الحراسة النظرية
|

الحراسة النظرية: الشروط القانونية للإبقاء على المشتبه به تحت الحراسة

يعتبر الوضع تحت تدابير الحراسة النظرية من أخطر الإجراءات التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية الماسة بالحرية الشخصية التي تباشر أثناء البحث التمهيدي. والتي من شأنها تقييد حرية المشتبه فيه وحرمانه من التنقل، لذلك أحاطه المشرع بعدة ضمانات تفاديا لكل شطط وتعسف، وألزم المشرع ضابط الشرطة القضائية بتوثيق جميع العمليات التي يقوم بها بدءا من الانتقال إلى مكان الجريمة والقيام بالمعاينات الضرورية، مرورا بإجراءات التفتيش والحجز بالاحتفاظ بالأشخاص ووضعهم تحت الحراسة النظرية والاستماع إليهم وتقديمهم إلى النيابة العامة.

أولا – شروط الوضع تحت الحراسة النظرية :

يقصد بالوضع تحت الحراسة النظرية الإجراء الذي بمقتضاه يعطي الحق لضابط الشرطة القضائية بأن يحتفظ بشخص أو بعدة أشخاص بوضعه في مكان معين غالبا ما يكون مركز الشرطة القضائية، كل ذلك من أجل ضرورة البحث ونظرا لأهمية مرحلة البحث التمهيدي التلبسي في استجلاء الحقيقة وما قد يسفر عنه من نتائج تسعف أجهزة الحكم في تقدير حكمها، وكذا خطورة الجنح والجنايات التي ترتكب في حالة التلبس، فإن المشرع منح لضابط الشرطة القضائية هامشا واسعا للإستماع إلى أي شخص قد تكون تصريحاته مفيدة في البحث والتحفظ عليه لمنعه من الفرار.

تنص المادة 65 من قانون المسطرة الجنائية صراحة : “يمكن لضابط الشرطة القضائية أن يمنع أي شخص مفيد في التحريات من الابتعاد عن مكان وقوع الجريمة إلى أن تنتهي تحرياته. يجب على كل شخص ظهر من الضروري معاينة هويته أو التحقق منها، بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية أن يمتثل للعمليات التي يستلزمها هذا التدبير.

وكل من خالف مقتضيات الفقرة السابقة يتعرض لعقوبة الاعتقال لمدة تتراوح بين يوم واحد وعشرة أيام وغرامة يتراوح قدرها بين 200 و 1200 درهم أو لإحدى هاتين العقوبتين فقط “.

يستفاد من هذه المادة، أنه يمكن لضابط الشرطة أن يمنع أي شخص مفيد في التحريات، من الابتعاد عن مكان وقوع الجريمة إلى أن تنتهي تحرياته، لكن الإشكال الذي يطرح في هذا الصدد هو المعيار الذي يمكن من خلاله معرفة هل الشخص الموقوف مفيد أو غير مفيد؟ وعليه يجب أن يقتصر التوقيف على الأشخاص المشتبه فيهم مخافة أن يطال هذا الإجراء مجرد شاهد يراد الاستماع إليه.

وللحراسة النظرية شروط ومدد وأحكام وضعها القانون ونظمها بدقة، فإذا كان المشرع قد منح لضابط الشرطة القضائية هامشا واسعا في اتخاذ تدابير الحراسة النظرية، فإنه بالمقابل قيد ممارسته في ذلك بتحديد حالات اللجوء إلى هذا الإجراء نظرا لخطورته واتصاله بالحرية الشخصية للأفراد.

ويكون الوضع تحت تدابير الحراسة النظرية رهين بتوفر الشروط التالية:

1 – أن تكون الجريمة المتلبس بها جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون بالحبس :

وإلى ذلك أشارت المادة 70 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي ” تسري مقتضيات المادة 57 وما بعدها إلى المادة 69 على قضايا التلبس بالجنح في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقوبة الحبس”. وهذا يعتبر أمرًا منطقيًا بالنظر إلى أن القانون إذا لم يقرر عقوبة سلب الحرية للجريمة، فإنه من غير المقبول تقييد حرية المشتبه فيه فقط لإجراء البحث المتعلق بها

ولا يشترط القانون المغربي لإخضاع شخص للحراسة النظرية توفر أدلة أو قرائن قوية على ارتكاب أو محاولة ارتكاب الجريمة موضوع البحث، كما هو الشأن بالنسبة لبعض التشريعات المقارنة كالمادة 63 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي مثلا التي اشترطت لإمكانية الوضع تحت الحراسة النظرية أن تقتضي ذلك ضرورة البحث، بالإضافة إلى وجود مؤشرات تدفع للاعتقاد بضلوع الشخص في ارتكاب الجريمة.

2 – أن تكون هناك ضرورة للبحث تقتضي ذلك بوضع المشبوه فيه تحت الحراسة النظرية :

وهو ما أشارت إليه الفقرة الأولى من المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية ” إذا تطلبت ضرورة البحث أن يحتفظ ضابط الشرطة القضائية بشخص أو عدة أشخاص ممن أشير إليهم في المادة 65 أعلاه ليكونوا رهن إشارته، فله أن يضعهم تحت الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز 48 ساعة تحسب ابتداء من ساعة توقيفهم، وتشعر النيابة العامة بذلك”.

ويلاحظ أن كل من الشرطين الأول والثاني متلازمان، فخطورة الأفعال المرتكبة من طرف الجاني أحيانا هي التي تفرض تعميق البحث وما شابه ذلك من إجراءات يتم اللجوء إليها للحد من خطورة المشتبه فيه، والحيلولة دون فراره ، أو التأثير على باقي شركائه في ارتكاب الجريمة، وطمسه للحقيقة ومحو آثار الجريمة واندثار أدلتها أو تغيير معالمها وغيرها… وذلك لا يتأتى إلا بالوضع تحت الحراسة النظرية،

وتجدر الإشارة بخصوص هذه المسألة أن المشرع لم يحدد المقصود من عبارة “ضرورة البحث” والتي تبقى فضفاضة وواسعة تخضع لسلطة وتقدير ضابط الشرطة القضائية والذي يستشفها من الملابسات والظروف المحيطة بالجريمة.

لا بد من الإقرار بأن تقدير حاجيات البحث ومتطلباته يبقى من صلاحيات ضابط الشرطة القضائية، إذ يعتمد في ذلك على ضميره المهني وشرفه، مستندًا إلى حسه المهني الذي يمكّنه من الموازنة بين متطلبات البحث لخدمة العدالة وضمان احترام حريات الأفراد وحقوقهم. ومن ثم، عليه أن يقرر بحكمة متى يلجأ إلى تدبير الحراسة النظرية ومتى يمتنع عن ذلك، لا سيما وأن إخضاع الأبرياء أحيانًا لهذا التدبير قد يسبب لهم ضررًا جسيمًا، ويمس بسمعتهم وكرامتهم، مما يجعلهم عرضة للإدانة المجتمعية قبل أن يُصدر القضاء حكمه العادل في حقهم.

بل إن تدبير الحراسة النظرية قد يؤثر سلبًا على سير البحث في بعض الحالات، لأنه يقيد مدته بزمن محدد يجعل ضابط الشرطة القضائية في سباق مع الزمن لجمع أدلة الجريمة. هذا الضغط الزمني قد يدفعه، تحت وطأة عامل الوقت، إلى إغفال بعض الأبحاث أو الامتناع عن تنفيذ إجراءات ضرورية قد تكون حاسمة في كشف الحقيقة، مما قد يؤثر سلبًا على تحقيق العدالة ويعوق الوصول إلى الحقيقة الكاملة.

ولا يقل دور النيابة العامة أهمية في هذا السياق، إذ إنها بحكم إشرافها على مهام الشرطة القضائية تمتلك صلاحية التدخل لتصحيح أي وضع يبدو غير ملائم. فهي تستطيع مراجعة قرارات ضابط الشرطة القضائية، فتضع حدًا للحراسة النظرية إذا رأت أنها غير ضرورية أو تفتقر إلى الأهمية المطلوبة، كما يمكنها أن تأمر بوضع شخص تحت الحراسة النظرية إذا تبين لها أن ذلك ضروري ومناسب لسير البحث وتحقيق العدالة.

3 – احترام مدد الوضع تحت الحراسة النظرية :

لأن هذا الشرط يعتبر من أهم الشروط وبالتالي لا يمكن لضابط الشرطة القضائية أن يتجاوز المدد المحددة من طرف المشرع، وهذه المدد تختلف تبعا لنوع الجرائم المرتكبة ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف حددتها المادة 80 من قانون المسطرة الجنائية:

الصنف الأول: الحراسة النظرية لمدة ثمان وأربعين (48) ساعة تسري على جميع الجرائم، باستثناء جرائم أمن الدولة والجريمة الإرهابية، وتقبل التمديد مرة واحدة لمدة أربع وعشرين (24) ساعة إضافية بما مجموعه اثنان وسبعون (72) ساعة إجمالية، ولا يجوز تمديدها إلا بإذن كتابي من طرف النيابة العامة.

الصنف الثاني: إذا تعلق الأمر بجريمة ماسة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي، فإن مدة الحراسة النظرية تكون هي ستة وتسعون (96) ساعة قابلة للتجديد وبنفس المدة مرة واحدة بإذن من النيابة العامة بما مجموعه مائة واثنان وتسعون (192) ساعة.

الصنف الثالث: يتعلق بالجريمة الإرهابية، حيث حددت مدة الحراسة النظرية بشأنها في مدة ستة وتسعين (96) ساعة قابلة للتمديد مرتين، كل مرة تحدد 96 ساعة إضافية، أي ما مجموعه مائتان وثمانية وثمانون (288) ساعة، ويكون التمديد كذلك بناء على إذن كتابي من النيابة العامة.

وإذا كانت المدد الأصلية للوضع تحت الحراسة النظرية تتدرج حسب الجريمة المرتكبة وخطورتها وما تتطلبه من وقت في الإثبات، فإن المدة الأصلية أحيانا قد لا تسعف ضابط الشرطة القضائية في إنهاء بحثه واستجماع عناصره، مما حدا بالمشرع إلى تمديدها بإذن مكتوب من طرف النيابة العامة دون إحضار المشتبه فيه أمامها خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة للبحث التمهيدي العادي.

ويكون التمديد بوجه عام بمقتضى موافقة النيابة العامة التي تصدر إذنا كتابيا للشرطة القضائية المختصة كلما اقتضت ضرورة البحث ذلك، مما يجعلها – أي النيابة العامة – تملك سلطة مطلقة في منح التمديد من عدمه لاسيما وأنها هي التي تشرف على تسيير أعمال الشرطة القضائية،

غير أنه يلاحظ أن المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية، اشترطت الإذن الكتابي من النيابة العامة لتمديد فترة الحراسة النظرية بخصوص الجرائم العادية والجريمة الإرهابية، ولم تشترطه بخصوص جرائم المس بأمن الدولة وإنما اكتفت بالتنصيص على أن التمديد يكون بناء على إذن من النيابة العامة، مما يجعلنا تساءل عن الاعتداد أيضا بالإذن الشفوي ؟ غير أن المشرع تدارك ذلك في تعديل 17 أكتوبر 2011 ونص على الإذن الكتابي كذلك بخصوص الجرائم الماسة بأمن الدولة.

ولا يملك الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أي وسيلة للتظلم من قرار النيابة العامة بتمديد مدة الحراسة النظرية في حقه. كما لا يمتلك ضابط الشرطة القضائية أي وسيلة للتظلم من رفض النيابة العامة تمديد الحراسة النظرية. وهذا أمر منطقي، إذ لا يمكن للضابط أن يتظلم من قرار تتخذه الجهة المسؤولة عن تسيير البحث، حيث إنه يعمل تحت إشرافها وينفذ تعليماتها دون أن يكون له الحق في الاعتراض على قراراتها.

4 – حصول الإذن مسبقا من النيابة العامة :

بالنسبة للبحث التمهيدي، لا يمكن وضع الشخص تحت الحراسة النظرية إلا بعد الحصول على موافقة النيابة العامة مسبقًا. في المقابل، يمكن لضابط الشرطة القضائية، إذا كان يجري بحثًا في حالة تلبس، أن يضع الشخص تحت الحراسة النظرية دون الحاجة لاستئذان النيابة العامة مسبقًا. ولكن يجب عليه إشعار النيابة العامة بذلك بعد اتخاذ القرار بوضع الشخص تحت الحراسة.

ورغم أن النيابة العامة، بما لها من سلطة تسيير، يمكنها أن تأمر بوضع حد للحراسة النظرية في حالة التلبس، فإن الوضع الذي يقرره ضابط الشرطة القضائية في هذه الحالة دون إذنها يعتبر قانونيًا ومنتجًا لكل آثاره. وذلك لأن ضابط الشرطة القضائية يمتلك الصلاحية في هذه الحالات، وفقًا للقانون، لوضع الشخص تحت الحراسة النظرية فورًا في إطار الحفاظ على سير البحث والتحقيق.

أما إذا تعلق الأمر ببحث تمهيدي، فإن إذن النيابة العامة مسبقًا بوضع الشخص تحت الحراسة النظرية يعد شرطًا ضروريًا. فإذا تم وضع شخص تحت الحراسة النظرية دون الحصول على الإذن المسبق للنيابة العامة، وكان الأمر يتعلق ببحث تمهيدي وليس بحالة تلبس، فإن هذا الوضع يعد خرقًا للقانون. وبالتالي، يعتبر أي إجراء تم اتخاذه خلال تلك الفترة أو ناتج عنها كأن لم يكن، وذلك وفقًا للمادة 751 من قانون المسطرة الجنائية.

كما أن الوضع غير القانوني للحراسة النظرية في هذه الحالة يُعتبر بمثابة اعتقال تحكمي يعاقب عليه القانون الجنائي بعقوبة جنائية تتمثل في التجريد من الحقوق الوطنية، (وفقًا للفصول 225 و 226 و 227 و 228 من القانون الجنائي).

وإذا كان الإذن المسبق للنيابة العامة هو الخاصية الأولى التي تميز الوضع تحت الحراسة النظرية في حالة البحث التمهيدي عن تلك التي تتعلق بحالة التلبس، فإن المشرع لم يحدد طريقة معينة لمنح هذا الإذن. وبالتالي، يمكن أن يكون هذا الإذن إما شفويًا أو مكتوبًا. وإذا كان الإذن شفويًا، يجب أن يتضمن المحضر ما يثبت ذلك بشكل واضح، لكي تتمكن المحكمة من ممارسة رقابتها على سلامة الإجراءات واتخاذ القرارات المناسبة وفقًا للقانون.

ثانيا – حقوق المشبوه فيه تحت الحراسة النظرية :

إضافة إلى الشروط السالفة عزز المشرع تدابير الوضع تحت الحراسة النظرية باحترام مجموعة من الأحكام والشكليات والمقتضيات التي تعتبر بمثابة ضمانات كرسها القانون لفائدة الشخص أو الأشخاص الموضوعين رهن الحراسة النظرية، ومن الضمانات الشكلية الممنوحة للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية ما يلي:

– إخبار عائلة الموضوع تحت الحراسة النظرية فورا باتخاذ قرار وضعه تحت الحراسة النظرية وإخباره بدواعي القبض عليه بكيفية يفهمها وإخباره بحقوقه، ومنها حقه في التزام الصمت، والهدف من هذا المقتضى هو تهيئ الشخص الموقوف نفسيا وإحاطته بالأفعال الجرمية المنسوبة إليه والأسباب الداعية إلى اعتقاله فضلا عن تعريفه بحقوقه التي يكفلها له القانون ما لم يتنازل عنها.

ونظرا لأهمية ذلك، فقد جعل منه المشرع المغربي قاعدة دستورية واجبة التطبيز عندما نص في الفصل 23 من الدستور “لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون.

الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقصى العقوبات. يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت، ويحق له الاستفادة في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه طبقا للقانون”.

– من الضمانات كذلك، حق الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية الاستفادة من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأحد أقربائه، كما يتمتع بالحق في تعيين محام أو طلب تعيينه في إطار المساعدة القضائية. فإذا التمس الشخص الموقوف تعيين محامي لمؤازرته وقام بتعيينه، يقوم ضابط الشرطة القضائية بإشعار المحامي المعين مع إخبار نقيب هيئة المحامين التابع لها المحامي بذلك.

أما إذا التمس الشخص الموضوع تحت تدابير الحراسة النظرية تعيين محام له في إطار المساعدة القضائية، فيقوم ضابط الشرطة القضائية بإشعار نقيب هيئة المحامين الذي تتولى تعيين أحد المحامين لهذه الغاية وتتم عملية الاتصال بين المحامي والشخص الموقوف قبل انتهاء نصف المدة الأصلية للحراسة النظرية. وإذا كان هذا هو الأصل، فإنه قد يتم تأجيل أو تأخير اتصال المحامي بموكله بصفة استثنائية وفق الشروط التالية:

أن يتعلق الأمر بوقائع تكون جناية مما يجعل الجنح غير خاضعة لهذا الاستثناء، وأن يكون التأخير قد اقتضته ضرورة البحث، وأن يكون التأجيل بناء على طلب ضابط الشرطة القضائية وتحت إشراف النيابة العامة التي يمكنها أن تأذن بذلك أو ترفضه، وألا تتجاوز مدة التأخير 12 ساعة ابتداء من انتهاء نصف المدة الأصلية للحراسة النظرية، وإذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية أو بالجرائم المشار إليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، فإن الاتصال بالمحامي يتم قبل انصرام المدة الأصلية للحراسة النظرية على ألا يتجاوز ذلك التأخير مدة 48 ساعة ابتداء من انصرام المدة الأصلية للحراسة.

وعليه، لا يمكن إجراء هذه المقابلة أو الاتصال إلا بترخيص من النيابة العامة ولمدة لا تتجاوز ثلاثين (30) دقيقة، تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية وفي ظروف من شأنها أن تكفل سرية المقابلة.

وتفعيلا لهذه الضمانة القانونية التي منحها المشرع للشخص الموضوع تحت تدابير الحراسة النظرية، فإنه منح لضابط الشرطة القضائية وبصفة استثنائية الإذن للمحامي بالاتصال بالشخص الذي طلبه، وقيده بشرطين: تعذر الحصول على ترخيص من النيابة العامة لبعد المسافة أو أي سبب آخر خارج عن إرادة ضابط الشرطة القضائية؛ و تحرير تقرير بذلك ورفعه فورا إلى النيابة العامة.

ويمنع على المحامي إخبار أي كان بما راج خلال الاتصال بموكله قبل انقضاء مدة الحراسة النظرية حفاظا على سرية البحث التمهيدي، إلا أن المشرع لم يبين المدة المقصودة، هل المدة الأصلية أم أن المدة تنصرف كذلك إلى المدة المضافة في حالة تمديد مدة الحراسة النظرية؟

ويجوز للمحامي المرخص له بالاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أن يقدم أثناء مدة تمديد هذه الحراسة وثائق أو ملاحظات كتابية للشرطة القضائية أو للنيابة العامة قصد إضافتها للمحضر مقابل إشهاد. كما أن المشرع وسع من دور المحامي أثناء الاستنطاق أمام النيابة العامة، ومكنه من استعمال ثلاث إمكانيات :

وهي ” التماس إجراء فحص طبي على موكله الذي كان تحت الحراسة النظرية، و الإدلاء بوثائق أو إثباتات كتابية؛ و التماس إطلاق سراح موكله مقابل كفالة”.

– ويحق للمشبوه فيه الحضور أمام النيابة العامة عند المطالبة بتمديد مدة الحراسة النظرية، فإذا كان يحق لضابط الشرطة القضائية الاحتفاظ بالمشبوه فيه في مركز عمله لضرورة البحث، سواء في إطار البحث التمهيدي، أو في حالة الإنابة القضائية، فإن هذا الأخير يتعين عليه أن يحترم مدة الحراسة النظرية المنصوص عليها في المادة 66 من ق. م. ج. حفاظا على حقوق المشبوه فيه.

ففي حالة التلبس يصدر وكيل الملك، أو الوكيل العام للملك، أونائبهما حسب اختصاص كل واحد منهما الإذن الكتابي دون حاجة إلى إحضار المشبوه فيه أمامه، بشرط أن توجد أدلة خطيرة ضد المشبوه فيه، وإلى ذلك أشارت الفقرة الأولى والثانية من المادة 66 من ق.م.ج. أما في الحالة العادية فيجب على ضابط الشرطة أن يحضر المشبوه فيه إلى النيابة العامة، قبل انتهاء مدة الحراسة النظرية ليستمع إليه ممثل النيابة العامة، ويقرر بعد ذلك منح الإذن الكتابي بتمديد مدة الحراسة النظرية من عدمه.

وبصفة استثنائية يمكن منح هذا الإذن بقرار معلل دون أن يساق المشبوه فيه أمام النيابة العامة. وإلى ذلك أشارت المادة 80 من ق.م.ج على مايلي ” … ويمكن بصفة استثنائية منح الإذن المذكور بموجب مقرر معلل بأسباب دون أن يقدم الشخص إلى النيابة العامة …”.

ولتدبير واجراءات عملية الوضع تحت الحراسة النظرية، هناك مجموعة من الشكليات يعتمدها ضابط الشرطة القضائية في تصريف أشغاله ويمارسها بشكل دقيق وسليم، تتمثل فيما يلي:

– مسك سجل خاص بالوضع تحت الحراسة النظرية، ترقم صفحاته ويتم توقيعه من طرف وكيل الملك المختص.

– وضع السجل رهن إشارة الشرطة القضائية، تقيد فيه المعلومات المتعلق بالأشخاص الخاضعين لتدابير الحراسة النظرية والمتمثلة في الهوية الكاملة و سبب وساعة الوضع تحت الحراسة النظرية، وساعة انتهائها، ومدة الاستماع، والحالة البدنية والصحية للمعتقل وكذا التغذية المقدمة له. وذلك لأنه من حق المشبوه فيه الموضوع تحت الحراسة النظرية، أن تضمن كل المعلومات المتعلقة بهويته.

– توقيع الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية وكذا ضابط الشرطة القضائية عند انتهائها، فإذا تعذر توقيع المعتقل لسبب من الأسباب أو إبصامه، يشار إلى ذلك. و عرض السجل على وكيل الملك لمراقبته والتأشير عليه مرة في كل شهر على الأقل.

– يتعين إشعار عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية بمجرد اتخاذ ضابط الشرطة القضائية لهذا الإجراء بأي وسيلة من الوسائل ويشار إلى ذلك في ديباجة المحضر؛ وإلى ذلك أشارت الفقرة الثالثة من المادة 67 من ق. م. ج. على ما يلي ” … يقوم ضابط الشرطة القضائية بإشعار عائلة المحتجز، فور اتخاذ قرار وضعه تحت الحراسة النظرية بأي وسيلة من الوسائل، ويشير إلى ذلك بالمحضر … “.

– كما يقوم ضابط الشرطة القضائية بتوجيه لائحة الأشخاص الموضوعة تحت الحراسة النظرية إلى النيابة العامة خلال الأربع وعشرين ساعة السابقة يوميا، عملا بمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 67 من ق. م. ج “… ويتعين عليه أن يوجه يوميا إلى النيابة العامة لائحة بالأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة النظرية خلال الأربع وعشرين ساعة السابقة”.

– وهذه الإجراءات والشكليات تهم الوضع تحت الحراسة النظرية، سواء في حالة البحث التمهيدي العادي أو في حالات التلبس.

– تقوم النيابة العامة بمراقبة الوضع تحت الحراسة النظرية، ويمكن لها أن تأمر في أي وقت بوضع حد لها أو بمثول الشخص المحتجز أمامها.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *