الاستماع إلى الشهود من طرف قاضي التحقيق: كيف تُدار جلسات الاستماع؟
شهادة الشهود
تنظم المواد من 117 إلى 133 من قانون المسطرة الجنائية إجراءات الاستماع إلى الشهود من طرف قاضي التحقيق، وبخصوص الاستماع إلى رئيس وأعضاء الحكومة والهيئات الدبلوماسية، أحالت المادة 133 على كل من المادتين 326 و 327 من قانون المسطرة الجنائية.
ويمكن لقاضي التحقيق استدعاء أي شخص يرى فائدة لسماع شهادته قصد الحضور أمامه، وتتم مسطرة الاستدعاء والاستماع والمثول وفق الأحكام التالية:
– يتم الاستدعاء بواسطة أحد أعوان القوة العمومية، ويمكن استدعاء الشهود أيضا بواسطة المفوضين القضائيين أو برسالة مضمونة أو بالطريقة الإدارية، كما يمكنهم الحضور بمحض إرادتهم.
– إذا لم يمتثل الشاهد للحضور، يوجه إليه استدعاء ثان برسالة مضمونة مع إشعار بالاستلام، أو باستدعاء يبلغ بصفة قانونية بواسطة عون التبليغ أو مفوض قضائي أو بالطريقة الإدارية.
– إذا امتنع الشاهد عن الحضور بعد الاستدعاء الثاني وتوصله بصفة قانونية، يجوز لقاضي التحقيق بناء على ملتمسات النيابة العامة إجبار الشاهد على الحضور بواسطة القوة العمومية، وأن يصدر في حقه أمراً بأداء غرامة يتراوح مقدارها ما بين 1.200 و 12.000 درهم.
– يمكن أيضا الحكم بنفس العقوبة على الشاهد الذي يمتنع رغم حضوره عن أداء اليمين، أو الإدلاء بالشهادة بناء على ملتمس النيابة العامة.
وتصدر هذه العقوبات بموجب أمر قضائي غير قابل لأي طعن، إلا أنه إذا حضر الشاهد فيها بعد وقدم اعتذاراً أو مبرراً، يمكن لقاضي التحقيق بناء على ذلك إعفاؤه من الغرامة كليا أو جزئيا إذا عدل عن امتناعه قبل انتهاء التحقيق.
و لا تحول العقوبة المتخذة في حق الشاهد الحاضر والممتنع عن الشهادة أو عن أداء اليمين طبقا للمادة 128 من قانون المسطرة الجنائية، دون تطبيق العقوبات المنصوص عليها في الفصل 378 من القانون الجنائي في حقه إذا كان يعلم دليلا على براءة معتقل احتياطي أو متابع بجناية أو بجنحة وامتنع عن الإدلاء بشهادته،
وفي المقابل لا يعاقب الأشخاص الذين يسمح لهم القانون بعدم الإدلاء بشهادتهم ولو طلب منهم ذلك والذين يمنحهم القانون الحرية في الإدلاء بشهادتهم أو عدم الإدلاء بها كالأطباء والجراحين وملاحظي الصحة والصيادلة والمولدات وكل شخص مؤتمن على السر المهني.
يعهد إلى الشرطة أو الدرك الملكي تنفيذ أمر قاضي التحقيق بإحضار الشاهد الممتنع عن الحضور، ويقدم فورا ومباشرة إلى القاضي الذي اتخذ هذا التدبير (المادة 129 من قانون المسطرة الجنائية).
عند حضور الشاهد، يتعين عليه أداء اليمين القانونية حسب الصيغة التالية: “أقسم بالله العظيم أن أشهد بدون حقد، ولا خوف، وأن أقول الحق وأن لا أشهد إلا بالحق”، و يؤدي القاصرون والمحكوم عليهم بعقوبة جنائية الشهادة دون يمين، كذلك يعفى من أداء اليمين القانونية أصول المتهم، وفروعه وزوجه، ويدلي الشهود بشهادتهم فرادى أمام قاضي التحقيق من غير حضور المتهم وبحضور كاتب الضبط (المادة 119 من ق.م.ج).
وإذا استمع قاضي التحقيق إلى الشاهد بدون يمين فإن شهادته لا يمكن اعتبارها شهادة زور في أي حال من الأحوال ولا يترتب عن أخذ القضاء الزجري بها إبطال حكمه، و إذا تم سماع اليمين من فاقد الأهلية أو من شخص محروم من أداء الشهادة، أو من أحد الأشخاص الذين يعفيهم القانون منها – كالقاصر، والمحكوم عليه بعقوبة جنائية، وأصول المتهم وفروعه وزوجه – فإن ذلك لا يعد سببا لبطلان شهادتهم، ولا يمنع القضاء من الأخذ بمضمونها، بعكس الشهادة التي تؤدى بدون يمين في غير الحالات المذكورة.
ولم يحدد قانون المسطرة الجنائية التاريخ الذي يعتمد عليه لتحديد سن الشاهد من أجل مطالبته باليمين لبلوغه سن الرشد أو إعفائه منها باعتباره قاصرا، هل هو تاريخ وقوع الأفعال موضوع الشهادة، أم تاريخ الحضور أمام قاضي التحقيق. ويبدو من قراءة الفقرة الثالثة من المادة 123 من ق.م.ج أن نية المشرع توافق القاعدة الفقهية القائلة أن ” العبرة في تحديد عمر الشاهد بزمن أداء الشهادة وليس بزمن التحمل بها”.
ولا يعتبر الحكم على الشاهد بعقوبات زجرية موجبا دائما للإعفاء من أداء اليمين أو سببا للحرمان من أداء الشهادة. ذلك أن الأمر يتعلق بنوع العقوبة المحكوم بها عليه، فإذا كان الشخص المستدعى لأداء الشهادة سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية، فإنها تستتبع بالضرورة تطبيق عقوبات إضافية في حقه ولو لم ينص عليها الحكم، ومن بين هذه العقوبات الإضافية التجريد من الحقوق الوطنية، الذي يشمل عدم الأهلية لأداء الشهادة أمام القضاء .
ولذلك فإن المادة 123 من قانون المسطرة الجنائية نصت على سماع شهادة الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبة جنائية دون أداء اليمين، وهو نفس الاتجاه الذي نص عليه الفصل 26 من القانون الجنائي الذي يعتبر تصريحات هؤلاء الأشخاص على سبيل الإخبار فقط.
وأما إذا كان محكوما عليه بعقوبة جنحية، فإنها لا تحول دون أهليته لأداء الشهادة أمام القضاء إلا إذا حكمت المحكمة بعدم الأهلية لأدائها صراحة في الحكم ، لأن العقوبات الإضافية في الجنح لا تطبق إلا إذا حكم بها القضاء. أما أقارب المتهم المعفون من أداء اليمين، فهم زوجه وأصوله وفروعه دون غيرهم كإخوته وأصهاره.
إذا كان الشهود يتكلمون لغة أو لهجة يصعب فهمها على المتهم والأطراف الأخرى وقاضي التحقيق، يستعان في هذه الحالة بترجمان بالغ 18 سنة وألا يكون مدعوا للشهادة في القضية المعروضة.
وإذا كان الترجمان غير محلف، وجب أن يؤدي أمام قاضي التحقيق اليمين القانونية على أن يترجم بأمانة، وفي حالة نشوب نزاع حول صحة الترجمة، يقرر قاضي التحقيق ما إذا كان من الملائم استبدال الترجمان بآخر، ويؤدي الترجمان الجديد اليمن القانونية إذا لم يكن محلفا (المادة 120 من ق.م.ج).
و يلزم الترجمان بكتمان السر المهني خلال أداء مهمته. وإلا عرض نفسه للمساءلة الجنائية طبقا الفصل 446 من القانون الجنائي، بالإضافة لإمكانية مساءلته تأديبيا إذا كان ترجمانا محلفا..
إذا كان الشاهد أصماً أو أبكماً، توجه إليه الأسئلة والأجوبة كتابة، وإذا كان لا يعرف الكتابة يساعده شخص اعتاد التحدث معه، فإن لم يكن هذا الأخير حاضرا يمكن الاعتماد على أي شخص قادر على التفاهم معه، وتسري على هذا الأخير المقتضيات المتعلقة بالترجمان.
غير أنه قبل الإدلاء بالشهادة، يطلب قاضي التحقيق من الشهود ذكر اسمائهم العائلية والشخصية، وسنهم وحالتهم العائلية، ومهنتهم ومحل سكناهم، وعند الاقتضاء قبيلتهم والفخذة التي ينتمون إليها، وما يربطهم بالأطراف من قرابة أو مصاهرة ودرجتها وما إذا كانوا يعملون تحت إمرة أحد الأطراف، لأن من شأن كل هذه المعطيات أن تؤدي إلى التأثير في الشهادة، التي قد تصبح نتيجة لذلك شهادة مجاملة أو تعاطفا أو ردا للجميل أو خوفا من الطرد بالنسبة لتبعية الشغل.
كما يتعين عليه أن يتأكد من أهلية الشاهد لأداء الشهادة ومن صلاحيته لأدائها وخلوه من موانعها. وأن يتأكد من عدم وجود العداوة بين الشاهد وأحد الأطراف. وهذا إجراء وإن لم يتم النص عليه صراحة في قانون المسطرة الجنائية، فقد سار عليه القضاء، لما له من دور في تفادي الانتقام عن طريق توريط أحد الأطراف أو تمهيد السبيل لإفلات المتهم من العقاب انتقاما من الضحية.
و لترسيخ مصداقية وصدق هذه المعلومات، أجازت المادة 122 من قانون المسطرة الجنائية لقاضي التحقيق تحذير الشاهد من أي انزلاق في شهادته من خلال تلاوة المقتضيات الجنائية المتعلقة بالمعاقبة على شهادة الزور ( الفصول 368 وما يليها من القانون الجنائي وكذا المواد 122 و 331 و 325 من قانون المسطرة الجنائية بالنسبة لاستدعاء الشاهد أمام المحكمة).
إذا كان الشاهد يقيم بالدائرة القضائية لقاضي التحقيق وادعى تعذر حضوره أمامه، ينتقل قاضي التحقيق لسماع شهادته، أو يصدر لهذه الغاية إنابة قضائية، وإذا كان الشاهد يقيم خارج الدائرة القضائية لقاضي التحقيق، يطلب هذا الأخير من نظيره بالمحكمة التي يقيم الشاهد في دائرة نفوذها أن ينتقل إلى محل إقامة الشاهد لسماع شهادته.
وإذا كان الشاهد لا يقيم في المكان الموجود في مقر القاضي المنتدب، يمكن تكليف أحد ضباط الشرطة القضائية للقيام بسماع الشهادة وترسل التصريحات المتلقاة مباشرة داخل ظرف مختوم إلى قاضي التحقيق المكلف بالقضية، إلا أن المشرع لم يحدد أجلا لإرسال تلك التصريحات، وكان من الأحسن أن يقيدها بأجل معين تجنبا للتماطل ( المادة 131 من قانون المسطرة الجنائية).
إذا تبين لقاضي التحقيق زيف ما ادعاه الشاهد من تعذر الحضور، أمكن له أن يحكم عليه بغرامة يتراوح مقدارها ما بين 2.000 و 10.000 درهم.
ويتعين تضمين كل هذه الإجراءات بمحضر الاستماع بدءا من الهوية الكاملة للشهود، ونفيهم أسباب التجريح وما يربطهم بالأطراف من قرابة أو مصاهرة ودرجة هذه العلاقة إن وجدت، وما إذا كانوا يعملون تحت إمرة أحد الأطراف أو هم من فاقدي الأهلية.
وعند أداء الشهادة، يطلب من الشاهد قراءتها كما نقلت عنه، فإذا أكدها يقوم بتذييل كل صفحة من صفحات محضر الاستماع إليه بتوقيعه، فإذا رفض التوقيع أو الإبصام أو تعذر عليه ذلك، نص عليه بالمحضر، ويتعين كذلك أن يسجل بالمحضر اسم الترجمان العائلي والشخصي وسنه ومهنته، ومحل سكناه، واليمين التي أداها، ويوقع الترجمان المحضر أو يضع بصمته أو يشار إلى تعذر ذلك.
ويقوم كل من كاتب الضبط وقاضي التحقيق بتوقيع كل صفحة، وكذلك الترجمان أو أي شخص تم الاعتماد عليه، وعند مصادقة هؤلاء مجتمعين، فإن كل ما يحصل من إضافة أو تشطيب أو هوامش يجب أيضا المصادقة عليها.
و تعتبر المادة 126 من ق.م.ج. ملغاة، كل صفحة من المحاضر خالية من التوقيع أو من البصمة ومن الإشارة إلى المانع. كما تعتبر كأن لم تكن كل كتابة بين السطور، وكل شطب وكل إضافة بطرة المحضر لم تتم المصادقة عليها من طرف قاضي التحقيق وكاتب الضبط والشاهد والترجمان.
وبإمكان قاضي التحقيق، من أجل الوصول إلى الحقيقة، أن يعتمد على مواجهة المتهم مع الغير والتي لا يلجأ إليها إلا في حالة تشبت المتهم خلال مرحلة الاستنطاق بإنكاره للتهمة أو التهم الموجهة إليه، حيث يتم مواجهته بالمطالب بالحق المدني أو بالشهود قصد تقييم شهادة هؤلاء وتكوين قناعة القاضي ليقرر في الأدلة التي بين يديه والمتوفرة لديه.
ويتم تحرير محضر مواجهة بين هؤلاء الأطراف والذي يتم توقيعه من طرفهم وكذلك من طرف قاضي التحقيق وكاتب الضبط، وحتى تكون المواجهة مثمرة ومنتجة لآثارها، يجب أن تنصب على النقط والمسائل التى تضاربت الأقوال بشأنها حتى يتسنى لقاضي التحقيق الوقوف عندها وملامستها بغية استجلاء كل غموض قد يعتري القضية وصولا إلى الحقيقة المنشودة.
وبخصوص الاستماع لأعضاء الحكومة والهيئات الدبلوماسية، أحالت المادة 133 من قانون المسطرة الجنائية على كل من المادتين 326 و 327 من نفس القانون للاستماع لهذا الصنف من الشهود، وتتلخص إجراءات الاستماع فيما يلي:
– يتوقف استدعاء أعضاء الحكومة وكتاب الدولة ونوابهم بصفتهم شهودا على إذن من المجلس الوزاري بناء على تقرير يقدمه وزير العدل.
– إذا منح الإذن، يتم تلقي الشهادة وفقا للإجراءات العادية.
– إذا لم يأذن المجلس الوزاري بالحضور، فإن الشهادة يتلقاها كتابة بمنزل الشاهد، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، أو قاضي ينتدبه لهذه الغاية إذا كان الشاهد مقيما خارج دائرة نفوذ المحكمة، وتتم الاستعانة بكاتب الضبط بناء على ملخص الوقائع والطلبات والأسئلة المطلوب أداء الشهادة فيها.
– تسلم الشهادة فورا إلى كتابة ضبط المحكمة التي تم تلقي الشهادة بدائرة نفوذها، أو ترسل مغلقة ومختوما عليها إلى كتابة ضبط المحكمة التي طلبت أداء الشهادة، وتبلغ فورا إلى النيابة العامة وكذلك للأطراف الذين يهمهم الأمر، وتتلى الشهادة وتعرض على المناقشة، وإلا ترتب على ذلك البطلان.
وبخصوص ممثلو الدول الأجنبية، فإنهم يؤدون شهادتهم كتابة بناء على طلب توجهه إليهم وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج قبول الطلب، يتلقى الشهادة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، أو القاضي الذي لهذه الغاية.
Share this content: