الاختلاف بين الزوجين في الصداق ومتاع البيت
أولا / الاختلاف في قبض الصداق :
منازعات الزوجين حول الصداق لا تقتصر فقط حول مقداره بل قد تمتد إلى وقت أدائه إذا كان بعضه معجلا، والبعض الآخر مؤجلا، وقد يكون النزاع حول قبضه كلا أو بعضا … الخ
والواقع أن مثل هذه الاختلافات كانت متصورة قبل صدور مدونة الأحوال الشخصية، أما بعد صدور المدونة فإنها تستلزم كتابة عقد الزواج من طرف شاهدين عدلين مع تضمين رسم الزواج وجوبا مبلغ المهر، وما إذا كان معجلا أو مؤجلا، لذلك فلا مجال للخلاف حول هذه الأمور، وهذا ما يؤكده أحد الأحكام القضائية الذي جاء فيه “ما دام أن ما ضمن بعقد الزواج هو حجة قاطعة على قبض الزوجة لصداقها نظرا للقيمة الثبوتية التي منحها المشرع للعقود الرسمية ومنها عقد الزواج دون الاستجابة لطلبها توجيه اليمين الحاسمة للزوج لعلة أنه بالرجوع إلى رسم الزواج يتبين أن الزوجية قد قبضت كامل الصداق”.
إلا أن الخلاف الذي قد يثور بين الزوجة أو وليها من جهة والزوج أو من يهمه أمر الصداق كالورثة مثلا من جهة أخرى يتعلق بمسألة قبض المهر خصوصا وأن الصداق قد لا يدفع أمام الشاهدين العدلين لا سيما المؤجل منه.
فإذا ادعى الزوج بأنه قد أعطى لزوجته كل المهر أو جزء منه، وأنكرت الزوجة ذلك، فإن الجمهور يرى بأن القول قولها بيمينها ما لم يثبت الزوج أنه أوفاها كل المهر أو المعجل منه ببينة، لأن الزوج بمجرد العقد الصحيح صار مدينا للزوجة بالمهر فلا تبرأ ذمته إلا بالبينة حتى يقوم الدليل على خلافه… وإذا امتنعت الزوجة عن اليمين قضى عليها بنكولها وحكم للزوج بما يدعيه .
أما الإمام مالك فإنه يرى بأن القول قول الزوجة قبل الدخول بيمين، أما بعد الدخول فإن القول قول الزوج مع يمينه، لأن الغالب أن الزوجة لا ترضى بالدخول إلا بعد قبض المهر وهذا ما لم يثبت خلاف ذلك كما إذا كان العرف يقضي في البلد بتأخير المهر عن الدخول أو وجد مع الزوجة مستند …. الخ.
وقد أخذت مدونة الأسرة برأي الإمام مالك حين نصت في المادة 33 على أنه ” “إذا اختلف في قبض حال الصداق قبل البناء، فالقول قول الزوجة، أما بعده فالقول قول الزوج إذا اختلف الزوجان في قبض الصداق المؤجل، فعلى الزوج إثبات أدائه…..”.
وهو ما جاء أيضا في المادة 17 من قانون الأسرة الجزائري على أنه “في حالة النزاع في الصداق بين الزوجين أو ورثتهما وليس لأحدهما بينة، وكان قبل الدخول، فالقول للزوجة أو ورثتها مع اليمين وإذا كان بعد البناء فالقول للزوج أو ورثته مع اليمين”، ونص قانون الأحوال الشخصية المصري في المادة 19 على أنه “إذا اختلف الزوجان في مقدار المهر فالبينة على الزوجة فإن عجزت كان القول للزوج بيمينه إلا إذا ادعى ما لا يصح أن يكون مهرا لمثلها عرفا فيحكم مهر المثل”.
وقد ميزت مدونة الأسرة بين الصداق المعجل والمعبر عنه بالحال والصداق المؤجل والمسمى بالكالئ.
فبالنسبة للمعجل فالقول قول الزوجة قبل البناء والقول قول الزوج بعد البناء وأساس هذا الحكم في الحالتين هو أن الغالب أداء الصداق عند البناء، وهذا الغالب هو الذي يؤيد ادعاء الزوجة في الحالة الأولى، وادعاء الزوج في الحالة الثانية، ويمكن للمحكمة اعتماد قرائن أخرى قد تراها مفيدة سواء كانت لصالح الزوج أو الزوجة.
أما الاختلاف في قبض الصداق المؤجل فإن عبء الإثبات يقع على الزوج بحيث تستحق الزوجة الصداق المؤجل بمجرد عجز الزوج عن إثبات أدائه.
أولا / الاختلاف في متاع البيت :
النزاع بين الزوجين قد يثور أيضا حول تأثيث بيت الزوجية من جهة، وحول الأثاث والجهاز الموجود في البيت من جهة ثانية، والتأثيث أو الجهاز هو ما يحتاج إليه عند زفاف الزوجة إلى زوجها من الأدوات اللازمة لإعداد بيت الزوجية.
يرى المالكية أن الجهاز حق على الزوجة في حدود ما تقبضه من المهر، وإذا لم تقبض شيئا من المهر قبل الزفاف فلا يحق للزوج مطالبتها بأي شيء إلا في حالتين، إذا اشترط عليها زوجها ذلك في عقد النكاح، ذلك لأن العقد شريعة المتعاقدين، والمؤمنون عند وعدهم، وإذا كان العرف يقضي بأن تؤثث البيت العائلي .
وحجة المالكية في ذلك هو أن العرف جرى في جميع الأمصار والعصور على أن الزوجة هي التي تعد بيت الزوجية، وتقوم بتجهيزه وذلك بما تحتاج إليه من أثاث، والزوج يدفع المهر لهذا الغرض.
وقد خالفت المدونة رأي المالكية في هذا الموضوع وتبنت صراحة رأي الأحناف، إذ لم تلزم المرأة بتأثيث بيت الزوجية، إذ نصت المادة 29 من مدونة الأسرة على أن “الصداق ملكل لمرأة لاحق للزوج في أن يطالبها بأثاث أو غيره مقابل الصداق الذي أصدقها إياه”.
وإذا اختلف الزوجان حال قيام الزوجية، أو بعد الفرقة بينهما في أثاث المنزل الذي يسكنان فيه، فادعى كل منهما أن الأثاث ملكه، اعتبر كل منهما مدعيا، فأيهما أقام بينة على دعواه حكم بمقتضاها، لأنه أثبت دعواه بدون معارضة بينة أخرى، وإن أقام كل منهما بينة رجحت بينة من يثبت خلاف الظاهر، والظاهر هذا عبارة عن صلاحية الأثاث المتنازع فيه لأيهما.
وفي هذا الصدد قال أبو يوسف ما للنساء يحكم به للمرأة، وما للرجال يحكم به للرجل، وما كان مشتركا بين الرجال والنساء فللرجل إن كان حيا أو لورثته إن كان ميتا.
وقد قال الإمام الكاساني حول اختلاف الزوجين في متاع البيت ولا بينة لأحدهما، قال إن هذا الاختلاف إما أن يكون بين الزوجين في حياتهما، وإما أن يكون بين ورثتهما، وإما أن يكون في حال حياة أحدهما ووفاة الآخر، فإن كان في حال حياتهما فإما أن يكون في حال قيام النكاح أو بعد زواله بالطلاق، ففي الحالة الأولى فما كان يصلح للرجال كالعمامة والسلاح وغيرها فالقول فيها للزوج، وما يصلح للنساء مثل الخمار والمتغزل…. ونحوها فالقول فيه قول الزوجة.
وقد نظمت المادة 34 من مدونة الأسرة حقوق كل من الزوجين في حالة النزاع حول متاع بيت الزوجية ونصت ما يلي: “كل ما أنت به الزوجة من جهاز وشوار يعتبر ملكا لها. إذا وقع نزاع في باقي الأمتعة، فالفصل فيه يخضع للقواعد العامة للإثبات. غير أنه إذا لم يكن لدى أي منهما بينة، فالقول للزوج بيمينه في المعتاد للرجال، وللزوجة بيمينها في المعتاد للنساء، أما المعتاد للرجال والنساء معا فيحلف كل منهما ويقتسمانه مالم يرفض أحدهما اليمين ويحلف الآخر فيحكم له”.
وهكذا نجد المشرع المغربي أخذ بما ذهب إليه الفقه في المعتاد الرجال والنساء، حيث على القاضي أن يتقصى الأعراف المستقرة عند النزاع فيما يخص ما تستأثر به المرأة والرجل وفيما اعتادت التقاليد إحضاره من طرف أحدهما. خصوصا ما اعتادت المرأة الإتيان بهمن جهاز وشوار .وعند النزاع، فإن الاحتكام إلى القواعد العامة للإثبات في بعض الأحيان لانعدام هذه الوسائل، أما إذا كان ذلك قد ضمن في عقد الزواج، فإن هذه الوثيقة تعتبر أهم وسيلة إثباتية.
وفي غياب البينة فإنهما يحلفان معا، حيث يحلف الرجل فيما يخص مستلزمات عمله وطبيعة وظيفته أو صنعته، وتحلف الزوجة بيمينها فيما يخص متاع النساء كالملابس ومايخص عملها أو وظيفتها إن كانت تشتغل. أما المعتاد للرجال والنساء والذي يصعب معرفتهما من حيث التملك والاستعمال فيحلف كل منهما ويقتسمانه ما لم يرفض أحدهما اليمين ويحلف الآخر فيحكم له، لأن رفض الأول بعد كأنه إقرار منه بملكية الطرف الآخر للأشياء المتنازع حولها.
- أحمد الوجدي، عبد الالاه المحبوب، أحلام عليمي، محاضرات في مدونة الاسرة، الموسم الجامعي 2021/2020.
- ادريس الفاخوري: قانون الأسرة المغربي، أحكام الزواج، انحلال الرابطة الزوجية، طبعة 2019.2020.
- محمد الشافعي: الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، سلسلة البحوث القانونية 24.
- محمد الكشبور: الواضح في مدونة الأسرة، الطبعة الثالثة 2015.
Share this content: