التحقيق الإعدادي : الأوامر القضائية بشأن انتهاء التحقيق
عندما يقدر قاضي التحقيق أنه قد أنهى البحث في القضية يوجه الملف بجميع أوراقه، بعد ترقيمها من طرف كتابة الضبط لديه، إلى النيابة العامة بقصد الإطلاع عليها ووضع ملتمساتها داخل أجل ثمانية أيام على الأكثر من تاريخ توصلها بالملف. ويحول قرار قاضي التحقيق بانتهاء البحث، دون تقديم ملتمس من النيابة العامة بإجراء بحث إضافي، أو مواصلة التحقيق في جريمة أخرى لها ارتباط بالجريمة المجرى فيها التحقيق.
وبطبيعة الحال فإن النيابة العامة يمكنها أن تتقدم بمستنتجاتها الرامية إلى إصدار أمر بالإحالة على غرفة الجنايات أو على جهة قضائية أخرى مختصة، إذا تبين لها ما يدعو لذلك اعتمادا على نتائج التحقيق. كما يمكنها أن تقدم ملتمسا بعدم المتابعة إذا تبين لها أن البحث الذي أجراه قاضي التحقيق لم يكشف عن أي دليل يدين المتهم.
و الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق بشأن انتهاء البحث هي :
1 – الأمر بعدم الاختصاص :
يعتبر قاضي التحقيق الجهة المسؤولة على تصريف وتوجيه إجراءات التحقيق منذ إحالة ملف التحقيق عليه، سواء من طرف النيابة العامة أو بناء على الشكاية المباشرة المصحوبة بالإدعاء المدني، فبعد اطلاعه على الأفعال المعروضة عليه، واتضح له أنها لا تدخل ضمن اختصاصه، فإنه يصدر أمرا بعدم الاختصاص.
وتكييف الأفعال المحالة على قاضي التحقيق واعتبارها خارجة عن اختصاصه يخضع لسلطته التقديرية، فإذا ارتأى قاضي التحقيق أن الأفعال ليست من اختصاصه، يصدر أمرا بذلك، ويحيل ملف القضية على النيابة العامة داخل أجل ثمانية أيام من صدور الأمر بعدم الاختصاص.
أما الآثار القانونية المترتبة عن صدور الأمر بعدم الاختصاص، فتتمثل في احتفاظ الإجراءات التي أنجزها قاضي التحقيق بمفعولها القانوني، كما تحتفظ الأوامر التي سبق أن أصدرها ضد المتهم بقوتها التنفيذية.
وإذا لم يتم الطعن بالاستئناف في الأمر الصادر عن قاضي التحقيق بعدم الاختصاص، تتولى النيابة العامة وبحكم اختصاصها واضطلاعها بتنفيذ المقررات القضائية الجنائية، إحالة الملف على الجهة المختصة، لأن الأمر بعدم الاختصاص في حقيقته سوى نقل للقضية من الجهة غير المختصة إلى الجهة المختصة.
2 – الأمر بعدم المتابعة :
اطر المشرع صدور الأمر بعدم المتابعة بمجموعة من الأسباب التي على أساسها يصدر قاضي التحقيق أمراً بعدم المتابعة، وتتمثل هذه الأسباب فيما يلي:
– إذا اتضح لقاضي التحقيق أن التهم المنسوبة للمتهم لا توصف بأي وصف جرمي، أي لا تخضع للقانون الجنائي، وعملا بقاعدة الشرعية الجنائية التي تنص صراحة على أنه لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص قانوني.
– أو أن الأفعال المنسوبة للمتهم كانت مجرمة وأنها لم تعد كذلك، حيث زالت عنها الصفة الجرمية بعد إلغاء القانون الذي كان المتهم محال بمقتضاه على التحقيق.
– أو أن الأفعال المنسوبة للمتهم تتصف بالصفة الجرمية، إلا أن التحقيق لم يسفر عن أي دليل أو دلائل غير كافية لتوجيه الاتهام إلى المتهم.
– أو أن الفاعل يظل مجهولا عندما يجري التحقيق ضد شخص مجهول ولا تسفر الأبحاث عن تحديد هوية الفاعل الحقيقية، ولأنه لا يمكن أن تحال القضية على المحكمة مع بقاء مرتكبها مجهولا.
وإذا ما توفرت إحدى هذه الحالات، أصدر قاضي التحقيق أمراً بعدم المتابعة ترتب عليه مجموعة من الآثار نجملها فيما يلي:
– البت في رد الأشياء المحجوزة إن وجدت إلى أصحابها.
– إفراج قاضي التحقيق في الحال عن المتهمين المعتقلين، ما لم يكونوا معتقلين لسبب آخر، ويفرج عن المتهمين المعتقلين بمجرد تبليغ الأمر إلى السجن ولو استأنفت النيابة العامة قرار عدم المتابعة .
– البت في المصاريف وصوائر الدعوى، وإذا كان فيها طرف مدني يحكم عليه بالمصاريف كلا أو بعضا، غير أنه يمكن إعفاء الطرف المدني إذا كان حسن النية من أداء هذه المصاريف بموجب مقرر خاص معلل، ما لم يكن هو الذي أقام الدعوى العمومية.
– انتهاء مفعول الأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية.
– لقاضي التحقيق أن يأمر بنشر القرار بعدم المتابعة كليا أو جزئيا بصحيفة أو عدة صحف، بناء على طلب الشخص المعني بالأمر أو النيابة العامة ويقوم بتحديد البيانات القابلة للنشر.
– سقوط التهم الموجهة إلى المتهم، ولا يمكن متابعته من أجل نفس الأفعال من جديد، إلا إذا ظهرت أدلة جديدة طبقا لمقتضيات المادة 228 من قانون المسطرة الجنائية.
– ويمكن للمتهم المطالبة برد الاعتبار لشخصه وتثبيت صفاء صورته لدى عامة الناس
ويقبل هذا القرار الطعن أمام الغرفة الجنحية من طرف النيابة العامة طبقا لمقتضيات المادة 222 من قانون المسطرة الجنائية، ومن طرف المتهم في الشق القاضي بالنشر، وكذلك في الشق المتعلق برد الأشياء المحجوزة طبقا للمادة 223 من قانون المسطرة الجنائية.
عند الانتهاء من إجراءات التحقيق وعندما يتضح لقاضي التحقيق أن القضية باتت جاهزة للبت فيها، يحيل ملفها على النيابة العامة للاطلاع والإدلاء بملتمساتها بالموضوع، ويجب على النيابة العامة أن توجه إلى قاضي التحقيق ملتمساتها خلال ثمانية أيام على الأكثر من توصلها بالملف.
3 – الأمر بالمتابعة :
إن الأمر بالإحالة على المحكمة يرمي إلى توجيه الاتهام إلى المتهم وإحالته على الغرفة القضائية المختصة والتي تختلف حسب نوع ودرجة التهمة، أو التهم الموجهة للمتهم، مما يستدعي بالضرورة التمييز بين الإحالة على غرفة الجنح بالمحكمة الابتدائية، والإحالة على غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف.
إذا قرر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف متابعة المتهم بجناية، فإنه يحيله على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف، كما يحيل عليها ملف القضية، ولا يمكن الطعن في قرار الإحالة إلا بالنقض، ومع الحكم الصادر في الجوهر. وإذا قرر متابعته من أجل جنحة أو مخالفة فإنه يحيله على المحكمة الابتدائية المختصة إلا إذا تعلق الأمر بالمتابعة بجريمة مرتبطة بجناية أو متصلة بها وكان قد قرر إحالة متهم أو أكثر على غرفة الجنايات، فإنه يحيل عليها بالتبعية الأشخاص المتابعين من أجل جنحة.
كما أن قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية يحيل المتهم الذي يتابعه بجنحة على المحكمة الابتدائية. أما بالنسبة للمخالفة فإنه في حالة المتابعة بها من طرف قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية، فإنه يحيل الملف على النيابة العامة حسب المادة 217 من قانون المسطرة الجنائية.
ولا يمكن للنيابة العامة في حالة صدور قرار قاضي التحقيق بالإحالة على محكمة الابتدائية أن تتصرف في المتابعة ولا في النصوص القانونية التي اعتمدها قرار الإحالة وإنما تنجز الاستدعاء لتعرض المتهم على الجلسة وفقا لما جاء في قرار الإحالة، مع احترام أجل الاستدعاء وشكلياته المنصوص عليها في المادتين 308 و 309 من قانون المسطرة الجنائية. وإذا كان المتهم معتقلا يتم تخفيض الأجل الفاصل بين الاستدعاء وتاريخ انعقاد الجلسة إلى خمسة أيام فقط.
ولا تصدر الأوامر القضائية بانتهاء التحقيق إلا بعد تقديم النيابة العامة ملتمساتها، ويجب أن تشمل هذه الأوامر كل البيانات اللازمة مثل اسم المتهم العائلي والشخصي وسنه وتاريخ ومحل ولادته والقبيلة التي ينتمي إليها ومحل سكناه ومهنته ورقم بطاقة تعريفه الوطنية عند الاقتضاء ورقم تأجيره إذا كان موظفا عموميا، ويشار فيها إلى الوصف القانوني للفعل المنسوب للمتهم، وتبسط فيها بكل دقة الأسباب المدعمة لوجود الأدلة أو عدم وجودها.
ويوجه قاضي التحقيق إلى محامي المتهم ومحامي الطرف المدني خلال الأربع والعشرين ساعة الموالية لصدور كل أمر قضائي، رسالة مضمونة بقصد إشعارهما بهذا الأمر. ويشعر المتهم والطرف المدني بنفس الطريقة وداخل نفس الأجل بالأوامر القضائية بانتهاء التحقيق، وبالأوامر القابلة للاستئناف. وإذا كان المتهم معتقلا فإن إخباره يتم بواسطة رئيس المؤسسة السجنية، أما النيابة العامة فإنها تشعر بجميع الأوامر في يوم صدورها بواسطة كاتب الضبط.
Share this content: