التحقيق الإعدادي : إجراءات الطعن وإعادة التحقيق
الفقرة الأولى – بطلان إجراءات التحقيق :
حدد المشرع عند وضعه لقانون المسطرة الجنائية بعض القواعد الشكلية والموضوعية، وأوجب على قاضي التحقيق اتباعها توفيرا للضمانات الفردية وتأمينا لشروط المحاكمة العادلة. ورتب على مخالفة بعضها بطلان الإجراءات المعيبة والإجراءات الموالية لها، وحددت المادة 210 من قانون المسطرة الجنائية هذه الإجراءات في ثلاث فئات:
– الفئة الأولى: مخالفة مقتضيات المادتين 134 و 135 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقتين بمثول المتهم أمام قاضي التحقيق لأول مرة واستنطاقه ابتدائيا، ولا سيما عدم إشعاره بحقه في تنصيب محام، أو إهمال إشعاره بحريته في الإدلاء بتصريحات أو عدم الإدلاء بها، وحقه في الخضوع لفحص طبي إذا كان موضوعا تحت الحراسة النظرية.ا
– الفئة الثانية: مخالفة مقتضيات المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية بشأن سماع المتهم أو الطرف المدني أو مواجهتهما بحضور دفاعهما إلا إذا تنازلا عن ذلك، أو إذا لم يحضر المحامي رغم استدعائه بيومين كاملين على الأقل قبل الاستنطاق أو المواجهة برسالة مضمونة.
وكذلك عدم وضع ملف القضية رهن إشارته بيوم واحد على الأقل قبل الاستنطاق غير أنه لا يترتب البطلان عن خرق هذه المقتضيات إذا نص محضر الاستنطاق أو المواجهة على حضور المحامي وعدم دفعه باي إخلال يتعلق بالاستدعاء أو بالاطلاع على ملف القضية.
– الفئة الثالثة: مخالفة المقتضيات المتعلقة بالتفتيش المنصوص عليها في المواد 59 و 60 و 62 من قانون المسطرة الجنائية والمادة 101 من قانون المسطرة الجنائية التي تخول لقاضي التحقيق إجراء التفتيش، وتنص على بطلان التفتيش الذي لم يتقيد بمقتضيات المواد 59 و 60 و 62 من قانون المسطرة الجنائية. مع العلم أن أثر البطلان يطال الإجراء المعيب والإجراءات التي تترتب عنه وفقا لما حددته المادة 63 من قانون المسطرة الجنائية.
و تحال حالات البطلان طبقا لمقتضيات المادة 211 من قانون المسطرة الجنائية على الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي تقرر ما إذا كان البطلان مقصورا على الإجراء الفاسد أو يمتد إلى الإجراءات اللاحقة كلا أو بعضا والمعيار في التصريح ببطلان الإجراءات اللاحقة للإجراء المعيب هو أن تكون هذه الإجراءات مرتبطة به ومترتبة أو ناتجة عنه، طبقا للقاعدة التي تقول إن ما بني على الباطل باطل.
أما إذا كانت الإجراءات اللاحقة مستقلة عن الإجراء المعيب ولا تأثير له عليها، فإنه لا مبرر للتصريح ببطلانها.
و تسحب من ملف التحقيق وثائق الإجراءات التي أبطلت وتحفظ بكتابة الضبط بمحكمة الاستئناف، ولا يمكن الرجوع إليها لاستخلاص أدلة ضد الأطراف في الدعوى، وإلا تعرض المسؤولون عن ذلك لمتابعات تأديبية، سواء كانوا قضاة أو محامين.
الفقرة الثانية – استئناف أوامر قاضي التحقيق :
ينظم المشرع استئناف أوامر قاضي التحقيق في المواد من 222 إلى 227 من قانون المسطرة الجنائية، ولكل أطراف التحقيق ممارسة الحق في استئناف هذه الأوامر دون الطعن فيها بالنقض، ويجب التمييز بالنسبة لاستئناف أوامر قاضي التحقيق بين النيابة العامة (أولا) والمتهم (ثانيا)، والطرف المدني (ثالثا).
أولا – استئناف النيابة العامة :
تمثل النيابة العامة مركزا قانونيا مهما في جميع مراحل الدعوى العمومية وتمارس رقابة قضائية على أوامر قاضي التحقيق، لاسيما وأنه لا يصدر أوامره القضائية إلا بعد ملتمسات النيابة العامة، واطلاعها على كل ما يتم اتخاذه من إجراءات، وما تقوم به من تقديم ملتمسات كتابية تضمنها ملاحظاتها وآرائها بشأن سير إجراءات التحقيق، كل ذلك يرجع لمركزها القانوني باعتبارها طرف أصلي وأساسي في الدعوى العمومية.
وبناء عليه، يحق للنيابة العامة أن تستأنف لدى الغرفة الجنحية كل أمر قضائي يصدره قاضي التحقيق، باستثناء الأوامر الصادرة بإجراء خبرة طبقا لمقتضيات المادة 196 من قانون المسطرة الجنائية.
وكلما اختلفت أوامر قاضي التحقيق مع ملتمسات النيابة العامة، يحق لهذه الأخيرة استئنافها عن طريق تقديم تصريح يرفع إلى كتابة الضبط بالمحكمة التي يتواجد بها قاضي التحقيق في اليوم الموالي لإشعارها بصدور الأمر، وتترتب عن استئناف النيابة العامة مجموعة من الآثار القانونية نجملها فيما يلي:
– بقاء المتهم معتقلا في حالة صدور أمر بالإفراج المؤقت إلى حين انصرام أجل الاستئناف المتمثل في اليوم الموالي لإشعار النيابة العامة بهذا الأمر.
– تسري نفس المقتضيات أعلاه، إذا تعلق الأمر برفع المراقبة القضائية.
– إبقاء المتهم في حالة اعتقال إلى أن يتم البت من طرف الغرفة الجنحية.
ثانيا – استئناف المتهم :
تخول المادة 223 من قانون المسطرة الجنائية للمتهم حق استئناف أوامر قاضي التحقيق في الحالات التالية:
– المنازعة في طلبات الطرف المدني (المادة (94).
– الأمر بالإيداع في السجن (المادة 152).
– الأمر بالاعتقال الاحتياطي في الجنح (المادة 176).
– الأمر بالاعتقال الاحتياطي في الجنايات (المادة (177).
– الأمر برفض الإفراج المؤقت (المادة (179).
– الأمر برفض إجراء الخبرة (المادة (194).
– الأمر برفض إجراء خبرة مضادة أو تكميلية (المادة 208).
– البت في شأن رد الأشياء المحجوزة (216).
– والقرار المتعلق بتصفية صوائر الدعوى (المادة 216).
– والقرار المتعلق بتصفية صوائر الدعوى والقرار المتعلق بنشر قرار عدم المتابعة بالصحف وكذلك ما يتعلق منه بتحديد البيانات القابلة للنشر (المادة (216).
– الأمر بالبت في الاختصاص (المادة (223).
ويقدم الاستئناف بتصريح إلى كتابة ضبط المحكمة التي يوجد بها مقر قاضي التحقيق خلال الثلاثة أيام الموالية ليوم تبليغ الأمر إلى المتهم طبقا للمادة 220 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تقضي بالشكليات التالية:
– توجه إلى محامي المتهم ومحامي الطرف المدني خلال الأربع والعشرين ساعة الموالية لكل أمر قضائي رسالة مضمونة لإشعاره بالأمر الصادر عن قاضي التحقيق.
– يتم إشعار المتهم والطرف المدني بنفس الكيفية وضمن نفس الأجال بالأوامر القضائية بانتهاء التحقيق وبالأوامر التي يمكن استئنافها.
– إذا كان المتهم معتقلا يخبره بذلك رئيس المؤسسة السجنية.
– يشعر كاتب الضبط النيابة العامة بكل أمر قضائي في نفس يوم صدوره.
وإذا كان معتقلا فيقدمه إلى كتابة ضبط المؤسسة السجنية، وعلى رئيسها أن يقوم بتوجيه التصريح المذكور إلى كتابة الضبط للمحكمة في ظرف أربع وعشرين ساعة لإضافته إلى الملف تحت طائلة تعرضه لعقوبات تأديبية. ويعتبر تاريخ التصريح بالسجن هو تاريخ الطعن.
ثالثا – استئناف المطالب بالحق المدني :
طبقا للمادة 224 من قانون المسطرة الجنائية، يمكن للطرف المدني أن يستأنف لدى الغرفة الجنحية الأوامر التالية: الأوامر الصادرة بعدم إجراء التحقيق؛ و الأوامر الصادرة بعدم المتابعة؛ و الأوامر التي تمس بمصالحه المدنية؛ و الأوامر التي تبت في الاختصاص.
وفي نفس الإطار، منع المشرع على المطالب بالحق المدني استئناف الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق والمتعلقة باعتقال المتهم أو أي مقتضى من مقتضيات أمر قضائي يتعلق بهذا الاعتقال، أو بالمراقبة القضائية، ويمكن للطرف المدني استئناف الأمر الذي بيت في الاختصاص الصادر عن قاضي التحقيق، إما تلقائيا أو بناء على دفع الأطراف بعدم الاختصاص، ويقدم الطرف المدني استئنافه طبق الكيفيات المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 223 من قانون المسطرة الجنائية، وهي نفسها التي يقدم بها المتهم استئنافه خلال الثلاثة أيام الموالية لتبليغ الأمر القضائي في موطنه الحقيقي أو المختار.
ويترتب عن الطعن بالاستئناف في إحدى أوامر قاضي التحقيق توجيه نسخة أو نظير من ملف التحقيق إلى النيابة العامة داخل أجل أربع وعشرين ساعة من تاريخ الاستئناف، وإذا كان الأمر يتعلق بالمحكمة الابتدائية، يحيل وكيل الملك لديها الملف خلال ثمان وأربعين ساعة على الوكيل العام للملك، الذي يتعين عليه توجيه الملف مرفقا بملتمساته إلى الغرفة الجنحية خلال خمسة أيام على الأكثر من تاريخ التوصل به (طبقا للمادة 225 من ق.م.ج).
ويواصل قاضي التحقيق أعمال وإجراءات التحقيق إذا كان الأمر القضائي المستأنف لا علاقة له بانتهاء التحقيق ما لم تصدر الغرفة الجنحية مقرراً بخلاف ذلك (المادة 226 من ق.م.ج)، وعليه، يترتب على استئناف أوامر قاضي التحقيق أثران :
– أثر موقف للاستئناف، بمعنى أن الأمر الذي تعرض للطعن لا يمكن تنفيذه إلا بعد البت من طرف الغرفة الجنحية في الطعن المرفوع إليها مالم تصدر قرار يقضي بخلاف ذلك.
– أثر ناشر، أي عرض القضية برمتها على الدرجة القضائية الثانية، حيث تعيد النظر فيها من جديد، غير أنه بالنسبة لأوامر قاضي التحقيق، فلا يحق للغرفة الجنحية كدرجة استئنافية أن تبت في القضية برمتها، لأن نطاق تدخلها يكون محدود سواء بالنسبة للأوامر المستأنفة – دون أن تتعداه إلى ما سواه – التي أثير بشأنها الطعن، أو بالنسبة للأشخاص حيث تكون مقيدة في حدود وضعية المستأنفين وحدهم، ولا يمكن والحالة هذه الاستفادة من الأثر الناشر، ما عدا المتهم المستأنف بمفرده.
Share this content: