الإحالة من أجل تشكك مشروع /حسن سير العدالة / تجريح القضاة

أولا // الإحالة من أجل تشكك مشروع :

– تهدف مسطرة الإحالة من أجل التشكك المشروع إلى ضمان حق الأفراد في محاكمة عادلة، من خلال تجنب أي شكوك قد تحوم حول حياد وتجرد الجهة القضائية التي ستنظر في القضية. تُستخدم هذه المسطرة عندما يكون هناك خوف مشروع من أن القاضي أو المحكمة قد يتأثرون بعوامل شخصية أو غير موضوعية قد تؤثر في استقلاليتهم وحيادهم. وبذلك، تتيح هذه المسطرة للأطراف المعنية نقل القضية إلى محكمة أخرى لضمان نزاهة الإجراءات القضائية وضمان حقوق الدفاع.

الأصل أن المحكمة التي عرض عليها النزاع تكون هي صاحبة الاختصاص للبت فيه، إلا أنه قد تتوفر ظروف تجعل المشرع يتدخل لسحب القضية من محكمة أو هيئة مكلفة بالتحقيق ويحيلها على جهة قضائية أخرى للبت فيها، وهو ما يعرف بالإحالة من أجل تشكك مشروع.

وقد تعرض المشرع لهذه الحالة التي تعتبر استثناء لقواعد الاختصاص العادية، في المادتين 270 و 271 من قانون المسطرة الجنائية، والجهة القضائية المخولة لسحب القضية من المحكمة أو هيئة التحقيق وإحالتها على هيئة أخرى من نفس الدرجة هي الغرفة الجنائية بمحكمة النقض.

1 – تقديم طلب الإحالة من أجل التشكك المشروع :

يتعين على الجهة المتضررة أن تقدم طلبها الرامي إلى الإحالة من أجل التشكك المشروع قبل حصول أي استجواب للمتهم أو مناقشة جوهر القضية، إلا إذا طرأت العناصر المبررة للإحالة او اكتشفت بعد ذلك طبقا لمقتضيات المادة 271 من قانون المسطرة الجنائية.

– يودع الطلب بكتابة الضبط بمحكمة النقض من طرف الوكيل العام لدى محكمة النقض، أو النيابة العامة لدى المحكمة المرفوعة إليها القضية، أو المتهم، أو المطالب بالحق المدني.

2 – الجهات المؤهلة قانونا لتقديم طلب الإحالة من اجل التشكك المشروع :

يحق لكل من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أو النيابة العامة للمحكمة التي عرض عليها النزاع أو المتهم أو الطرف المدني، أن يقدم الطلب بكتابة ضبط محكمة النقض.

ولا يترتب عن تقديم الطلب أي أثر موقف للدعوى، ما لم تقرر الغرفة الجنائية بمحكمة النقض خلاف ذلك

ويبلغ فورا إلى جميع الأطراف الذين لهم أجل 10 أيام لإيداع جوابهم بكتابة ضبط محكمة النقض، ويتم البت في الطلب بغرفة المشورة دون حضور الأطراف داخل أجل شهر واحد من تقديم الطلب، ويبلغ القرار الصادر فورا إلى جميع الأطراف.

والملاحظ أنه لا يمكن تصور توفر إحالة من أجل تشكك مشروع في مواجهة النيابة العامة، لأن المشرع نص صراحة على أن للغرفة الجنائية بمحكمة النقض أن تسحب الدعوى من آية هيئة للتحقيق أو الحكم طبقا للمادة 270 من قانون المسطرة الجنائية.

وتنبغي الإشارة في الأخير إلى أن تعيين الجهة المكلفة بالبحث في النزاع من طرف الغرفة الجنائية بمحكمة النقض يجعل هذه المحكمة مختصة بالبت فيه واصدار حكم في القضية.

ثانيا // الإحالة من أجل مصلحة عامة :

الإحالة من أجل المصلحة العامة إجراء يهدف إلى الحفاظ على الأمن العمومي أو ضمان حسن سير العدالة. وتعتبر من الحالات الاستثنائية المتعلقة بالاختصاص وفق نص المادة 272 من قانون المسطرة الجنائية، وسنتناول الحالتين المذكورتين في ما بعد :

1 – الإحالة من أجل الأمن العمومي :

قد تقتضي ظروف الأمن العمومي أن يلتمس الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وحده من الغرفة الجنائية بنفس المحكمة إحالة قضية على محكمة غير المحكمة المختصة للنظر فيها، قبل اي استجواب أو مناقشة في الجوهر بمقتضى طلب يودع بكتابة ضبط محكمة النقض، حسب المسطرة والكيفية المنصوص عليها في المادة 271 من ق م ج، والتي نصت على أنه لا يترتب عن إيداع الطلب أي أثر موقف للدعوى ما لم تقرر الغرفة الجنائية بمحكمة النقض خلاف ذلك.

كما يجب تبليغ الطلب فورا لكل الأطراف المعنية الذين لهم أجل 10 أيام لإيداع مذكراتهم الجوابية بكتابة ضبط محكمة النقض.

وتبت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض في الطلب في غرفة المشورة، دون حضور الأطراف داخل أجل شهر واحد من تقديم الطلب، ويبلغ القرار الصادر إلى جميع الأطراف فور صدوره.

2 – الإحالة من أجل حسن سير العدالة :

يمكن للغرفة الجنائية بمحكمة النقض، إما بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أو من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعنية، تلقائيا أو بناء على طلب من أطراف النزاع، أن تأمر بإحالة القضية على هيئة أخرى لتحقيق حسن سير العدالة، شريطة ألا ينتج عن ذلك أي ضرر يعرقل ظهور الحقيقة أو يمس بممارسة حقوق الدفاع.

وتجري المسطرة كما في الحالة السابقة طبقا لمقتضيات المادة 271 قانون المسطرة الجنائية.

والملاحظ أن طلب الإحالة من أجل المصلحة العامة كان يتم بمقتضى ملتمس من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وحده دون غيره حسب الفصل 274 من ظهير 1959/2/10 إلا أن المادة 271 من قانون المسطرة الجنائية أعطت هذا الحق كذلك للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعروض أمامها النزاع بأن يتقدم أمام الغرفة الجنائية بمحكمة النقض بملتمس في الموضوع بصفة تلقائية أو بناء على طلب الأطراف إذا توخى حسن سير العدالة.

ثالثا // تجريح القضاة :

يُعتبر حياد القاضي أحد الضمانات الأساسية لتحقيق العدالة، حيث يضمن أن تتم المحاكمة دون تأثيرات أو تحيزات قد تؤثر على القرار القضائي. وقد حدد المشرع الحالات التي يمكن الاستناد إليها لتجريح القاضي، وذلك في إطار حماية نزاهة المحاكمة وضمان حقوق الأطراف في القضية.

1 – حالات تجريح القضاة :

نصت المادة 273 من قانون المسطرة الجنائية (ق.م.ج) على حالات التجريح التي تمنع القاضي المجرح من مواصلة النظر في القضية المعروضة عليه. وقد حُددت هذه الحالات بشكل حصري، وتتناول أساسًا القضاة الذين يصدرون الأحكام، حيث تتعلق بمواقف أو ظروف قد تؤثر على حيادهم وموضوعيتهم في القضية.

أما بالنسبة لقضاة النيابة العامة، فقد ورد في المادة 274 من نفس القانون أنهم غير قابلين للتجريح بموجب نص صريح، مما يعني أنه لا يمكن الطعن في حيادهم بنفس الطريقة التي يمكن بها تجريح قضاة الحكم. وحالات التجريح كما جاءت في المادة المذكورة (273) تتحقق :

– إذا كانت له أو لزوجه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في الحكم في الدعوى.

– إذا كانت له أو لزوجه قرابة أو مصاهرة مع أحد الأطراف بما فيها درجة أبناء الأعمام والأخوال.

– إذا كان بين أحد الأطراف والقاضي أو زوجه أو أصولهما أو فروعهما دعوى لا تزال جارية أو انتهت منذ أقل من سنتين.

– إذا كان القاضي دائنا أو مدينا لأحد الأطراف.

– إذا كان قد سبق له أن قدم استشارة أو رافع أو مثل أمام القضاء في قضية أو نظر فيها بصفته حكما أو أدلى فيها بشهادة أو بت فيها في طورها الابتدائي.

– إذا كان قد تصرف بصفته ممثلا قانونيا لأحد الأطراف.

– إذا كانت هناك علاقة تبعية بين القاضي أو زوجه وأحد الأطراف أو زوجه.

– إذا كانت بين القاضي وأحد الأطراف صداقة أو عداوة معروفة.

– إذا كان القاضي هو المشتكي بحيث لا يصح أن يكون هو الخصم والحكم في أن واحد.

2 – الأطراف الذين لهم حق طلب التجريح :

– القاضي المعروض عليه النزاع هو أحد الأطراف الذين خول لهم القانون حق تقديم طلب التجريح. حيث يتعين عليه أن يقدم تصريحًا للرئيس الأول لمحكمة النقض أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، يوضح فيه، تحت طائلة البطلان، الوسيلة التي يستند إليها في طلب التجريح. ويجب على القاضي أن يرفق التصريح بجميع الحجج والمستندات التي تدعم الوسيلة المثارة للتجريح، وذلك وفقًا لما تنص عليه المادة 278 من قانون المسطرة الجنائية

– ونصت المادة 276 من قانون المسطرة الجنائية (ق.م.ج) على أن للمتهم حق تقديم طلب التجريح ضد القاضي المعروض عليه النزاع. ويتم تقديم هذا الطلب وفقًا للمسطرة المشار إليها أعلاه.

– وفقًا للمادة 276 من قانون المسطرة الجنائية (ق.م.ج)، يحق لكل من المسؤول المدني والطرف المدني تقديم طلب التجريح ضد القاضي المعروض عليه النزاع، وذلك وفقًا للمسطرة المحددة سابقا.

وتنص المادة 278 من قانون المسطرة الجنائية على أنه ” يجب على من أراد تجريح قاض أن يقوم بذلك قبل أية مناقشة في الجوهر، وإذا كان التجريح موجها إلى القاضي المكلف بالتحقيق، فيجب أن يقدم قبل أي استجواب أو استماع يتعلق بالجوهر، ما لم تكن أسباب التجريح قد طرأت أو لم يعلم بها المطالب بالتجريح إلا لاحقا…”.

وهكذا في حالة كان التجريح موجهًا إلى قاضي التحقيق، فإنه يجب تقديمه قبل إجراء أي استجواب أو استماع يتعلق بجوهر القضية. ومع ذلك، إذا كانت أسباب التجريح قد طرأت لاحقًا أو إذا علم بها المطالب بالتجريح بعد الاستجواب أو الاستماع إلى المعني بالأمر، فيمكن حينها تقديم الطلب حتى بعد تلك الإجراءات.

والملاحظ أن القاضي المجرح لا يتخلى عن القضية إلا إذا ادعى أحد الأطراف في بداية الاستجواب أو الجلسة أن سببا من أسباب التجريح قد طرأ، أو أخبر به في ذلك الوقت، وصرح بأنه يطلب تجريح قاضي التحقيق أو قاض أو أكثر من القضاة المكونين لهيئة الحكم، حيث يتم إيقاف الاستجواب أو المناقشات، وتوجه المذكرة المحررة من المعنى بالأمر الى الرئيس الأول.

وفي جميع الأحوال، فإن الرئيس الأول يطلب إيضاحات من القاضي أو القضاة المقدم طلب التجريح في حقهم، كما أن للرئيس الأول الحق في طلب إيضاحات تكميلية من طالب التجريح إذا اعتبر ذلك ضروريًا لتوضيح بعض النقاط أو تقديم تفاصيل إضافية. ويبت في ملتمس التجريح بعد استشارة الوكيل العام للملك.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *