الإنابة القضائية: إجراءات انتداب الشرطة القضائية من قاضي التحقيق ومن المحكمة
إذا كانت أهم أعمال الشرطة القضائية تتم في إطار حالة التلبس أو البحث التمهيدي، فإنها يمكن أن تكلف ببعض المهام بمقتضى إنابة قضائية من قاضي التحقيق أو من هيئة المحكمة.
وفي هذه الحالة فإن ضابط الشرطة القضائية يكون بصدد القيام بأعمال هي في الحقيقة من صميم أعمال السلطة القضائية التي انتدبته للقيام بها، وتدرج في إطار أعمال التحقيق الإعدادي الذي يقوم به قاضي التحقيق أو التحقيق النهائي الذي يرجع إلى هيئة الحكم.
أولا – انتداب الشرطة القضائية من طرف قاضي التحقيق :
منح القانون لقاضي التحقيق الحق في اللجوء إلى الإنابة القضائية بمقتضى المواد من 189 إلى 193 من قانون المسطرة الجنائية. وإذا كان يحق لقاضي التحقيق أن يوجه إنابة قضائية لأي قاض آخر من قضاة التحقيق أو الحكم أو من بين ضباط الشرطة القضائية، فإن الذي يعنينا في هذا الجزء من البحث هو الإنابة القضائية الموجهة إلى ضابط الشرطة القضائية.
ويمكن تلخيص أهم المقتضيات التي تحكم تنفيذ الإنابة القضائية من طرف ضابط الشرطة القضائية كما يلي:
1 – مضمن الإنابة القضائية :
يطلب قاضي التحقيق من أي ضابط من ضباط الشرطة القضائية الموجودين بدائرة نفوذ محكمته القيام بإجراء ما يراه لازماً من أعمال التحقيق في الأماكن الخاضعة لنفوذ ضابط الشرطة القضائية، ويرجع هنا إلى قواعد الاختصاص التي تنظم مجال عمل قاضي التحقيق ( المادة 55 من قانون المسطرة الجنائية) ، وإلى قواعد الاختصاص المحلي التي تحكم عمل ضابط الشرطة القضائية كما نصت عليها المادة 22 من قانون المسطرة الجنائية.
ولا يمكن لقاضي التحقيق انتداب ضابط للشرطة القضائية خارج نفوذه مباشرة، ولكن يمكنه أن ينتدب ضابطاً له اختصاص وطني أو اختصاص إقليمي يشمل المنطقة التي تجري فيها الأبحاث، فالعبرة هنا هي بمجال عمل ضابط الشرطة القضائية.
وإذا تعلق الأمر بإنابة قضائية تتطلب القيام بعدة إجراءات في نفس الوقت ولكن في أماكن مختلفة من تراب المملكة فإنه يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر بتوجيه نظائر أو نسخا منها إلى السلطات المكلفة بالتنفيذ لتنفيذها.
وإذا اقتضت الضرورة الاستعجال في تنفيذ الإنابة القضائية فإنها توجه بأي وسيلة من الوسائل الممكنة. ويجب الحرص على أن توضح فيها البيانات الأساسية المضمنة في أصل الإنابة، خصوصاً التهمة واسم القاضي الصادرة عنه الإنابة وصفته.
ويستفاد من هذا الإجراء الذي نصت عليه المادة 193 من ق.م.ج أنه يمكن توجيه الإنابة بواسطة وسائل تقنية كالتلكس أو البرق والتلغراف، مما يوجب الاختصار في المعلومات. ولذلك فإنه من باب أولى أن يتم – بداعي الاستعجال – تداول الإنابة بالوسائل التقنية الحديثة كالفاكس أو البريد الإلكتروني مثلا شريطة التأكد من سلامتها.
وتتضمن الإنابة القضائية الصادرة عن قاضي التحقيق:
– الإشارة إلى نوع الجريمة موضوع المتابعة. أي الجريمة التي يحقق فيها قاضي التحقيق.
– تاریخ صدورها.
– توقيع وطابع قاضي التحقيق الذي أصدرها.
– تحديد نوع الإجراءات المطلوب من الضابط إنجازها. ولا يمكن أن يأمر قاضي التحقيق في الإنابة القضائية سوى بإنجاز إجراءات التحقيق المتعلقة بالجريمة المشار إليها في المتابعة.
– يحدد قاضي التحقيق أجلا لضابط الشرطة القضائية يجب عليه أن يوجه خلاله المحاضر التي حررها، وإذا لم تحدد الإنابة الأجل، فعلى الضابط توجيه المحاضر في ظرف الأيام الثمانية الموالية لنهاية العمليات المنجزة تبعاً للإنابة القضائية.
2 – إنجاز الإنابة :
يتوفر ضابط الشرطة القضائية المنتدب لتنفيذ إنابة قضائية صادرة عن قاضي التحقيق على جميع السلطات المخولة لقاضي التحقيق، ولكن في حدود تلك الإنابة باستثناء إجراءين اثنين فقط لا يمكنه القيام بهما ويتعلق الأمري:
– عدم استجواب المتهم أو مواجهته مع غيره: فلا يحق لضابط الشرطة القضائية القيام بهذه المهمة في إطار إنابة قضائية.
– عدم الاستماع إلى الطرف المدني إلا بطلب منه: فلا يمكن لضابط الشرطة القضائية أن يستمع إلى الطرف المدني إلا إذا عبر هذا الأخير عن رغبته في الاستماع إليه من طرف الضابط، وينبغي أن يتم التعبير عن هذه الرغبة بشكل صريح إما شفويا ويضمن ذلك في المحضر أو بشكل كتابي.
– يحق لضابط الشرطة القضائية المنتدب أن يستمع إلى الشهود: ويتعين على كل شاهد استدعى لأداء شهادته أمام ضابط الشرطة القضائية في إطار إنابة قضائية أن يستجيب لذلك، ويؤدي اليمين أمام ضابط الشرطة القضائية ويدلي بشهادته. وإذا لم يستجب الشاهد للاستدعاء بالحضور، فإن الضابط يشعر قاضي التحقيق الصادر عنه الانتداب الذي يحق له إحضاره بواسطة القوة العمومية أو الحكم عليه بغرامة تتراوح بين 1200 و 12000 درهم.
– – يحق لضابط الشرطة القضائية إذا اقتضت ضرورة تنفيذ الإنابة ذلك أن يضع شخصاً تحت الحراسة النظرية، في إطار احترام الشروط والإجراءات المقررة قانونا بشأن الحراسة النظرية، ويشعر قاضي التحقيق.
وإشعار قاضي التحقيق بالوضع تحت الحراسة النظرية إجراء مرتبط بظروف تنفيذ الإنابة القضائية ولا يغني عن إشعار النيابة العامة المنصوص عليه في المادة 66 من ق.م.ج المتعلقة بحالة التلبس أو الحصول على إذنها المنصوص عليه في المادة 80 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالبحث التمهيدي.
وفي حالة وضع شخص تحت الحراسة النظرية فإن الأمر يقتضي تطبيق كل الشكليات والقواعد التي تحكم تنفيذ هذا الإجراء كما نصت عليها المواد 66 و 67 و 68 و 69 و 80 من قانون المسطرة الجنائية، حسب الأحوال.
وأخيرا فإن ضابط الشرطة القضائية ملزم بتحرير محضر بجميع الإجراءات التي قام بها تنفيذاً للإنابة القضائية، يوجهه إلى قاضي التحقيق الذي أنابه داخل الأجل المحدد له من طرف القاضي، أو بعد ثمانية أيام من انتهاء الإجراء على الأكثر إذا لم يحدد له أجلا.
ثانيا – انتداب الشرطة القضائية من طرف المحكمة :
من الناحية العملية، فإن الشرطة القضائية تكف يدها عن كل إجراء من إجراءات التحقيق خلال المرحلة التي يصبح قضاء الحكم هو الذي يمارس هذه السلطة في إطار ما يسمى بالتحقيق النهائي.
ولذلك فإنه كلما يسمح القانون لقضاء الحكم باللجوء إلى انتداب ضباط الشرطة القضائية لممارسة مهام خولها القانون لقضاة الأحكام وحدهم. ولا يلجأ هؤلاء القضاة لانتداب ضباط الشرطة القضائية إلا إذا سمح القانون بذلك. ومن بين الحالات التي يسمح فيها القانون بانتداب ضابط للشرطة القضائية من طرف قضاء الحكم:
ما نصت عليه المادتان 324 و 362 من قانون المسطرة الجنائية، حين تكلف هيئة المحكمة أحد أعضائها بإجراء تحقيق تكميلي. ويقوم قاضي الحكم – في هذه الحالة – بمهامه تنفيذا لمقتضيات القسم الثالث من الكتاب الأول من قانون المسطرة الجنائية المتعلق بالتحقيق الإعدادي، والذي تقع من بين مواده المواد من 189 إلى 193 المنظمة لأحكام الإنابة القضائية.
وهو ما يسمح للقاضي المعين من قبل هيئة الحكم لإنجاز تحقيق تكميلي، أن ينيب عنه ضابطاً للشرطة القضائية في إطار الحدود التي رسمتها المواد من 189 إلى 193 من قانون المسطرة الجنائية.
وفي الواقع فإنه رغم أن الإنابة في هذه الحالة تصدر من قاض للحكم، إلا أن هذا القاضي يكون منفصلا عن إجراءات المحاكمة، أي لا يباشر مهامه في الفصل في الخصومة الجنائية بصفته قاض للحكم، وإنما يؤدي وظيفة أخرى بقيامه بدور قاضي التحقيق.
ولذلك يصعب في هذه الحالة القول أن الإنابة الموجهة لضابط الشرطة القضائية صادرة عن قضاء الحكم، بل إنها بالتأكيد صادرة عن قضاء التحقيق.
Share this content: