اختصاص المحاكم الابتدائية – الاختصاص النوعي والقيمي

أولا // الاختصاص النوعي للمحاكم الابتدائية :

فيما يخص الاختصاص تنص المادة من ظهير التنظيم القضائي 54 على ما يلي ” تختص المحاكم الابتدائية بما فيها المصنفة، مع مراعاة مقتضيات المواد من 55 إلى 57 بعده، بالنظر في كل القضايا التي لم يسند الاختصاص بشأنها صراحة إلى جهة قضائية أخرى باعتبارها صاحبة الولاية العامة، وتصدر أحكامها ابتدائيا وانتهائيا أو ابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف، طبقا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية أو نصوص قانونية أخرى ، عند الاقتضاء.

يختص رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب. عنه بالنظر فيما هو مسند إليه في قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية أو نصوص قانونية أخرى “.

تحدد هذه المادة نطاق الاختصاص النوعي للمحاكم الابتدائية، بما في ذلك المحاكم المصنفة، مع مراعاة مقتضيات المواد من 55 إلى 57 التي تتناول اختصاصات الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري والأقسام المتخصصة في القضاء الإداري، والتي تخضع لأحكام خاصة منصوص عليها في تلك المواد.

وبناءً على ذلك، فإن المحاكم الابتدائية تختص، بشكل عام، بنظر كافة القضايا التي لم يُنص صراحة على إسناد الاختصاص بشأنها إلى جهة قضائية أخرى، باعتبارها صاحبة الولاية العامة. وبالتالي، فإن أي قضية يتم إسناد نظرها إلى محكمة أخرى غير المحكمة الابتدائية تخرج عن اختصاص هذه الأخيرة ولا يجوز لها النظر فيها تحت أي ظرف. أما إذا لم يتم تحديد جهة قضائية أخرى، فيعود الاختصاص بنظر القضية إلى المحكمة الابتدائية باعتبارها المحكمة ذات الولاية العامة.

وعلى وجه التفصيل، فإن المحاكم الابتدائية تختص بنظر جميع القضايا المدنية، الزجرية، قضايا الأسرة، التجارية، الإدارية، والاجتماعية، وهو ما يتضح من خلال الفصل 18 من قانون المسطرة المدنية، والمادة 373 من قانون المسطرة الجنائية.

وتصدر المحكمة الابتدائية أحكامها ابتدائيًا ونهائيًا في القضايا التي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف (5.000) درهم. أما في القضايا التي تتجاوز هذه القيمة، فتصدر أحكامها ابتدائيًا مع حفظ حق الاستئناف. كما تصدر المحكمة حكمها ابتدائيًا مع حفظ حق الاستئناف أيضًا إذا كانت قيمة النزاع غير محددة.

وتختص المحاكم الابتدائية التي لا تحتوي على أقسام متخصصة في القضاء التجاري بنظر القضايا التجارية التي لا تتجاوز قيمتها عشرين ألف (20.000) درهم. كما تختص في هذه الحدود بنظر جميع الطلبات المقابلة وطلبات المقاصة.

وفي المجال الزجري، تختص المحاكم الابتدائية بالنظر في المخالفات والجنح، مع مراعاة المقتضيات الخاصة بقضاء القرب.

وفضلاً عن الاختصاصات المشار إليها، يختص رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه بالنظر فيما يسند إليه بموجب قانون المسطرة المدنية، قانون المسطرة الجنائية، أو نصوص قانونية أخرى، وذلك للبت فيما يعرض عليه من قضايا أو طلبات، سواء في إطار مهامه القضائية أو الولائية.

ثانيا // الاختصاص القيمي للمحاكم الابتدائية :

يتحدد الاختصاص القيمي للمحاكم الابتدائية وفقًا للفصل 19 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه “تختص المحاكم الابتدائية بالنظر :

– ابتدائيا، مع حفظ حق الاستئناف أمام غرف الاستئنافات بالمحاكم الابتدائية، إلى غاية عشرين ألف درهم (20.000 درهم).

– وابتدائيا، مع حفظ حق الاستئناف أمام المحاكم الاستئنافية، في جميع الطلبات التي تتجاوز عشرين ألف درهم (20.000 درهم).

– يبت ابتدائيا طبقا لأحكام الفصل 12 أعلاه، مع حفظ حق الاستئناف أمام المحاكم الاستئنافية “.

وبالرجوع إلى الفصل 12 نجده ينص على أنه “يبت ابتدائيا إذا كانت قيمة موضوع النزاع غير محددة.

وبالإضافة إلى المقتضيات المشار إليها أعلاه، فإن القانون 42.10 المتعلق بتنظيم قضاء القرب يحدد الاختصاص القيمي لأقسام قضاء القرب وفقًا للمادة 10 في مبلغ خمسة آلاف درهم. فإذا كانت قيمة الطلب تساوي أو تقل عن خمسة آلاف درهم، يكون قسم قضاء القرب مختصًا. أما إذا تجاوز الطلب هذا المبلغ، حتى ولو بدرهم واحد، فلا يكون قسم قضاء القرب مختصًا، ويجب إحالة القضية إلى الغرفة المختصة من غرف المحكمة الابتدائية.

فإذا عمد المدعي إلى تجزئة مستحقاته بهدف الاستفادة من المزايا التي يتيحها قانون 42.10، فإن المحكمة لا تقبل منه إلا المطالب الأولية. فمثلاً، إذا كان المدعي دائناً بمبلغ ستة آلاف درهم ويرغب في الاستفادة من هذا النظام، فيقوم برفع دعوى أولى للمطالبة بمبلغ أربعة آلاف درهم، ثم دعوى ثانية للمطالبة بالبقية (ألفي درهم)، رغم أن سند وسبب وموضوع الدعويين واحد. في هذه الحالة، لا تقبل المحكمة إلا الدعوى الأولى التي تتعلق بالمطالبة بمبلغ أربعة آلاف درهم.

وإذا قدم المدعى عليه طلبًا مقابلاً في حدود خمسة آلاف درهم، فإن هذا الطلب لا يُضاف إلى الطلب الأصلي لتحديد مبلغ النزاع، ويظل القاضي مختصًا بالنظر في جميع الطلبات. على سبيل المثال، إذا رفع المدعي دعوى ضد المدعى عليه للمطالبة بدين قيمته خمسة آلاف درهم، وكان المدعى عليه أيضًا دائناً للمدعي بمبلغ ثلاثة آلاف درهم وقرر تقديم طلب مضاد للمطالبة بهذا الدين، فإن مبلغ الخمسة آلاف درهم المدعى بها أصلًا لا يُضاف إلى الثلاثة آلاف درهم المدعى بها فرعيًا لتحديد قيمة النزاع. في هذه الحالة، يُصرف النظر عن جمع المبالغ وتظل المحكمة المختصة هي قاضي القرب، الذي يظل مختصًا بالنظر في الطلبين الأصلي والمقابل معًا.

وفي حال تجاوز الطلب المقابل الاختصاص القيمي لقضاء القرب، يتم إحالة القضية إلى الجهة القضائية المختصة التي لها حق النظر فيها. أما بالنسبة للاختصاص القيمي للمحاكم التجارية، فقد نصت المادة 6 من قانون إحداث المحاكم التجارية على أن هذه المحاكم تختص بالنظر في الطلبات التي تتجاوز قيمتها مبلغ 20.000 درهم، كما تختص بالنظر في جميع الطلبات المقابلة أو طلبات المقاصة بغض النظر عن قيمتها.

ثالثا // اختصاص قسم قضاء الأسرة :

تنص المادة 57 من ظهير التنظيم القضائي على ما يلي ” ينظر قسم قضاء الأسرة في قضايا الأحوال الشخصية والميراث، وكذا قضايا الحالة المدنية والكفالة والجنسية، وفي كل القضايا التي لها علاقة برعاية وحماية الأسرة.مع مراعاة الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 54 أعلاه، يمارس رئيس قسم قضاء الأسرة أو من ينوب عنه الاختصاصات المخولة قانونا لرئيس المحكمة الابتدائية، فيما له صلة باختصاصات هذا القسم “.

تتناول هذه المادة اختصاص قسم قضاء الأسرة، الذي يختص بنظر القضايا التي تندرج ضمنه دون سواه من الأقسام والغرف الأخرى، وقد تم تحديد هذه الاختصاصات في:

1 – قضايا الأحوال الشخصية:

ويقصد بذلك القضايا التي تتعلق بالحالة الشخصية للفرد، سواء من حيث بعده الفردي مثل تحديد جنسه (ذكر أو أنثى)، أو كونه ابنًا شرعيًا أو غير شرعي، أو من حيث أهليته القانونية (تام الأهلية، ناقص الأهلية، أو منعدم الأهلية). كما تشمل القضايا المتعلقة بالعلاقات الأسرية، مثل مسائل الزواج، وانحلاله، والآثار المترتبة على ذلك من حقوق وواجبات متبادلة، وحقوق وواجبات متعلقة بالولادة، ونتائجها، وكذلك النيابة الشرعية، بالإضافة إلى حقوق وواجبات مرتبطة بانتهاء العلاقة الزوجية من خلال الوفاة أو الطلاق أو التطليق أو الفسخ أو الخلع، وذلك وفقًا لأحكام مدونة الأسرة ومقتضياتها.

2 – قضايا الميراث:

بداية، قد يتساءل البعض عن سبب تخصيص المشرع لذكر الميراث بشكل مستقل، مع ارتباطه بالأحوال الشخصية، رغم أن الأحكام المتعلقة بهما مدمجة في قانون واحد هو مدونة الأسرة. والجواب على ذلك هو أن الميراث، رغم تضمينه في نفس القانون، يختلف من حيث طبيعته عن الأحوال الشخصية. فالميراث لا يُعتبر جزءًا من مفهوم الأحوال الشخصية، بل هو ينتمي إلى مفهوم الأحوال العينية، حيث يتعلق بالحقوق المالية التي تترتب بسبب حدث معين، وهو الوفاة.

وتختص أقسام قضاء الأسرة وحدها بنظر كافة القضايا التي تتعلق بالمنازعات في الحقوق المالية المترتبة عن الوفاة، مثل المطالبة بإحصاء التركة أو افتتاحها وتقسيمها، أو المنازعات حول نصيب الورثة المستحق، أو تنفيذ الوصية ومدى صحتها، بالإضافة إلى غيرها من القضايا المرتبطة بهذه الحقوق. ويختص قسم قضاء الأسرة بنظر هذه القضايا دون غيره من الأقسام أو الغرف بالمحكمة الابتدائية.

3 – قضايا الحالة المدنية:

ويقصد بذلك القضايا المتعلقة بنظام الحالة المدنية المنظم بموجب القانون رقم 36.21 المتعلق بالحالة المدنية، والذي يعنى بتسجيل وترسيم الوقائع المدنية الأساسية للأفراد، مثل الولادة، الوفاة، الزواج، والطلاق. ويشمل ذلك ضبط جميع البيانات المتعلقة بهذه الوقائع من حيث نوعها وتاريخها ومكان حدوثها في سجلات الحالة المدنية.

4 – قضايا الكفالة:

وتنصرف أساسًا إلى القضايا المتعلقة بكفالة الأطفال المهملين وفقًا للقانون رقم 15.01، الذي عرف في مادته الأولى الطفل المهمل على أنه كل طفل من كلا الجنسين لم يبلغ سنه ثمان عشرة سنة شمسية كاملة، إذا وجد في إحدى الحالات التالية:

– إذا وُلِد من أبوين مجهولين، أو وُلِد من أب مجهول وأم معلومة تخلت عنه بمحض إرادتها.

– إذا كان يتيماً أو عجز والداه عن رعايته، ولم يكن له وسائل مشروعة للعيش.

– إذا كان والداه منحرفين ولا يقومان بواجبهما في رعايته وتوجيهه لاكتساب سلوك حسن، كما في حالة سقوط الولاية الشرعية، أو إذا كان أحد والديه الذي يتولى رعايته بعد فقد الآخر أو عجزه عن رعايته منحرفًا ولا يقوم بواجبه في ذلك.

فكل طفل يوجد في إحدى هذه الحالات يُعتبر طفلًا مهملاً يمكن كفالته، وذلك بالالتزام برعايته وتربيته وحمايته والنفقة عليه كما يفعل الأب مع ولده. ومع ذلك، لا يترتب عن هذه الكفالة أي حق في النسب أو الإرث.

فإذا تمت الكفالة وفقًا للشروط والإجراءات المحددة في القانون المشار إليه، ووقع نزاع يتعلق بتنفيذها أو بالإخلال بالتزاماتها أو المطالبة باسترجاع الطفل المكفول من قبل والديه، فإن قسم قضاء الأسرة هو المختص، دون غيره من الأقسام أو الغرف بالمحكمة الابتدائية، بالنظر في هذه القضايا وما يشابهها.

5 – قضايا الجنسية:

المرتبطة باكتساب الجنسية المغربية وفقدانها والتجريد منها، وكذلك التجنيس واسترجاع الجنسية، والآثار المترتبة على كل ما ذكر، وفقًا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.58.250 بشأن قانون الجنسية المغربية. وفي هذا السياق، يختص قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بنظر هذه القضايا دون غيره من الأقسام والغرف.

وبالإضافة إلى القضايا المشار إليها أعلاه، يختص قسم قضاء الأسرة أيضًا بنظر جميع القضايا المتعلقة برعاية وحماية الأسرة. ومع مراعاة الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 54، يمارس رئيس قسم قضاء الأسرة أو من ينوب عنه الاختصاصات المخولة قانونًا لرئيس المحكمة الابتدائية، وذلك فيما يتعلق بكل ما له صلة باختصاصات هذا القسم.

لاسيما فيما يتعلق بمهام قاضي المستعجلات، التي كانت محل جدل سابق بين من يرى أن اختصاص رئيس المحكمة الابتدائية وحده في ممارستها، حتى وإن تعلق الأمر بقضايا الأسرة، ومن يرى أن الاختصاص في ممارستها يعود إلى رئيس قسم قضاء الأسرة، خاصة في الطلبات المرتبطة بالقضايا المعروضة على هذا القسم.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *