اختصاص محكمة الاستئناف
تنص المادة 73 من قانون التنظيم القضائي على ما يلي : “تختص محاكم الاستئناف بالنظر في استئناف الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية، وكذا في جميع القضايا الأخرى التي تختص بالنظر فيها طبقا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية أو نصوص قانونية أخرى.
يختص الرئيس الأول المحكمة الاستئناف أو من ينوب عنه بالنظر فيما هو مسند إليه في هذا القانون وفي قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية أو نصوص قانونية أخرى “.
يمكن تلخيص اختصاصات محاكم الاستئناف بشكل عام، وفقاً لأحكام هذه المادة موضوع الشرح، على النحو التالي:
– تختص محاكم الاستئناف بالنظر في الأحكام الابتدائية الصادرة عن المحاكم الابتدائية، كما تقوم بالنظر في الاستئناف المرفوع ضد أوامر رئيس المحكمة الابتدائية التي تصدر في القضايا الاستعجالية أو في الأوامر الصادرة بناء على عرائض، بالإضافة إلى النظر في أوامر الأداء أو تلك التي تمنح الصيغة التنفيذية لقرارات المحكمة.
– تختص محاكم الاستئناف أيضًا بالنظر في موضوع تنازع الاختصاص، متى أصدرت محاكم في نزاع معين قرارات غير قابلة للطعن بالاستئناف، صرحت فيها باختصاصها أو عدم اختصاصها فيه.
ويتولى الرئيس الأول بدوره ممارسة بعض الاختصاصات التي منحت له بصفة خاصة، ومنها:
– يختص الرئيس الأول بالنظر في صعوبات التنفيذ المتعلقة بالقضايا المطروحة في الجوهر على أنظار محكمة الاستئناف (وفقاً لما ينص عليه الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية).
وفي حال أردنا التعمق في اختصاصات محكمة الاستئناف، يجب التمييز بين اعتبارها مرجعاً استئنافياً، واعتبارها مرجعاً ابتدائياً، وكذلك اعتبارها جهة مستقلة للنظر في بعض الطعون ذات الطبيعة الخاصة.
أولا // اعتبار محكمة الاستئناف مرجعا استئنافيا
تعد محكمة الاستئناف مرجعاً استئنافياً في القضايا المدنية وفقاً لأحكام الفصل 24 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه “تختص محاكم الاستيناف عدا إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة بالنظر في استيناف أحكام المحاكم الابتدائية، وكذا في استيناف الأوامر الصادرة عن رؤسائها”. في جميع القضايا المدنية وقضايا الأسرة والتجارية والإدارية والاجتماعية التي تتجاوز قيمتها عشرين ألف درهم، أو متى كانت قيمة النزاع غير محددة.
كما تختص محكمة الاستئناف بصفتها مرجعاً استئنافياً في القضايا الزجرية المتعلقة بالجنح وفقاً للمادة 253 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه “تختص غرف الجنح الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالنظر في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية”.
كما تختص محكمة الاستئناف بالنظر استئنافياً في غرفة الجنايات الاستئنافية بالبت في القرارات الصادرة عن غرفة الجنايات بشأن ارتكاب بعض الجنايات، وذلك وفقاً للمادة 457 التي تنص على أنه “يمكن للمتهم وللنيابة العامة والمطالب بالحق المدني وللمسؤول عن الحقوق المدنية استئناف القرارات الباتة في الجوهر الصادرة عن غرف الجنايات أمام نفس المحكمة، مع مراعاة المادة 382 والفقرة الأولى من المادة 401 من هذا القانون …
تنظر في الطعن بالاستئناف غرفة الجنايات الاستئنافية لدى نفس المحكمة، وهي مكونة من هيئة أخرى مشكلة من رئيس غرفة وأربعة مستشارين لم يسبق لهم المشاركة في البت في القضية، بحضور ممثل النيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط تحت طائلة البطلان “.
وبالإضافة إلى ما ذكر، تختص الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بصفتها مرجعاً استئنافياً بنظر الاستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي التحقيق، وذلك وفقاً للمادة 222 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية.
ثانيا // اعتبار محكمة الاستئناف مرجعا ابتدائيا
ويتعلق الأمر هنا بالقضايا الزجرية التي تم إسناد الاختصاص فيها إلى غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف للنظر فيها بصفة ابتدائية، وذلك وفقاً للمادة 418 من قانون المسطرة الجنائية، كلما تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تخرج عن اختصاص المحاكم الابتدائية، والتي تقوم النيابة العامة بتكييفها كجناية او جريمة لا يمكن فصلها عنها أو مرتبطة بها تبعا لصياغة المادة 416 من نفس القانون.
والأحكام الصادرة ابتدائيًا عن غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف، يرجع الاختصاص في نظرها استئنافيًا إلى غرفة الجنايات الاستئنافية بالمحكمة نفسها، كما تم الإشارة إلى ذلك سابقًا.
ثالثا // اعتبار محكمة الاستئناف جهة مستقلة بنظر بعض الطعون ذات الطبيعة الخاصة
كالطعن في المقررات الصادرة عن مجلس هيئة المحامين، وكذلك الطعن في انتخاب النقيب ومجلس الهيئة وفقًا للمادة 94 من القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة ، أو الطعن في قرار النقيب المتعلق بتحديد وأداء الأتعاب، وفي قرار الإذن للمحامي بالاحتفاظ بملف القضية وفقًا للمادة 96 من القانون المنظم لمهنة المحاماة.
ومع إسناد الاختصاص لمحكمة الاستئناف ورئيسها بالبت في هذه الطعون، فإن القرارات الصادرة عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وغرفة المشورة بها تخضع للطعن بالتعرض والنقض، وفق الشروط والقواعد والآجال العادية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية.
رابعا // إلزامية حضور النيابة العامة في الجلسات الزجرية :
تنص المادة 72 من قانون التنظيم القضائي على ما يلي :” يجب حضور ممثل النيابة العامة في جلسات القضايا الزجرية لمحاكم الاستئناف تحت طائلة بطلان المسطرة والحكم. يعتبر حضور ممثل النيابة العامة في الجلسة اختياريا في جميع القضايا الأخرى، عدا الأحوال المحددة بمقتضى قانون المسطرة المدنية، وخاصة إذا كانت النيابة العامة طرفا أصليا، وفي جميع الأحوال الأخرى المقررة بمقتضى نص قانوني خاص.يجب حضور المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق في جلسات القضايا الإدارية التي يختص بها القسم المتخصص في القضاء الإداري بمحكمة الاستئناف.
يدلي المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق بكل استقلال بآرائه مكتوبة، ويمكن له توضيحها شفهيا لهيئة الحكم بالجلسة، سواء فيما يتعلق بالوقائع أو بالقواعد القانونية المطبقة عليهايحق للأطراف الحصول على نسخة من المستنتجات الكتابية للمفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق. لا يشارك المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق في المداولات “.
أقر المشرع في هذه المادة على وجوب حضور النيابة العامة في كافة الجلسات الزجرية التي تعقدها محكمة الاستئناف، سواء كانت تلك الجلسات تنظر القضايا بشكل ابتدائي أو استئنافي. وفي حال غياب النيابة العامة، تُعتبر المسطرة باطلة بجميع إجراءاتها، بما في ذلك استماع الشهود، إجراء الخبرات، المعاينات، أو أي تدابير أخرى تم اتخاذها مثل تدابير المراقبة أو الحماية. وبالتالي، لا يمكن اعتماد أي من هذه الإجراءات في الدعوى المعروضة أمام المحكمة الزجرية أو في أي محكمة زجرية أخرى.
كما أن الحكم الصادر في غياب ممثل النيابة العامة يُعد باطلاً ويفتقر إلى أي حجية قضائية، ولا يترتب عليه أي أثر في مواجهة المتهم أو المطالب بالحق المدني، ولا يمكن لأي منهما التمسك به ضد الآخر. إضافة إلى ذلك، فإن بطلان هذا الحكم يُعتبر مقررا بمقتضى القانون دون توقف تقرير هذا الوصف على إثارة أحد الأطراف له أمام المحكمة الأعلى درجة، متى كانت المحكمة التي تجاهلت حضور النيابة العامة قد بتت ابتدائيا في القضية.
بل يحق للمحكمة التي تنظر القضية استئنافياً التصريح ببطلانه من تلقاء نفسها فور الاطلاع على عدم حضورها للجلسة الصادر فيها، وأن تُعيد القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم للفصل فيها مجددًا وفقًا للقانون؛ كما يُعتبر عدم حضور النيابة العامة سببًا مبررًا لطلب نقض وإبطال الحكم أو القرار الصادر والتمسك بذلك أمام محكمة النقض.
وفي غير القضايا الزجرية المشار إليها أعلاه، يعتبر حضور ممثل النيابة العامة في الجلسة اختياريا في بقية القضايا الأخرى، لا سيما المدنية منها؛ عدا في الأحوال المحددة بمقتضى قانون المسطرة المدنية والتي يلزم فيها المشرع بحضورها، فيكون تواجدها بالجلسة واجبا، خاصة إذا كانت النيابة العامة طرفا أصليا، وفي جميع الأحوال الأخرى المقررة بمقتضى نصوص قانونية خاصة.
وعند التدقيق في مقتضيات الفقرة الثانية من المادة محل الشرح، لا سيما في الاستثناء المقرر بشأن إلزامية حضور النيابة العامة في القضايا المدنية التي تقرر فيها بعض القوانين الخاصة وجوب ذلك، أو في الحالات التي تكون طرفا أصليا، يبدو أن المشرع قد حسم بما لا يدع مجالا للشك بشأن التضارب الحاصل في قضية إلزامية أو ختيارية حضورها من عدمه.
الأمر الذي يعني بمفهوم المخالفة عدم جواز الخيار ووجوب الحضور كلما نص على حضورها نص خاص، أو كانت طرفا أصليا في نوع معين من القضايا مثل قضايا الأسرة مثلا.
غير أن هذا الاعتقاد سرعان ما يتبدد، مبدئيًا ومن النظرة الأولى، عند مراجعة البناء التركيبي للفقرة الثانية التي لم تذكر أي جزاء على عدم الامتثال لمقتضياتها، بخلاف ما فعله المشرع في الفقرة الأولى، حيث قرر جزاء بطلان الحكم والإجراءات التي أدت إليه في حالة الإخلال بها.
ويتضح ذلك بشكل أكبر من خلال ما يعزم المشرع على إقراره من مقتضيات جاء بها في مشروع قانون المسطرة المدنية حينما نص في المادة 13 على أن ” حضور النيابه العامة في الجلسة غير الزامي، إلا إذا كانت طرفا أصليا أو كان حضورها واجبا قانونا، ومع ذلك فإن إدلاءها بمستنتجاتها الكتابية يغني عن حضورها في الجلسة عند الاقتضاء”.
في هذه المادة، كأن المشرع يقر المبدأ العام بعدم إلزامية الحضور في الجلسات المدنية، ثم يحدد الاستثناءات التي تقتضي حضور النيابة العامة إذا كانت طرفا أصليا أو كان حضورها واجبًا بموجب القانون، ثم ينقلب على الاستثناء راجعا إلى الأصل بعد تقريره وبطريقة الالتفاف على النص بصيغة الاستدراك مؤكدا “ومع ذلك فإن إدلاءها بمستنتجاتها الكتابية يغني عن حضورها في الجلسة عند الاقتضاء”.
ومعلوم من الناحية العملية وواقع الممارسة بالمحاكم الابتدائية أن إقرار هذا المقتضى يعني حتما الاستمرار على ما كان عليه الأمر سابقا بعدم حضور النيابة العامة. حيث يتم الاكتفاء بإدلاء النيابة العامة بمستنتجاتها الكتابية دون الحضور الفعلي، تحت مبرر “الاقتضاء” الذي قد يُفسر بعدة أسباب مثل قلة عدد القضاة، أو الضغط المتزايد عليهم، أو أن المصلحة تقتضي عدم حضور النيابة العامة بناءً على طبيعة القضايا وخصوصية المنازعات، أو غيرها من المبررات.
وفي إطار موازٍ لضرورة حضور النيابة العامة في القضايا الزجرية، فقد أوجب المشرع حضور المفوض الملكي في جلسات القضايا الإدارية التي يختص بها القسم المتخصص في القضاء الإداري بمحكمة الاستئناف. وتتمثل مهمته في الدفاع عن القانون والحق، دون انحياز لأي طرف، سواء كان الدولة ومؤسساتها أو الأفراد ومطالبهم. ويكون الهدف الأساسي للمفوض الملكي هو الحرص على تطبيق القانون بما يضمن حفظ الحقوق، سواء كانت حقوقًا خاصة أو عامة.
وبعد إقرار وجوب حضور المفوض الملكي في الجلسات، منح المشرع له صلاحية الإدلاء بآرائه مكتوبة، مع إمكانية توضيحها شفهيا لهيئة الحكم خلال الجلسة، سواء فيما يتعلق بالوقائع أو بالقواعد القانونية المطبقة عليها.
ونظرًا لأن الدعوى هي ملك لأطرافها، ورأي المفوض الملكي جاء بمناسبتها ولأجلها، ونظرًا لأن رأي المفوض الملكي قد يؤثر في مصير الدعوى، أقر المشرع بحق الأطراف في الحصول على نسخة من المستنتجات الكتابية للمفوض الملكي. وقد ختمت هذه المادة بعدم جواز مشاركة المفوض الملكي في المداولات، واقتصار ذلك على قضاة الحكم الذين تتألف منهم الهيئة التي نظرت القضية.
Share this content: