|

الاعتقال الاحتياطي: كل ما تحتاج معرفته عن شروط، وانتهائه.

يعتبر الاعتقال الاحتياطي من بين المواضيع التي عرفت نقاشا قانونياً وحقوقياً واسعاً منذ عقود خلت، وذلك على الرغم من الأحكام والشروط التي تؤطره والأهداف المتوخاة من إقراره، لأنه يتعارض مع المبدأ الجنائي الذي يقضي بأن براءة المتهم هي الأصل وصون الحرية الشخصية، وأن منطق العدالة يستلزم ألا يوضع في السجن إلا المحكوم عليه الذي تمت إدانته من طرف القضاء بحكم قضائي نهائي، غير أن ضرورات مكافحة الجريمة تقتضي اعتقال بعض الأشخاص قبل إدانتهم.

وعليه، حرص المشرع على تقييد إعمال الاعتقال الاحتياطي والتنصيص على كونه تدبيراً استثنائياً، يتعين استعماله في أضيق الحدود، وذلك من خلال ما نصت عليه المواد من 175 إلى 188 من قانون المسطرة الجنائية، حيث يعمل الاعتقال الاحتياطي في الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية، ويهدف إلى الزج بالمتهم في السجن لمدة قد تطول أو تقصر دون أن تتعدى المدد التي قررها المشرع.

وإذا كانت الضرورة تقتضي اللجوء إلى هذا الإجراء الناجع والخطير في نفس الوقت، والذي لابد من احترام طبيعته الاستثنائية نصا وتوظيفا، فإن استعمال الاعتقال الاحتياطي يتنافى مع طبيعته الاستثنائية، ويزيد الأمر خطورة عندما نعلم عدد الجهات المتدخلة والتي لها حق اتخاذ هذا الأمر، ذلك أنه يتم الوضع رهن الاعتقال من طرف وكيل الملك أو الوكيل العام للملك في حالة متابعة المتهم بجنحة أو جناية، وإحالته مباشرة على المحكمة لمحاكمته،

ويظل المتهم رهن الاعتقال الاحتياطي طيلة مراحل المحاكمة مالم يصدر في حقه أمر بالسراح المؤقت، لأن المشرع منح لوكيل الملك من خلال المادتين 47 و 74 من قانون المسطرة الجنائية، الحق في إصدار أمر بالإيداع في السجن، ولم يحدد أجلا للاعتقال الاحتياطي، وإن كان ملزماً بإحالة كل شخص تم اعتقاله احتياطياً من أجل جنحة على جلسة الحكم فوراً داخل أجل ثلاثة أيام طبقا لمقتضيات المادة 385 من قانون المسطرة الجنائية.

كذلك يمكن حسب منطوق المادة 73 من نفس القانون، للوكيل العام للملك إذا ظهر له أن القضية جاهزة للحكم، أن يأمر بوضع الأشخاص المتابعين من أجل جنايات رهن الاعتقال، وإحالتهم على غرفة الجنايات داخل أجل خمسة عشر يوماً كحد أقصى ودون تحديد أجل هذا الاعتقال.

وما يثير التساؤل هنا أن مسألة جاهزية القضية للحكم من عدمها هي من صلاحيات قضاء الحكم، وليس النيابة العامة لأن القضايا لا تصبح جاهزة إلا بعد استيفاء جميع إجراءات تحقيق الدعوى، وأن دور النيابة العامة يقتصر في تقييم وكفاية الأدلة الحاسمة التي تثبت اقتراف الأفعال الجرمية، أما بالنسبة لأمر الاعتقال الاحتياطي الصادر عن قاضي التحقيق، وإن كان ظاهريا محددًا، فإنه يصبح مستمراً إذا ما قرر إحالة المتهم على المحكمة لمحاكمته.

وعليه، يصبح أمر الاعتقال الاحتياطي بمثابة صك إدانة عن مجرد اتهام قد ينتهي بالبراءة أمام النيابة العامة، أو قاضي التحقيق في استعمال سلطته التقديرية لتقرير الاعتقال الاحتياطي من عدمه، رغم أن المشرع حاول حصر نطاق تطبيقه في الحالات المنصوص عليها بالمادة 160 من ق.م.ج، وهي مالم تستدعه “ضرورات التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص أو على النظام العام”، وأمام عمومية هذه الحالات، لا يمكن اعتبار هذا التعداد حصريا، وبالتالي فإنه يجُب جميع الحالات التي تعرض على قضاة التحقيق.

أولا // شروط الاعتقال الاحتياطي :

يصدر الاعتقال الاحتياطي في شكل أمر يصدره قاضي التحقيق في أي مرحلة من مراحل التحقيق، ويتخذ شكل الأمر بالإيداع في السجن إذا كان المتهم حاضراً، أو أمراً بإلقاء القبض إذا كان المتهم في حالة فرار.

ويتم تبليغ هذا الأمر في الحال شفهيا للمتهم، ويسجل هذا التبليغ في المحضر، ويتم تبليغه أيضا لممثل النيابة العامة داخل أجل أربع وعشرين ساعة من اتخاذه، ويحق لهذا الأخير استئنافه خلال اليوم الموالي لصدوره، ويجب على الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف أن تبت في هذا الاستئناف داخل أجل خمسة أيام من تاريخ الإحالة، ويحق للمتهم أو دفاعه تسلم نسخة من الأمر بالاعتقال الاحتياطي بمجرد طلبه

ونظراً للآثار التي يرتبها الاعتقال الاحتياطي والتي تمس حرية المتهم، فقد أحاطه المشرع بمجموعة من الشروط والقواعد تتمثل في الإجراءات التالية:

– تبليغ الأمر بالاعتقال الاحتياطي فوراً وشفهياً للمتهم وللنيابة العامة.

– احترام مدة الاعتقال الاحتياطي، والتي تختلف حسب ما إذا كان الأمر يتعلق بالجنح أو الجنايات، وخص لكل حالة مدة أصلية وجعلها قابلة للتمديد مع مراعاة درجة خطورة الجريمة، واستنادًا للمادة 177 من قانون المسطرة الجنائية نجد أن المشرع قد جعل مدة الاعتقال الاحتياطي على صنفين:

الصنف الأول: حصر المشرع هذه المدة في شهر واحد بالنسبة للجنح المعاقب عليها بخمس سنوات حبسا، أو التي تقل عقوبتها عن خمس سنوات ولكن بنص خاص، وتكون مدة الاعتقال في هذه الحالة قابلة للتمديد لمرتين، ولنفس المدة بمقتضى أمر قضائي معلل تعليلا خاصا يصدره قاضي التحقيق بناء على طلبات النيابة العامة المدعمة أيضا بأسباب وبانتهاء هذه المدة يتعين عليه أن يفرج عن المتهم بقوة القانون ويستمر التحقيق.

الصنف الثاني: حدد المشرع مدة الاعتقال الاحتياطي في شهرين إذا كانت الأفعال توصف بالجناية طبقا لقواعد القانون الجنائي قابلة للتمديد خمس مرات ولنفس المدة، سيراً على الطريقة المعتمدة في الجنح.

وأخيرا، لابد من توفير معاملة خاصة للمعتقلين احتياطيا تناسب وضعهم حتى لا يتم الزج بهم في أوساط المدانين، أو المجرمين من النوع الخطير ولذلك، يتعين الا يعاملوا معاملة السجناء.

ثانيا // انتهاء الاعتقال الاحتياطي :

منطقيا وقانونيا، ينتهي تدبير الاعتقال الاحتياطي بانتهاء مدته، أو بمبادرة من قاضي التحقيق، أو بطلب من النيابة العامة أو من المتهم.

1 – الإفراج المؤقت بقوة القانون :

يتحقق الإفراج المؤقت بقوة القانون عند انتهاء مدة الاعتقال الاحتياطي، وانتهاء فترة التمديد دون اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق، كما يتحقق هذا الإفراج بإصدار أمر بعدم المتابعة وفقا للمادة 216 من قانون المسطرة الجنائية.

يوضع حداً للاعتقال الاحتياطي ويفرج على المتهم إذا لم يتم استنطاقه من طرف قاضي التحقيق، أو أحد قضاة الحكم بعد الأمر بإلقاء القبض عليه، أو الأمر بإحضاره وانصرام أجل أربع وعشرين ساعة وفقا للمادتين 147 و 156 من قانون المسطرة الجنائية.

ويقع الإفراج المؤقت بعد انصرام أجل خمسة عشر يوما، ولم تبت الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف في طلب الإفراج المقدم إليها.

ويتم الافراج بقوة القانون أثناء مرحلة المحاكمة طبقا للفقرة الثالثة من المادة 434 من قانون المسطرة الجنائية، إذا صدر في حق المتهم قرار البراءة أو الإعفاء أو سقوط الدعوى العمومية.

2 – الإفراج المؤقت بمبادرة من قاضي التحقيق :

طبقا للمادة 178 من قانون المسطرة الجنائية، يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر بالإفراج المؤقت تلقائيا مع التقيد بالشروط التالية: استشارة النيابة العامة، وإذا كان الإفراج غير مقرر بموجب القانون، والتزام المتهم بالحضور لجميع إجراءات الدعوى كلما دعي لذلك وأن يخبر قاضي التحقيق بجميع تنقلاته أو بالإقامة في مكان معين. ويمكن تعليق الإفراج المؤقت المرفق بالوضع تحت المراقبة، ويجب أن يخضع المتهم للالتزامات التي يفرضها هذا الإجراء.

كذلك ربطت الفقرة الثانية من المادة 178 أعلاه، الإفراج المؤقت بتقديم كفالة مالية أو شخصية، وقد بين المشرع أحكام الإفراج المؤقت المتوقف على وجوب تقديم كفالة في المواد من 184 إلى 188 من قانون المسطرة الجنائية، إذ يتعين حضور المتهم في جميع إجراءات التحقيق وتنفيذ الحكم، وأداء المصاريف المسبقة التي أداها الطرف المدني، والمبالغ الواجب إرجاعها ومبالغ التعويض عن الضرر أو أداء نفقة إذا كان المتهم متابعا من أجل ذلك، والمصاريف التي أنفقها مقيم الدعوى العمومية، والغرامات.

ويحدد مقرر الإفراج المؤقت القدر المخصص لكل جزء من جزئي الكفالة ويمكن أن ينص على تخصيصها كلها لأداء حقوق الضحايا، فإذا حضر المتهم لجميع إجراءات المسطرة وقام بتنفيذ الحكم، يرد له الجزء الأول من مبلغ الكفالة المقدم كضمان لحضوره لتلك الإجراءات ولتنفيذ ذلك الحكم، وقد يصبح هذا الجزء ملكا للدولة إذا تخلف المعني بالأمر عن أي إجراء من إجراءات المسطرة أو عن تنفيذ الحكم دون أن يعتذر بسبب مشروع.

غير أنه يمكن لقاضي التحقيق في حالة إصدار أمر بعدم المتابعة، أن يأمر برد ذلك الجزء، كما يمكن لهيئة الحكم أن تأمر برده في حالة إعفاء المتهم أو الحكم ببراءته، ويتم استرداد الجزء الثاني من الكفالة المدفوع لضمان أداء الصوائر والغرامة والمبالغ الواجب ردها، ومبالغ التعويض عن الضرر إذا صدر مقرر بعدم المتابعة أو بالبراءة أو بالإعفاء.

أما إذا صدر مقرر بالإدانة، فيخصص ذلك الجزء لتسديد المصاريف، وتأدية الغرامة، ورد المبالغ الواجب ردها، وأداء النفقة المحكوم بها، وأداء تعويض عن الضرر.

3 – الإفراج المؤقت بطلب من النيابة العامة :

يخول المشرع للنيابة العامة حق تقديم ملتمس بالإفراج المؤقت على المتهم في أي وقت، ويتعين على قاضي التحقيق أن يبت فيه داخل أجل خمسة أيام من تاريخ تقديمه إليه.

فإذا لم يتم البت داخل الأجل المذكور، يحق للنيابة العامة تقديم طلبها مباشرة إلى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي تبت فيه داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ توصلها بالطلب

فإذا لم يتم الفصل في طلب الإفراج داخل الأجل المذكور، يتم الإفراج عن المتهم بقوة القانون، وإذا كان في الدعوى طرف مدني، لا يمكن لقاضي التحقيق إصدار أمره إلا بعد ثمان وأربعين ساعة من تاريخ إشعاره بتقديم طلب الإفراج المؤقت طبقا للمادة 179 من قانون المسطرة الجنائية.

4 – الإفراج المؤقت بطلب من المتهم أو نائبه :

بموجب المادة 180 من قانون المسطرة الجنائية، يمكن للمتهم أو محاميه أن يتقدم في كل وقت بطلب الإفراج المؤقت إلى قاضي التحقيق وفي كل مرحلة من مراحل الدعوى، وإلى غاية انتهاء القضية بصدور حكم نهائي، مع مراعاة أحكام المواد من 180 إلى 183 من قانون المسطرة الجنائية :

– يجب على قاضي التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وضع طلب الإفراج المؤقت أن يوجه الملف إلى النيابة العامة لتقديم ملتمساتها، وأن يشعر الطرف المدني خلال نفس الأجل برسالة مضمونة ليمكنه من الإدلاء بملاحظاته.

– يجب على قاضي التحقيق أن يبت في طلب الإفراج المؤقت بأمر قضائي معلل يصدره خلال خمسة أيام من وضع الطلب.

– فإذا لم يبت في الطلب داخل الأجل المذكور، جاز للمتهم أن يرفع الطلب مباشرة إلى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي تبت فيه داخل أجل أقصاء خمسة عشر يوما تحت طائلة الإفراج عن المتهم بقوة القانون.

– إذا كان في القضية مطالب بالحق المدني، لا يبت قاضي التحقيق في طلب الإفراج المقدم إليه من المتهم، إلا بعد ثمان وأربعين ساعة من تاريخ إشعار المطالب بالحق المدني بتقديم طلب الإفراج.

– تختص هيئة الحكم بالبت في طلب الإفراج المؤقت عند إحالة القضية عليها، سواء كانت غرفة الجنايات أو غرفة الجنح الاستئنافية، ولا يقبل الأمر الصادر عن هاتين الغرفتين أي طعن.

وإذا تم الطعن بالنقض ولم يقع البت فيه بعد، تبت في ملتمس الإفراج المؤقت آخر محكمة نظرت في موضوع القضية، ويكون قرارها غير قابل لأي طعن. وإذا صدر أمر بعدم الاختصاص وكان ملف القضية لم يحل بعد على المحكمة المختصة، فإنه يؤول لآخر محكمة نظرت في القضية، والتي عليها أن تنظر في الإفراج المؤقت وأن قرارها لا يقبل أي طعن.

– تبت الهيئات السالفة الذكر في طلبات الإفراج المؤقت داخل أجل ثمانية أيام من تقديم الطلب بعد استدعاء الأطراف ومحاميهم بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالاستلام، ويصدر القرار بعد الاستماع إلى النيابة العامة والأطراف أو محاميهم إذا حضروا، ويمكن للمحكمة أن تمنح السراح المؤقت مقابل واحد أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية.

– تقبل مقررات الإفراج المؤقت الصادرة عن المحكمة الابتدائية الطعن بالاستئناف في اليوم الموالي لصدورها الذي يرفع إلى غرفة الجنح الاستئنافية وفي هذه الحالة يستمر اعتقال المتهم احتياطيا خلال أجل الاستئناف المخول للنيابة العامة، سواء استعملت هذا الحق أو لم تستعمله في قضايا الجنح التي لها مساس بمقدسات البلاد أو بالاتجار غير المشروع في المخدرات، غير أنه يمكن أن يفرج عن المتهم حالا إذا وافق وكيل الملك على ذلك.

– إذا استأنفت النيابة العامة القضايا المذكورة، يبقى المتهم في حالة الاعتقال الاحتياطي إلى أن يبت في هذا الاستئناف، ويتعين توجيه الملف إلى الوكيل العام للملك داخل أجل الأربع وعشرين ساعة الموالية لإيداع طلب الاستئناف، ولا يكون لهذا الاستئناف أو المسطرة الموالية له أثر موقف على سير الدعوى حيث تتابع المحكمة المختصة مناقشتها لجوهر القضية، ويتعين على الغرفة الجنحية الاستئنافية أن تبت خلال عشرة أيام من يوم طلب الاستئناف دونما حاجة لحضور المتهم.

– إذا تمتع المتهم بالإفراج المؤقت بكفالة أو بدونها، يجب عليه أن يتقدم بتصريح لكتابة ضبط المؤسسة السجنية يعين فيه محل المخابرة معه، إما في المكان الذي يجري فيه التحقيق، وإما في المكان الذي يوجد به مقر المحكمة التي أحيلت عليها القضية.

– ويخبر رئيس المؤسسة السجنية السلطة المختصة بتقديم هذا التصريح وبمضمونه.

– إذا استدعي المتهم للحضور بعد تمتيعه بالسراح المؤقت ولم يحضر أو طرأت ظروف جديدة وخطيرة تجعل اعتقاله ضروريا، يمكن لقاضي التحقيق أو هيئة الحكم حسب الحالات إصدار أمر قضائي في شأنه قبل الحكم في الجوهر.

– إذا منحت الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف الإفراج المؤقت بناء على استئناف أمر صادر عن قاضي التحقيق، لا يمكن لهذا الأخير إصدار أمر جديد بالاعتقال إلا إذا سحبت هذه الغرفة تمتيع المتهم بمقررها بناء على ملتمسات كتابية للنيابة العامة.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *