق التجارية فيعمل بالقاعدة المعروفة بقاعدة تطهير الدفوع التي أخذت بها مدونة التجارة في المادة 171 بالنسبة لعلاقة حامل الكمبيالة بالمسؤولين عنها ما لم يكن الحامل قد تعمد باكتسابه الكمبيالة الإضرار بالمدين، وهو ما أكدته المادة 234 من م.ت بالنسبة للسند لأمر.
2) إثبات الرهن الحيازي التجاري العادي :
يعتبر الرهن التجاري عقدا عينيا لا بد فيه من تسليم المنقول إلى الدائن المرتهن كما سبق توضيح ذلك.
وقد سبقت الإشارة عند بحثنا في الأحكام العامة للعقود التجارية أن المادة 334 من م.ت أخذت بمبدأ حرية الإثبات في العقود التجارية مع الاحتفاظ بالاستثناءات التي يقررها القانون أو الاتفاق، وبذلك فالأصل جواز إثبات الرهن بكل طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن، سواء بالنسبة للمتعاقدين أو الغير، ومهما كانت قيمة الشيء المرهون.
وهو ما أكده المشرع من جديد بمقتضى المادة 338 من م.ت التي تنص في فقرتها الأولى على أنه ” يثبت الرهن طبقا لأحكام المادة 334 بالنسبة للمتعاقدين والغير سواء قام به تاجر أو غير تاجر، من أجل ضمان عمل من الأعمال التجارية”.
وتضيف المادة 338 من م.ت أن رهن القيم القابلة للتداول يثبت بواسطة تظهير صحيح يشير إلى أن تلك القيم سلمت على وجه الضمان وأن رهن الأسهم وحصص الاستفادة والسندات الاسمية للشركات التجارية أو المدنية التي يتم انتقالها بتحويل في سجلات الشركة يثبت رهنها أيضا بواسطة تحويل على وجه الضمان يقيد في السجلات المذكورة، هذه قيود قررها المشرع في ذات المادة التي قررت مبدأ حرية الإثبات في الرهن التجاري.
ثالثا – آثار الرهن الحيازي التجاري و التنفيذ على الشيء المرهون :
يجب في البداية البحث في آثار الرهن الحيازي التجاري و خاصة التزامات الدائن والمدين، ثم البحث في التنفيذ على الشيء المرهون حالة عدم وفاء المدين بالدين المضمون خلال أجل الاستحقاق.
1) آثار الرهن الحيازي :
يتعين البحث في آثار الرهن الحيازي التجاري بالنسبة للمدين ثم بعد ذلك البحث في آثار الرهن بالنسبة للدائن.
بمجرد إنشاء الرهن يلتزم المدين بألا يقوم بأي فعل من شأنه أن ينقص من قيمة المرهون عما كانت عليه عند إبرام الرهن، كما لا يحق أن يمنع الدائن عن مباشرة الحقوق الناشئة من الرهن لصالح الدائن المرتهن.
وإذا كان المرهون عبارة عن دين أو أي حق آخر مقررا في ذمة الغير، فلا يجوز للمدين الراهن إضرارا بالدائن المرتهن إنهاء أو تعديل الحقوق الناشئة من الدين أو الحق المرهون بمقتضى اتفاقات مبرمة بينه وبين الغير، وكل شرط مخالف يكون عديم الأثر في مواجهة الدائن ما لم يرتضيه.
لم تعمل مدونة التجارة على تفصيل التزامات الدائن المرتهن، وإنما أحالت إلى المقتضيات العامة الواردة في الفصول من 1184 إلى 1230 من ق.ل.ع.
وبالرجوع إلى المادة 1190 من ق.ل.ع يتبين أن الدائن المرتهن ملزم بأن يسلم إلى المدين توصيلا مؤرخا وموقعا عليه إذا طلب منه ذلك، ويبين في هذا التوصيل نوع وطبيعة الأشياء المرهونة وصنفها، ووزنها، وقياسها وغير ذلك من الصفات المميزة لها، وإذا كان المرهون عبارة عن سندات لحاملها وجب أيضا أن يتضمن التوصيل أرقامها وقيمتها الاسمية.
ويمكن للمدين استخدام هذا التوصيل عند الضرورة كأداة للإثبات إذا أخل الدائن بالتزامه بالمحافظة على الشيء المرهون ورده. ويلتزم الدائن كذلك بالسهر على حراسة الشيء أو الحق المرهون وعلى المحافظة عليه بنفس العناية التي يحافظ بها على الأشياء التي يملكها.
وإذا كان المرهون أوراقا تجارية، أو غيرها من السندات التي تتضمن ديونا يحل أجلها في تاريخ محدد، وجب على الدائن أن يستوفيها بالنسبة إلى أصلها و توابعها كلما حل أجل الوفاء بها، وأن يتخذ كل الإجراءات التحفظية التي يتعذر على المدين القيام بها بنفسه بسبب عدم حيازته للسند.
ويلزم الدائن، تحت طائلة تحمله المسؤولية و مطالبته بالتعويض، بألا يستعمل الشيء المرهون أو يرهنه للغير أو أن يتصرف فيه بأية طريقة أخرى لمصلحته الشخصية ما لم يأذن له المدين في ذلك صراحة.
وإذا لاحظ المرتهن أن الشيء المرهون أو ثماره تندر بالعيب أو الهلاك، وجب عليه إعلام المدين بذلك فورا، ولهذا الأخير أن يسترد المرهون ويستبدل به شيئا آخر يساويه في القيمة، و إذا كان هناك خطر في التأخير، وجب على الدائن المرتهن أن يطلب الترخيص له من السلطة القضائية في بيع المرهون وذلك بعد إثبات حالته وتقدير قيمته بواسطة خبير يعين لهذا الغرض،
ويمكن أن تأمر المحكمة بالإجراءات اللازمة للمحافظة على مصالح الطرفين، و في حالة بيع الشيء المرهون يحل الثمن الناتج عن البيع محل الشيء المرهون، ومع ذلك يجوز للمدين أن يطلب إيداع هذا الثمن في خزينة عامة أو أن يأخذه لنفسه في مقابل أن يسلم للدائن على وجه الرهن شيئا آخر تساوي قيمته قيمة الشيء الذي كان موضوع الرهن في الأصل.
ويلزم الدائن المرتهن من جهة أخرى بمجرد انقضاء الرهن برد المرهون مع توابعه إما إلى المدين وإما إلى الغير المالك للمرهون، كما يلتزم بتقديم حساب له عما قبضه من ثماره.
2) تحقيق الرهن الحيازي التجاري :
حينما لا ينفذ المدين التزامه بالوفاء خلال الأجل يبادر المرتمن إلى التنفيذ على الشيء المرهون، ومع ذلك لا يجوز له أن يشترط على المدين إمكانية تملكه للمرهون في حالة عدم الوفاء.
– حق الدائن المرتهن في التنفيذ على الشيء المرهون :
حدد المشرع المغربي في المادة 340 من م.ت إجراءات التنفيذ على الشيء المرهون إذا لم يف المدين بالدين المضمون بالرهن في ميعاد استحقاقه، و يتضح من خلال هذه المادة أن المشرع بسط إجراءات التنفيذ على الشيء المرهون بما يضمن للدائن المرتهن الحصول على حقه بسرعة وهو ما قررته معظم التشريعات العربية.
وبالفعل ينص المشرع في المادة 340 من م.ت على أنه ” في حالة عدم الوفاء في تاريخ الاستحقاق، يمكن للدائن داخل أجل سبعة أيام و بعد تبليغ للمدين ولمالك الشيء المرهون إن وجد، أن يجري بيع الأشياء المرهونة بالمزاد العلني.
يقوم بالبيع كاتب الضبط لدى المحكمة الموجود بمقرها موطن الدائن أو الشخص المتفق عليه وذلك وفق مقتضيات قانون المسطرة المدنية الخاصة بالبيوعات الناتجة عن الحجز التنفيذي. يعتبر باطلا كل شرط يسمح للدائن بتملك الشيء المرهون أو بالتصرف فيه دون مراعاة المقتضيات المشار إليها أعلاه”.
– إشعار المدين بالوفاء :
يجب على الدائن المرتهن قبل ممارسة إجراءات بيع الشيء المرهون بالمزاد العلني، توجيه إشعار للمدين ولمالك الشيء المرهون إن وجد، ينبهه فيه إلى حلول أجل الاستحقاق وضرورة الوفاء بالدين، ويتم هذا التنبيه إما بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بواسطة مفوض قضائي.
لقد أدخل المشرع الجديد تعديلا على الفصل 63 من القانون التجاري الملغى بمقتضى المادة 340 من م.ت يتعلق بأجل سبعة أيام، فالفصل 63 كان ينص على أنه “في حالة عدم الوفاء بالدين عند حلول أجله يمكن للدائن أن يجري بيع الأشياء المرهونة بالمزاد العلني بعد مجرد تبليغ للمدين ولمالك الشيء المرهون إن وجد”.
أما الفصل 340 الجديد فقد جاء فيه أنه “في حالة عدم الوفاء في تاريخ الاستحقاق يمكن للدائن داخل أجل سبعة أيام، وبعد تبليغ للمدين ولمالك الشيء المرهون إن وجد أن يجري بيع الأشياء المرهونة بالمزاد العلني” وهكذا فلم يعد من حق الدائن في حالة عدم الوفاء إجراء بيع الأشياء المرهونة بعد مجرد تبليغ للمدين، بل إن ذلك يكون داخل أجل سبعة أيام بعد التبليغ بحسب الصياغة الواردة بالمادة 340، وهي صياغة معيبة.
لاشك أن عبارة “يمكن للدائن داخل أجل سبعة أيام وبعد تبليغ للمدين ولمالك الشيء المرهون، إن وجد أن يجري بيع الأشياء المرهونة بالمزاد العلني” واضحة التركيب والمعنى ولكنها غامضة المقصود وتحمل تناقضا يؤثر على سلامتها، ويتضح ذلك من خلال طرح السؤال الآتي:
هل يعني هذا الأجل أنه إذا مرت سبعة أيام بعد التبليغ للمدين ولم يقم الدائن بإجراء البيع داخلها يفقد حقه في ذلك وفي المطالبة بالوفاء؟ الجواب ببساطة، بالنفي لأن النص عبر “بالإمكان” ولذلك يمكنه القيام بالبيع سواء في اليوم الأول أو الثاني أو السابع أو الثامن بعد التبليغ للمدين، فالشرط الوحيد الذي يقيده هو التبليغ للمدين.
وهذا التفسير منطقي، كما أنه يؤدي إلى طرح سؤال آخر مترتب على السؤال الأول هو : ما الفائدة إذن من النص على هذا الأجل بهذه الكيفية؟ الحقيقة أنه لا فائدة منه بالصياغة التي جاء بها، وبالتالي يمكن اعتباره تجديدا وجوده كعدمه.
ومع ذلك، ووفقا لمبدأ إعمال النص خير من إهماله، فإنه يجب تفسير هذا النص بالبحث عن الغاية التي يهدف إليها المشرع منه، كما يمكن الاستعانة بنصوص أخرى تقرر نفس الأجل.
– البيع بالمزاد العلني :
نظم المشرع الحجز التنفيذي على المنقول في الفرع الثاني من الباب الرابع المعنون بالحجز التنفيذي، وما يلاحظ من خلال هذا الفرع هو أن المشرع المغربي لم يعرف الحجز التنفيذي على المنقول، وبالتالي يتعين علينا الرجوع إلى التصورات الفقهية التي قيل بها تعريفا لهذه المؤسسة، وهكذا، فقد عرفه البعض بأنه وضع الدائن تحت يد القضاء عقارا مملوكا للمدين، وذلك من أجل بيعه واستيفاء حقه من ثمن البيع، وتسري إجراءات هذا الحجز على العقارات سواء كانت عقارات بطبيعتها أو عقارات بالتخصيص.
ومن بين التعاريف التي أعطاها الفقه الفرنسي لهذه المؤسسة نورد تعريف كلود بريني الذي عرف الحجز التنفيذي العقاري بأنه طريق من طرق التنفيذ الجبري بواسطتها يضع الدائن تحت يد القضاء عقارا أو عدة عقارات مملوكة لمدينه، ويملك عليها حق التتبع وذلك بهدف استيفاء دينه من ثمنها.
وأول ملاحظة يمكن الوقوف عليها من خلال قراءة مجموع هذه النصوص هو أن المشرع قد نص في هذا الفرع على الأحكام المشتركة بين الحجز التنفيذي للمنقول و الحجز التنفيذي على العقار، ومنها عدم جواز حجز على حجز، وعدم إمكانية تمديد الحجز لأكثر مما هو ضروري لأداء الدين، وعدم تمديد الحجز إذا لم ينتظر من بيع الأشياء المحجوزة استيفاء مبلغ مصاريف التنفيذ الجبري.
وهي مسألة منطقية، ذلك أن مصاريف التنفيذ هي مصاريف امتيازية تستوفى من منتوج البيع قبل أداء الديون المحجوز لأجلها، وبالتالي يكون من العبث إجراء حجز لا ترجى منه نتيجة سوى استخلاص مصاريف الإشهار والبيع.
والقاعدة العامة في مجال الحجوز التنفيذية أنه لا يمكن بيع عقار المنفذ عليه جبرا إلا عند عدم كفاية المنقول، وتعرف هذه القاعدة استثناء وحيدا وهو المتعلق بالحالة التي يخصص فيها ضمان عيني لأداء الدين، حيث يلزم والحالة هذه احترام الإرادة التعاقدية للطرفين، ما داما قد خصصا للوفاء بالدين ضمانا بعينه، وهذه القاعدة أقرتها الفقرة الأولى من الفصل 469 من ق.م. م التي نصت على ما يلي ” لا يقع البيع الجبري للعقارات إلا عند عدم كفاية المنقولات عدا إذا كان المدين مستفيدا من ضمان عيني”.
ومع ذلك، فإنه يدق أحيانا فيصل التميز بخصوص تحديد طريق الحجز الواجب الاتباع، إذ يتم حجز بعض المنقولات وفقا لأحكام الحجز التنفيذي العقاري أو العكس حيث يحجز العقار بطريق الحجز التنفيذي على المنقول.
وهكذا فإن الثمار الطبيعية للأشجار رغم أنها تعتبر عقارات فإنه يتم حجزها بطريق حجز المنقولات متى أوشكت على النضج، نظرا لما تؤول إليه من أخذها لصفة المنقول بالمال تطبيقا لمقتضيات الفصل 465 من ق.م.م، وبالمقابل فإن المنقولات المملوكة لمالك عقار معين، والمرصدة لخدمته، تأخذ وصف العقار بالتخصيص، وبالتالي تحجز بالتبعية إليه وفــق نفس ضوابط الحجز التنفيذي العقاري.
وتمر إجراءات الحجز التنفيذي على المنقول بالمراحل التالية :
تبدأ أولا بتحرير محضر الحجز الذي يجب أن تحترم فيه مجموعة من البيانات الجوهرية التي من شأنها التعريف بمحل الحجز وتحديده تحديدا نافيا للجهالة، ذلك أن الفصل 460 من ق.م.م المنظم لحجز المنقول أحال على الفصلين 455 و 456 من نفس القانون، وبالرجوع إليهما يتبين أن عون التنفيذ الذي أجرى الحجز يقوم بحصر المنقولات المحجوزة وترقيمها في محضر، وإذا تعلق الأمر بحلي أو أشياء ثمينة تضمن المحضر بقدر الإمكان وصفها وتقدير قيمتها، وإذا كان المنقول مسجلا بالسجل التجاري أو سفينة أو سيارة فإنه يتم تحديده بذكر رقمه.
بعد توقيع العون المكلف بالتنفيذ الحجز على الأموال المنقولة المملوكة للمدين، يحرر محضرا بذلك ويبلغه للمدين ويعذره بالوفاء بالإلتزامات المترتبة في ذمته، ويترتب على عدم تبليغ محضر الحجز للمنفذ عليه اعتباره باطلا، وهذا لا يعني أنه يلزم استدعاء المدين المنفذ عليه لعملية البيع، خلافا لما عليه الأمر بالنسبة للحجز التنفيذي العقاري، بحيث نجد المشرع قد تشدد بخصوص تبليغ المنفذ عليه بهذا الحجز الأخير، حيث يتم تبليغ المدين المنفذ عليه مباشرة بعد إيقاع الحجز ويبلغ مرة ثانية قبل إجراء السمسرة ليعلم بتاريخها وينذر بالحضور.
ولضمان حضور أكبر عدد من المتزايدين لعملية البيع الجبري للمنقول، فإنه يتم إشهار ذلك، ولم يحدد المشرع طريقة الشهر الواجبة متى تعلق الأمر بحجز منقول خلافا لما عليه الأمر بالنسبة للعقار، بل ترك للمحكمة ولأجهزة التنفيذ السلطة التقديرية في تحديد طريقة الشهر الملائمة لقيمة المحجوز، إذ لا يعقل أن تشهر عملية بيع المنقول بتكلفة تفوق قيمته.
وهكذا نص الفصل 463 من ق.م.م على أنه “يقع الشراء في أقرب سوق عمومي، أو في أي مكان آخر يتوقع الحصول فيه على أحسن نتيجة ويحاط العموم علما بتاريخ ومكان المزاد بكل وسائل الإشهار الملائمة لأهمية الحجز”.
وقد نصت الفقرة الثانية من الفصل 462 من ق.م.م على ما يلي “يقع البيع بعد انتهاء أجل ثمانية أيام من يوم الحجز ما لم يتفق الدائن والمدين على تحديد أجل آخر أو إذا كان تغيير الأجل ضروريا لتجنب أخطار انخفاض ملموس في ثمن الأمتعة المحجوزة أو صوائر حراسة غير متناسبة مع قيمة الشيء المحجوز.
قرر هذا النص قاعدة مضمونها أن البيع الجبري للمنقولات المحجوزة لا يتم إلا بعد انصرام أجل ثمانية أيام من تاريخ إيقاع الحجز، والحكمة من تطلب هذا الأجل هي إتاحة الفرصة للمدين للوفاء بما هو مطلوب منه ليتجنب البيع، من خلال اتخاذه إجراءات العرض والإيداع تحاشيا لذلك، وتمكينه هو أو غيره من الاعتراض على الحجز إذا كان لذلك موجب وجه،
فضلا عن أن هذه المهلة تؤدي إلى عدم التسرع في إجراء البيع، فهي تسمح بتنظيم إجراءات الإعلان عن هذا البيع، وجلب العدد الأكبر ممن يرغبون في الشراء، فيرتفع الثمن عند البيع في المزاد، حيث يستفيد من ذلك المدين ودائنوه، وأخيرا فإن هذه المهلة تسمح لباقي الدائنين الآخرين غير الحاجز بالتدخل في الحجز.
وأجل الثمانية أيام المذكورة أعلاه لا يتعلق بالنظام العام، طالما أن المشرع نفسه قد أعطى للطرفين إمكانية تعديله إما بتأجيله أو تقريبه، فقد يرى الطرفان أن الأجل المذكور غير كاف لسداد الدين اختيارا، أو لتحقيق عملية الشهر على نطاق واسع، فيتفقان على تأجيل البيع، وقد يتبين لهما أن الأجل المذكور يخاف منه نقص قيمة المنقولات المحجوزة أو أداء مصاريف الحراسة على نحو لابتلايم وقيمة الشيء المحجوز، فيتفقان على تقصير الأجل.
وقد ترك المشرع لعون التنفيذ كامل الصلاحية في تحديد مكان بيع المنقول المحجوز إذ له أن يجري عملية البيع في أقرب سوق عمومي أو أي مكان آخر يتوقع الحصول فيه على أحسن نتيجة، وهو يقوم بذلك تحت مراقبة رئيس المحكمة بصفته مشرفا على عملية التنفيذ.
وبعد إجراء المزايدة ورسو المزاد، فإن الراسي عليه المزاد يلتزم بأداء الثمن فور انتهاء المزايدة، وإلا أعيدت السمسرة حالا على نفقة ومسؤولية الراسي عليه المزاد، وهذا خلافا لما عليه الأمر في حالة بيع العقار، بحيث إن الراسي عليه المزاد لا يلتزم بأداء الثمن حالا بل له أجل 10 أيام للقيام بذلك، وإذا لم يبادر إلى إيداع الثمن فإنه لا تعاد السمرة إلا بعد انصرام أجل 10 أيام من توجيه إنذار إليه يبقى بدون جدوى.
وقد تنبه المشرع وهو يعالج البيع الجبري للمنقول إلى إشكالية عدم تسلم الراسي عليه المزاد للشيء المبيع، إذ أن هذا الأخير قد يعمد إلى أداء الثمن، وبالمقابل يستنكف عن تسلم المبيع، والحال أن بقاء المنقول لدى الحارس القضائي قد يكبده مصاريف إضافية أو يؤدي إلى تلفه، لذلك نص المشرع على إعادة البيع دون توجيه إنذار للراسي عليه المزاد، ويتم إيداع الثمن بصندوق كتابة الضبط لفائدة المشتري الأول، طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 464 من ق.م.م.
وفي الأخير نشير إلى أنه أثناء سريان إجراءات الحجز فإنه قد يدعي أحد من الغير ملكيته للمنقول المحجوز، وعليه فإنه لإخراج المنقول من الحجز يلزمه تقديم دعوى الاستحقاق الفرعية للمنقول، ويترتب على رفعها الوقف التلقائي لإجراءات التنفيذ إذا كانت مصحوبة بوثائق مثبتة للملكية.
حيث يتعين على عون التنفيذ في هذه الحالة أن يوقف عملية البيع، وإذا وقع نزاع في المسألة أحيل الأمر على السيد رئيس المحكمة التي يجري في دائرتها التنفيذ ليقرر تأجيل البيع أو مواصلته، فإذا قرر مواصلة إجراءات البيع فلا إشكال، أما إذا قرر الرئيس تأجيل إجراءات البيع، فإنه يتعين على مدع الاستحقاق أن يتقدم بدعواه أمام محكمة الموضوع داخل أجل ثمانية أيام تحت طائلة سقوط حقه ومواصلة إجراءات البيع، في حين يترتب على رفعها داخل الأجل المذكور وقف إجراءات البيع إلى حين الفصل في جوهرها.
فدعوى الاستحقاق الفرعية ترفع إلى محكمة الموضوع داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ الأمر بتأجيل البيع، بمقال وفق الإجراءات العادية المنصوص عليها في الفصل 31 من ق.م.م، أما إذا رفعت بعد البيع فإنها تصبح غير ذات موضوع، والمحكمة المعروضة عليها دعوى الاستحقاق الفرعية تنطلق من قرينة بسيطة وهي أن الحيازة في المنقول سند الملكية، إذ يفترض في المحجوز عليه أنه المالك للمنقولات المحجوزة بين يديه، وعلى من يدعي خلاف ذلك أن يثبته طبقا للقواعد العامة.
كان القانون الروماني يجيز للدائن المرتهن الذي يوجد بحيازته الشيء المرهون حبس هذا الشيء ضمانا لدينه لحين الاستحقاق، وإذا تخلف المدين عن الوفاء كان للدائن الحق في تملك هذا الشيء.
ظل هذا الشرط ساري المفعول لزمن طويل ثم ألغي نظرا لما يمثله من إجحاف في حق المدين، ذلك أن قيمة الشيء المرهون تفوق غالبا قيمة الدين المضمون، فتم استبداله بإمكانية الاتفاق بين الطرفين على منح الدائن الحق في بيع الشيء المرهون بغير تدخل القضاء و بدون إتباع الإجراءات القانونية، وهذا ما يسمى شرط “الطريق الممهد”.
ومع ذلك، فسواء تعلق الأمر بشرط التملك أو شرط “الطريق الممهد”، فإن الشبهة تظل قائمة، ذلك أن الشك يبقى سائدا حول تقدير القيمة التي يتملك أو يبيع بها الدائن المال المرهون، كما أن الدائن قد يستغل حاجة المدين إلى الائتمان فيشترط عليه مثل هذه الشروط، يضاف إلى ذلك ما يشعر به المدين من ألم في نفسه حينما يجد أن الدائن تملك المال المرهون مباشرة بسبب عدم تمكنه من سداد الدين، ولهذه الأسباب قرر المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 340 من م.ت بطلان كل شرط يسمح للدائن بتملك الشيء المرهون أو بالتصرف فيه دون مراعاة الإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الأولى والثانية من نفس المادة، وهذا ما تقضي به أيضا القواعد العامة في قانون الالتزامات والعقود.
وقد روعي في إقرار هذه المقتضيات أن الإجراءات المحددة قانونا في التنفيذ على الشيء المرهون وضعت من أجل ضمان حق كل من الدائن المرتهن والمدين الراهن بما يحقق التوازن بين المصالح المتعارضة، فالقانون لا يجيز الإخلال بهذه الإجراءات حتى ولو ارتضاه المتعاقدان إذ يخشى أن يستغل الدائن حاجة الراهن فينتزع منه رضاه ويقدر الشيء المرهون بأقل من قيمته.
يضاف إلى ذلك أن شرط التملك نظير ثمن معلوم، وشرط البيع دون مراعاة الإجراءات المنصوص عليها قانونا يكونان باطلين سواء تم الاتفاق عليهما في عقد الرهن ذاته أو بعد العقد ما دام هذا الاتفاق حصل قبل حلول أجل الدين المضمون بالرهن، ويستنتج من ذلك أن مثل هذا الاتفاق يصبح جائزا عندما يتم بعد حلول أجل استحقاق الدين المضمون لأنه في هذه الحالة تنتفي شبهة استغلال الدائن لحاجة المدين للائتمان، و أصبح المدين على بينة من الأمور، ولا يتصور انتزاع رضاه بخصوص هذا الاتفاق.
المراجع :
- الدكتور بوعبيد عباسي: العقود التجارية، الطبعة الأولى 2013.
- مصطفی کمال طه: العقود التجارية، دار الفكر الجامعي الإسكندرية 2008.
- فوزي محمد سامي: شرح القانون التجاري ج 1 مصادر القانون التجاري، الأعمال التجارية، التاجر، المتجر، العقود التجارية مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان ط 1.
- سميحة القليوبي: شرح العقود التجارية دار النهضة العربية، القاهرة، ط2، 1992.
- أحمد السيد صاوي وأسامة روبي وعبد العزيز الروبي: التنفيذ الجبري في المواد المدنية والتجارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005.
- عيد محمد القصاص: إجراءات التنفيذ الجبري ومنازعاته، الحجوز التنفيذية والتحفظية، منازعات التنفيذ ، دار النهضة العربية، القاهرة 1995-1996.
- ابراهيم أحطاب: الحجز التنفيذي في قانون المسطرة المدنية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية الحقوق مراكش ، 1998-1999.
- أدولف ريولط: قانون المسطرة المدنية في شروح – دار النشر المعرفة الرباط، 1996،
- محمد عزمي البكري: الحجز القضائي على المنقول في ضوء الفقه والقضاء، شركة ناس للطباعة، الإسكندرية، ط2، 1999.
- أحمد النويضي: القضاء المغربي وإشكالات التنفيذ الجبري للأحكام ، مطبعة وراقة الساحة، فاس، ط1، 1995.
Share this content: