التزامات الأجير
إن مجموعة الالتزامات التي تقع على الأجير يمكن تحديدها في أداء العمل ، ثم التزام بالمحافظة على الأشياء التي تسلم للأجير ، والالتزام بالسر المهني ، وعدم منافسة رب العمل.
الفقرة الأولى // التعهد بأداء العمل:
بالرجوع إلى الفصل 723 من ق ل ع والمادة 6 من مدونة الشغل، يتحدد الالتزام الأساسي الذي على عاتق الأجير هو القيام بالعمل لفائدة المشغل، وهذا الالتزام هو جوهر العلاقة التعاقدية بين الطرفين، ويتطلب مجموعة من الشروط هي كالتالي :
أولا : الالتزام الشخصي بأداء العمل
يكتسي عقد الشغل طابعا شخصيا بالنسبة للأجير، وذلك أن شخصيته ومهارته وقدرته على أداء العمل وأمانته، كلها معطيات تكون محل اعتبار عند إبرام العقد، ولذلك لا يجوز للأجير أن يحل غيره محله في أداء العمل، في حين أن المشغل يمكن أن يتحمل من يخلفه الالتزامات التي كانت مترتبة عن سلفه وذلك وفق المادة 19 من مدونة الشغل.
ويتولد عن الطابع الشخصي لأداء العمل المنوط بالأجير، أنه يكون مسؤولا مسؤولية شخصية عن فعله وإهماله أو تقصيره أو عدم احتياطه، وذلك في إطار ما هو ملزم به من شغل، بل أن المشرع المغربي اعتبر بمثابة خطأ يمكن أن يؤدي إلى الفصل، رفض الأجير إنجاز شغل من اختصاصه وذلك إذا كان هذا الرفض عمديا وبدون مبرر.
إلا أن الطابع الشخصي لالتزام العامل لا يتعلق بالنظام العام، إذ يمكن الخروج عن هذه القاعدة، كما هو الشأن بالنسبة لإحلال الأجير الذي يعمل بوابا لعمارة غيره محله أثناء مدة العطلة المؤدى عنها، حيث يعين هذا الأخير باختيار البواب الأصلي وبموافقة المشغل ومسؤوليته على ذلك.
ثانيا : تقديم العامل للشغل بشكل اختيار
إن الإكراه يعتبر عيبا يسبب إبطال العقد، ولذا كان على الأجير أن يؤدي عمله بكل حرية واختيار، بحيث ينفذ الشغل الذي اختاره هو بالنظر لتخصصه المهني ومناسب لكفاءته المهنية، وبالتالي فمن حقه رفض أداء أي شغل تحت الضغط والإكراه.
وقد أيدت مدونة الشغل الجديدة هذا التوجه، حينما منعت الشغل الجبري أو نظام السخرة بصريح اللفظ في المادة العاشرة. وعليه فالشغل الإجباري لا يمكنه أن يدخل في عقد الشغل، فالسجين الذي يشتغل مكرها في السجن لا يبرم عقد الشغل ولكن ينفذ حكم قضائي، لذلك فإنه لا يستحق أجرا عن الأعمال التي ينجزها، لكن استثناء يستفيد من حماية قانون الشغل في بعض مقتضياته، كاستحقاقه تعويضا في حالة إصابته بحادث شغل أو بأحد الأمراض المهنية.
ثالثا: أداء العمل خارج نطاق الوظيفة العمومية
مبدئيا يمكن أن يبرم عقد الشغل في جميع المهن، ولأي نوع كان من أنواع الشغل المادي أو الفكري ولا يستثنى من ذلك إلا العمل في الوظيفة العمومية، فالرابطة التي تربط الموظف بالدولة أو الهيئات العمومية ليست رابطة تعاقدية بل توصف بأنها رابطة نظامية، وعليه فعقد الشغل لا ينشئ ولا ينظم العمل في إطار الوظيفة العمومية،
ولا يرجع هذا إلى اختلاف طبيعة ونوعية الأعمال في القطاعات الاقتصادية الخاضعة لقانون الشغل عن تلك الخاضعة للوظيفة العمومية، حيث إن كثيرا من الأنشطة التي يقوم بها الموظفون شبيهة ومطابقة في بعض الأحيان لتلك التي يقوم بها الأجراء في القطاعات الخاضعة لقانون الشغل مثل الطب والهندسة أو المحاسبة، وإنما يعود إلى طبيعة القانون الإداري التي تجعل العقود المبرمة مع الإدارة بوجه عام خاضعة لحكمه وتنظيمه.
رابعا: تقديم العمل وتنفيذه وفق تعليمات المشغل
تنص المادة 21 من المدونة على ما يلي: “يمتثل الأجير لأوامر المشغل في نطاق المقتضيات القانونية أو التنظيمية أو عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي. يمتثل الأجير أيضا للنصوص المنظمة الأخلاقيات المهنة”.
فبمقتضى هذه المادة يجب على الأجير أن يحترم أوامر مشغله وأن لا يخالفها وإلا عد مرتكبا لخطأ جسيم يعرضه للفصل، فالأجير يوجد في إطار علاقة تبعية، فيسأل عن النتائج المترتبة عن عدم مراعاة التعليمات والأوامر التي يتلقاها في شغله، إذا كانت صريحة وغير مخالفة للنصوص القانونية أو التنظيمية، وكذلك إذا كانت غير مخالفة لبنود عقد العمل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي، وكذلك إذا لم يكن له مبرر وجيه يدعوه لمخالفتها، أي ألا يكون في إطاعتها ما يعرضه أو غيره للخطر.
لكن المقتضيات السابقة ليست مطلقة، بل ترد عليها استثناءات، إذ قد تصدر عن المشغل تعليمات تتعارض وطريقة أداء العمل، أو تنعكس سلبا على الإنتاج وعلى المقاولة، وفي هذه الحالة لابد من إحاطة المشغل بضرورة مخالفة هذه التعليمات، كما يمكن القيام بهذه المخالفة دون إخبار المشغل عند الضرورة، وفي غيابه لتفادي ضررا أو كارثة محتملة الوقوع بالمقاولة، كذلك يحق للأجير رفض أوامر المشغل، إذا كانت لا علاقة لها بالشغل أو مخالفة للقانون، كأن يطلب المشغل من الأجير الذي يشتغل عنده كمحاسب تنظيف أماكن العمل ورفض هذا الأخير التنفيذ، فإنه لا يعد مرتكبا لخطأ جسيم يبرر الفصل، لأن تلك الأعمال خارجة عن اختصاصه.
خامسا: أداء العمل بحسن نية
هذا يعني الابتعاد عن الوسائل الاحتيالية التي من شأنها عرقلة السير الحسن للمؤسسة كالتخفيض من الإنتاج بصفة عمدية وكثرة التغيبات بدون مبرر، والتفريط في استعمال المواد الأولية عن قصد، كلها أمثلة عن سوء التصرف في أداء العمل، في حين أن هذا الأخير يجب أن ينفذ بحسن نية ووفق أخلاقيات المهنة مع اعتماد جانب من التبصر والاحتياط، فجودة المنتوج هي التي تساعد المقاولة على مواجهة المنافسة وهي التي تساعد على ضمان مناصب الشغل للعمال،
وفي هذا الصدد تنص المادة 20 من م ش على أن الأجير يكون مسؤولا في إطار شغله عن فعله وإهماله أو تقصيره أو عدم احتياطه، ففي حالة عدم تقيد الأجير بهذه المعايير، يترتب على ذلك حدوث بعض الأضرار، فإن الجزاء الذي يتعرض له الأجير لا يكون هو فقط الفصل من العمل، وإنما يمكن أن يصل هذا الجزاء إلى المسؤولية التقصيرية للأجير ومطالبته بالتعويض عن كل الأضرار التي نتجت عن تقصيره أو إهماله، وذلك كأن ينسى الأجير المكلف بمراقبة سير العمل، توقيف بعض الآلات الكهربائية أو بعض المحركات بعد الانتهاء من العمل الشيء الذي أدى إلى حدوث حريق في بعض جوانب المعمل وإتلاف بعض المنتوجات والسلع.
وفي نفس الإطار ورغم خضوع الأجير عند التحاقه بالعمل في المقاولة إلى فترة الاختيار أو التجربة للتأكد من مستواه الفني وكفاءته في الميدان قبل إسناد العمل إليه بصفة رسمية، فإنه يسأل عن عدم مهارته بمقتضى المادة 737 من ق ل ع، ومعيار المهارة يقدر بالنظر إلى مهارة أجير متوسط من نفس المهنة، خاصة إذا علمنا أنه بمقتضى المادة 23 من م ش له الحق في الاستفادة من برنامج محو الأمية ومن تكوين مستمر، وسيحدد نص تنظيمي شروط وكيفيات الاستفادة من هذا التكوين.
الفقرة الثانية // اتزام الأجير بالمحافظة على الأشياء التي تسلم إليه:
القاعدة أن المؤاجر هو الذي يقدم وسائل العمل والإنتاج التي تكون ملكا له، وللمحافظة على هاته الوسائل، فإنه ينبغي استعمالها بشكل يضمن سلامتها وبدون تعسف ومسؤولية الأجير في هذا الإطار تجد أساسها في المادة 22 من م ش والتي تلزم الأجير بالمحافظة على الأشياء والوسائل المسلمة إليه للقيام بالشغل مع ردها بعد انتهاء العمل الذي كلف به، لذلك فإنه يسأل عن ضياع الأشياء والوسائل السالفة الذكر، إذا ارتأى القضاء في إطار سلطته التقديرية أن هذا الضياع أو التلف ناتجان عن خطئه، كما لو نجما عن استعمال الأشياء أو الوسائل في غير الشغل المعدة له، أو خارج أوقات العمل.
وفي المقابل فإنه يعفى من المسؤولية عن الضياع أو التلف، إذا كان ذلك يسبب حادث فجاني أو قوة قاهرة، بل الأكثر من ذلك فإن الأجير قد يتعرض للفصل من العمل طبقا لنص المادة 39 من المدونة عند إلحاقه ضررا جسيما بالتجهيزات أو الآلات أو المواد الأولية عمدا أو نتيجة إهمال فادح، فهذه الأعمال اعتبرها المشرع بمثابة خطأ جسيم تبرر الطرد.
الفقرة الثالثة // التزام الأجير بالسر المهني:
يقصد بالسر المهني المعلومات التي قد يتوصل الأجير إلى معرفتها بسبب عمله والمتعلقة بالوسائل التقنية للإنتاج، وأهمية المحافظة على هذه المعلومات تتجلى في حماية المؤسسة من خطر المنافسة فيما لو علمت مؤسسة مماثلة بكيفية وشروط إنتاجها، وقد أورد هذا الالتزام المادة 39 من م ش التي تطرقت إلى الموضوع باعتباره أحد الأخطاء الجسيمة التي يمكن أن تؤدي إلى فصل الأجير عن عمله بدون أي تعويض، فنصت صراحة على أن إفشاء سر مهني نتج عنه ضرر للمقاولة، يعتبر بمثابة خطأ جسيم يمكن أن يؤدي إلى الفصل إضافة إلى تعويض الضرر الناتج عنه،
والجديد في هذه المادة هو ربط إفشاء السر المهني بحصول ضرر للمقاولة، إذ في هذه الحالة فقط يكيف هذا التصرف على أنه خطأ جسيم مبرر للفصل، خلاف ما كان عليه الأمر سابقا، فالفصل 6 من النظام النموذجي المؤرخ في 23 أكتوبر 1948 الملغى، كان يعتبر بمثابة خطأ جسيم إفشاء الأجير الأسرار المؤسسة بصرف النظر عن اقترانه بحصول ضرر للمؤسسة المشغلة أم لا.
هذا وإلى جانب المؤيدات المدنية السابقة لإفشاء الأجير الأسرار المؤسسة، فإن هناك مؤيدات جنائية منصوص عليها في المادة 447 من القانون الجنائي، التي قررت أن كل مدير أو مساعد أو عامل في مصنع أفشى أو حاول إفشاء أسرار المصنع الذي يعمل به، سواء تم ذلك إلى أجنبي أو إلى مغربي مقيم في بلد أجنبي يعاقب بالحبس من سنتين إلى 5 سنوات وغرامة من 250 إلى 10.000 درهم، أما إذا أفشي هذه الأسرار إلى مغربي مقيم بالمغرب فعقوبته هي الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وغرامة من 200 إلى 250 درهم، وتشدد العقوبة إذا تعلق الأمر بإفشاء سر مصنع للسلاح أو الذخيرة.
الفقرة الرابعة // التزام الأجير بعدم منافسة المشغل:
لم تتطرق المدونة إلى شرط عدم المنافسة حينما قامت بتعداد الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها الأجير، إنما ذكرت أفعال مماثلة مثل خيانة الأمانة وارتكاب أخطاء تترتب عنها أضرار جسيمة للمشغل كعمل الأجير لدى شركة منافسة، إفشاء السر المهني، الاتصال بالزبائن قصد جلبهم وجعلهم زبناء للمشغل الجديد، مما قد يكون له تأثير سلبي على مردودية وتطور المقاول، لذلك يعمد المشغل إلى طريقة أكثر فعالية تضمن له حماية أكثر تتمثل في تضمين العقد شرط عدم المنافسة، ذلك حتى يطمئن في حالة فسخ العقد إلى عدم اشتغال الأجير مع رب عمل منافس،
ويطبق هذا الشرط سواء عند سريان العقد أو عند إنهائه أو فسخه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن فسخ عقد الشغل من قبل المشغل يضع حدا لهذا الشرط، خاصة إذا كان الفسخ تعسفيا، لأنه لا يعقل حرمان الأجير من العمل بطرده منه بصفة تعسفية، بالإضافة إلى حرمانه من ممارسة نفس العمل، خصوصا إذا كانت مؤهلاته المهنية لا تسمح إلا بالقيام بنفس العمل أو عمل مشابه لدى مؤسسة منافسة.
لكن تطبيق شرط عدم المنافسة على مداه من شأنه المساس بمبدأ حرية الشغل المنصوص عليه في المادة 9 من م ش، لذلك عمد المشرع في ق ل ع إلى وضع معايير لإضفاء نوع من المرونة على هذا الشرط، فنص في المادة 109 “كل شرط من شأنه أن يمنع أو يحد من مباشرة الحقوق والرخص الثابتة لكل إنسان، كحق الإنسان في أن يتزوج، وحقه في أن يباشر حقوقه المدنية، يكون باطلا، ويؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليه. ولا يطبق هذا الحكم على الحالة التي يمنع فيها أحد الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خلال وقت وفي منطقة محددين”.
لذلك فإن المشرع بعد أن منع بموجب الفقرة الأولى كل شرط من شأنه أن يحد من مباشرة الحقوق والرخص الثابتة لكل إنسان، نص بمقتضى الفقرة الثانية على استثناء يسمح من خلاله لأحد طرفيه أن يمنع نفسه من مباشرة حرفة معينة، مع تقييد هذا المنع من حيث الزمان والمكان، وذلك حتى لا يكون التحديد الشمولي عاملا على تحريم العمل بالمرة وهو مايتنافى، وكما سبق الذكر ومبدأ حرية العمل المكرسة بمقتضى المادة 9 من مدونة الشغل
Share this content: