إجراءات البحث في حالة التلبس بالجريمة: من التنقل والتفتيش إلى الحراسة النظرية
|

إجراءات البحث في حالة التلبس بالجريمة: من التنقل والتفتيش إلى الحراسة النظرية

تمثل إجراءات البحث والتحري الأولي في التثبت من وقوع الجريمة، وتتطلب من ضابط الشرطة القضائية مغادرة مكتبه إلى مكان اقتراف الجريمة من أجل الوقوف عليها وجمع الأدلة والحيلولة دون اندثارها، وإيقاف مرتكبيها الذي غالبا ما يكون في عين المكان، وهذه المرحلة تتطلب القيام بمجموعة من الإجراءات والعمليات تمس حريات الأفراد وحقوقهم الأساسية وأمنهم القانوني

أولا – التنقل والتفتيش والحجز :

إن البحث في كل جريمة ينطلق أساساً من مكان وقوعها. ولذلك فإن الانتقال إلى مسرح الجريمة يعد من أهم الإجراءات التي يعتمد عليها بحث ضابط الشرطة القضائية. وإذا كان التنقل إلى عين المكان ومعاينته من أهم عناصر البحث الجنائي، فإن خيوط هذا البحث قد تقود ضابط الشرطة القضائية إلى تفتيش المنازل وغيرها من المحلات وحجز ما بها من أدوات إثبات للجريمة.

1 – إشعار النيابة العامة بالجريمة والانتقال إلى مكان وقوعها :

يجب على ضابط الشرطة القضائية بمجرد علمه وإشعاره بحالة تلبس بجنحة أو جناية أن ينتقل فورا إلى عين المكان للقيام بالمعاينات المفيدة قصد إظهار الحقيقة مع إخبار النيابة العامة بهذا التنقل.

تنص الفقرة الأولى من المادة 57 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: “يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي أشعر بحالة تلبس بجنحة أو جناية أن يخبر بها النيابة العامة فوراً وأن ينتقل في الحال إلى مكان ارتكابها لإجراء المعاينات المفيدة”.

ويكتسي الانتقال الفوري إلى مكان وقوع الجريمة أهمية بالغة باعتباره مسرح تنفيذها ويحتوي على آثارها المختلفة والمعالم الناطقة بارتكابها وهو الشاهد الأول على الجاني أو الجناة، مما يتعين معه التعامل مع هذا الشاهد الصامت بنوع من الدقة والاحتياط وسبر أغواره لينطق بمعطيات تسعف ضابط الشرطة القضائية في بحثه وتحرياته من أجل الوصول إلى الحقيقة واكتشاف الفاعل إن كان قد لاذ بالفرار وتوارى عن الأنظار.

وقد يظهر لممثل النيابة العامة الانتقال بنفسه إلى مكان الجريمة، كما يمكن لقاضي التحقيق أيضا الانتقال، مما يعني تواجد ثلاث ضباط للشرطة القضائية، وبالتالي من يحق له مباشرة وانجاز إجراءات البحث التلبسي ؟

بخصوص هذه المسألة، ألزم المشرع ضابط الشرطة القضائية إشعار النيابة العامة بمجرد توصله بخبر وجود حالة تلبس بجناية أو جنحة، لا سيما وأنه يحق كذلك للوكيل العام للملك أو وكيل الملك الانتقال والقيام بإجراءات البحث التلبسي، إلا أنه لم يرتب أي جزاء أو أثر قانوني عند الإخلال بعدم إخبار النيابة العامة بالتنقل.

فالمشرع حسم هذا الإشكال وأسند لممثل النيابة العامة (الوكيل العام للملك أو وكيل الملك أو من ينوب عنهما) القيام بإجراءات البحث التمهيدي التلبسي بمجرد وصوله مكان الجريمة، وأن يرفع ضابط الشرطة القضائية العادي يده عليها، كما يبقى له الخيار – أي ممثل النيابة العامة- في مباشرة البحث بنفسه، أو تكليف أحد ضباط الشرطة القضائية بمواصلة البحث.

وإذا انتقل أحد أعضاء النيابة العامة إلى مكان الجريمة، وانتقل قاضي التحقيق أيضا مع تواجد ضابط الشرطة القضائية، فقد حسمت المادة 25 من قانون المسطرة الجنائية في الضابط المختص بقولها: “إذا حضر قاضي التحقيق بمكان وقوع الجناية أو الجنحة المتلبس بها، فإن الوكيل العام للملك أو وكيل الملك وضباط الشرطة القضائية يتخلون له عن القضية بقوة القانون.

يقوم قاضي التحقيق في هذه الحالة بجميع أعمال ضباط الشرطة القضائية المنصوص عليها في هذا الباب وله أن يأمر أيا من ضباط الشرطة القضائية بمتابعة العمليات. يرسل قاضي التحقيق إلى الوكيل العام للملك أو وكيل الملك بمجرد انتهاء تلك العمليات جميع وثائق التحقيق ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر.

وإذا حل بالمكان الوكيل العام للملك أو وكيل الملك وقاضي التحقيق في آن واحد، فلممثل النيابة العامة أن يلتمس مباشرة تحقيق قانوني يكلف بإجرائه قاضي التحقيق الحاضر، ولو أدى ذلك إلى خرق مقتضيات المادة 90 الآتية بعده”.

فقاضي التحقيق هو الذي تعود إليه الأولوية في القيام بإجراءات البحث التمهيدي التلبسي إذا حضر إلى مكان الجريمة عن ممثل النيابة العامة، وكذا الشرطة القضائية، إلا أن السؤال المطروح هو كيف يتم إعلام قاضي التحقيق والحال أن المادة 57 من قانون المسطرة الجنائية ألزمت ضابط الشرطة القضائية بإخبار النيابة العامة فقط ؟ وإخبار النيابة العامة من طرف ضابط الشرطة القضائية توجبه المواد 23 و 57 و 77 من قانون المسطرة الجنائية، حيث يجب على هذا الأخير أي الضابط إشعار ممثل النيابة العامة فورا بخبر وقوع جناية أو جنحة.

وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 128 يكرس ويوضح إشراف النيابة العامة على الشرطة القضائية، حيث ينص على أنه ” تعمل الشرطة القضائية تحت سلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق، في كل ما يتعلق بالأبحاث والتحريات الضرورية في شأن الجرائم وضبط مرتكبيها ولإثبات الحقيقة”.

وقد قضت المادة 58 من ق.م.ج. أن كل شخص غير مرخص له قانونا بتغيير حالة الأمكنة التي وقعت فيها الجريمة أو بإزالة أي شيء منها قبل إنجاز عمليات البحث التمهيدي، يعاقب إذا خالف هذا المنع بغرامة تتراوح بين 1200 درهم و 10.000 درهم باستثناء التغييرات التي تفرضها ضرورة المحافظة على السلامة أو الصحة العمومية أو يستلزمها تقديم الإسعافات الأولية للضحايا.

وإذا كانت الغاية من محو الأثر أو إزالة الأشياء هي محو آثار الجريمة وطمس معالمها لتضليل العدالة وعرقلة الأبحاث فإن العقوبة تصبح الحبس بين 3 أشهر و 3 سنوات والغرامة من 3.000 درهم إلى 12.000 درهم.

وعلى ضابط الشرطة القضائية أن يقوم بتدوين ما عاينه من معالم الجريمة وأدلتها في محضر، تسهيلا لمهمة القضاء في الوصول إلى الحقيقة، التي هي الغاية والهدف من إجراءات البحث أو المحاكمة.

2 – التفتيش :

حينما تكون الجريمة موضوع البحث التمهيدي مما يمكن إثباته بواسطة حجز مستندات أو أشياء أخرى موجودة في حوزة شخص تظن مشاركته في الجريمة أو شخص آخر، فإن ضابط الشرطة القضائية ينتقل فوراً إلى منزله ليجري فيه تفتيشاً عن الأشياء المذكورة.

وإذا تعلق الأمر بتفتيش أماكن معدة لاستعمال مهني يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني ( كعيادة طبيب أو مكتب موثق مثلا ) ، فعلى ضابط الشرطة ألا يجري التفتيش إلا بعد إشعار النيابة العامة المختصة واتخاذ جميع التدابير لضمان احترام السر المهني.

وإذا كان التفتيش أو الحجز سيجري بمكتب محام، فلا بد أن يتولى القيام به قاض من قضاة النيابة العامة بمحضر نقيب المحامين أو من ينوب عنه، أو على الأقل بعد إشعاره بأي وسيلة ممكنة. ثم يقوم القاضي بإجراء التفتيش في هذه الحالة حتى ولو لم يحضر النقيب أو ممثله.

والجدير بالذكر أنه في غير حالات المس بأمن الدولة (الداخلي أو الخارجي ) حيث تكون عدة جهات على الصعيد الوطني معنية بمهمة سلامة الدولة، فإنه لا يطلع على الأوراق والمستندات قبل الشروع في حجزها إلا ضابط الشرطة ومعاونوه والأشخاص المشار إليهم في المادة 60 من ق.م.ج. وهم صاحب المنزل أو ممثله أو شاهدين.

وسواء تم التفتيش في حالة التلبس بالجريمة من طرف ضابط الشرطة القضائية، أو اقتضت الضرورة أن يقوم به قاض من قضاة النيابة العامة (بالنسبة للمحامي)، فلابد من مراعاة المقتضيات التالية:

– إذا كان التفتيش سيجري في منزل مشتبه فيه فينبغي على ضابط الشرطة القضائية أن يدعو الشخص المذكور للحضور، أو يدعوه لينيب عنه شخصا آخر. وإذا تعذر ذلك لأي سبب من الأسباب فإن الضابط يستدعي شاهدين لحضور عملية التفتيش. وينبغي ألا يكون الشاهدان من الموظفين الخاضعين لسلطة الضابط.

– أما إذا كان التفتيش سيجرى في منزل شخص آخر غير المشتبه فيه، يحتمل أن يكون حائزا لوثائق ومستندات أو محجوزات لها ارتباط بالأفعال الإجرامية موضوع البحث، فإن هذا الشخص ينبغي أن يحضر التفتيش، وإذا تعذر ذلك فإن الضابط يدعوه لتعيين من يمثله، وإذا تعذر ذلك يتم التفتيش بحضور شاهدين من الأشخاص غير الخاضعين لسلطة الضابط.

أ – تفتيش النساء :

إذا كان التفتيش سيتم في أماكن توجد بها نساء، فعلى الضابط أن ينتدب امرأة لتفتيش النساء. وهذا المقتضى الذي جاءت به المادة 60 من قانون المسطرة الجنائية أتى لسد الفراغ التشريعي في المسطرة الجنائية. علماً أن بعض النصوص الخاصة كانت تنص عليه كالفصل 64 من قانون الدرك الملكي والمادة 68 من ظهير 1999/08/25 المتعلق بالمؤسسات السجنية.

وعلة اشتراط إجراء التفتيش في هذه الحالة من طرف امرأة هي صيانة الآداب العامة وحماية القيم الأخلاقية وعدم استباحة عرض المرأة حتى ولو كانت متهمة. كما يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يستدعي امرأة لحضور التفتيش الذي سيجريه بمنزل تعتمره نساء فقط.

فالدلالة اللغوية للمادة 60 من ق.م.ج. تفيد هذا المعنى أيضا، إذ نصت في فقرتها الثالثة على أن ” تحضر هذا التفتيش… ” فعبارة “هذا التفتيش” جاءت معطوفة على التفتيش الذي سيجريه ضابط الشرطة القضائية لمنزل الشخص المشتبه فيه أو الشخص الذي من المحتمل أن يكون حائزا لمستندات أو أشياء لها علاقة بالأفعال الإجرامية.

ويبدو أن المشرع المغربي قد تبنى نفس النهج الذي انتهجه المشرع المصري بشأن ضرورة انتداب ضابط الشرطة القضائية لإمرأة إذا طال التفتيش أنثى، فقد نصت المادة 46 من قانون الإجراءات المصري أنه ” إذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى ينتدبها لذلك مأمور الضبط القضائي”.

وغني عن البيان أن المادة 60 من ق.م.ج. لم تشترط في المرأة التي ينتدبها ضابط الشرطة القضائية لتفتيش الأنثى المتهمة شروطا معينة كتبعيتها لجهاز الشرطة القضائية، بل يكفي أن تكون موضوع ثقة من قبل ضابط الشرطة القضائية الذي انتدبها للقيام بالمهمة التي أوكلها إياها.

وتجدر الإشارة على أن المشرع لم يشترط بمقتضى المادة المذكورة توقيع المرأة التي انتدبها ضابط الشرطة القضائية لتفتيش الأنثى على المحضر، ولكن ينبغي احتراماً لشفافية الإجراءات الإشارة إلى هويتها بالمحضر.

ب – حجز الأشياء :

يعمل ضابط الشرطة القضائية على إحصاء الأشياء والوثائق التي يقرر حجزها لعلاقتها بموضوع الجريمة على الفور، ثم يلفها أو يضعها في غلاف أو وعاء أو كيس ويختم عليها.

وإذا استحال وضعها في آنية معينة فإن الضابط يختم عليها بطابعه. وهذا الإجراء يقصد به الحفاظ على الشيء المحجوز بعينيه ومنع تبديله أو تغييره حتى يتمكن القضاء من بسط مراقبته عليه عند الاقتضاء.

وفي الحالة التي يتعذر فيها إحصاء الأشياء المحجوزة على الفور، فإن ضابط الشرطة القضائية يختم عليها مؤقتا إلى أن يتأتى إحصاؤها والختم عليها نهائياً، ويتعين أن تتم هذه الإجراءات بحضور الأشخاص الذين حضروا عملية التفتيش.

ج – الإجبار على الامتثال :

يمكن لضابط الشرطة القضائية استدعاء أي شخص قصد الاستماع إليه ومده ببيانات ومعلومات مفيدة حول الأفعال موضوع البحث أو الأشياء أو الوثائق المحجوزة، وذلك لتسليط الأضواء الكافية على الواقعة موضوع التحريات. وإذا امتنع الشخص المستدعى فإن الضابط قد يلجأ إلى إرغامه على الحضور بعد إذن النيابة العامة (المادة 60 من ق.م.ج.).

ويعتبر هذا الإجراء من المستجدات الجديدة التي جاء بها القانون الجديد من شأنه أن يسد الفراغ الذي كان موجودا. وقد وضع المشرع بهذا المقتضى القانوني الجديد حداً للخلاف الذي كان يطبع سير مختلف النيابات العامة بالمملكة، فقد كان بعضها يأمر الضابطة القضائية صراحة بإجبار أي شخص ترتني الاستماع إليه أو البحث معه للحضور أمامها اعتماداً على أن من يملك الأكثر يملك الأقل، فالنيابة العامة التي تملك حق اعتقال الشخص المشتبه فيه تملك من باب أولى حق إصدار تعليماتها للضابطة القضائية بإجباره على الحضور للاستماع إليه أو البحث معه.

في حين كان البعض الآخر من النيابات العامة يقتصر على حث الضابطة القضائية على استعمال كافة الطرق القانونية من أجل ذلك، وهي بمثابة الإحالة على فراغ نظراً لخلو القانون الملغى من الإشارة إلى أية وسيلة من وسائل الإجبار، وإن كان بعض ضباط الشرطة القضائية يلجأون إلى التهديد بالوضع تحت الحراسة النظرية حينما يكون ذلك ممكنا.

وبالطبع فإن ضابط الشرطة القضائية ملزم بتحرير محاضر بالعمليات التي قام بها سواء عند التفتيش أو الحجز وكيفما كانت النتيجة التي انتهى إليها إيجابية أو سلبية. وغالبا ما ينجز محضرا واحداً للتفتيش والحجز.

وإن كان هذا لا يمنعه من إنجاز محضرين مستقلين إذا دعت إلى ذلك ضرورة البحث.ويجب أن توقع هذه المحاضر من طرف الضابط، كما يجب أن توقع من طرف الأشخاص الذين أجري التفتيش بمنازلهم أو من يمثلهم أو الشاهدين، أو يشار في المحضر إلى امتناعهم عن التوقيع أو الإبصام أو تعذره.

د – أوقات التفتيش :

على الرغم من كون التفتيش يتم في إطار البحث بشأن جريمة تتوفر فيها حالة التلبس فإن ضابط الشرطة القضائية ينبغي أن يقوم به خلال التوقيت القانوني المسموح فيه بتفتيش المنازل. وعليه فلا يجوز الشروع في التفتيش قبل الساعة السادسة صباحا ولا بعد الساعة التاسعة ليلا، إلا إذا طلب ذلك صاحب المنزل أو وجهت استغاثة من داخله أو في حالات خاصة يجيزها القانون.

غير أنه يمكن الاستمرار في عملية التفتيش التي شرع فيها خلال الوقت القانوني ومواصلتها دون توقف، ولو بعد دخول الوقت الممنوع، وذلك تفاديا لعرقلة إجراءات التفتيش. أي أنه إذا كان قد شرع في عملية التفتيش قبل الساعة التاسعة ليلا فإنه يمكن الاستمرار فيها ولو بعد تلك الساعة، فالعبرة في قانونية التوقيت هي لحظة بدء التفتيش.

إلا أن هذا لا يعني انتظار اقتراب نهاية التوقيت المسموح فيه بالتفتيش للشروع فيه والاستمرار بعد ذلك في ممارسة التفتيش خارج الوقت القانوني له، كأن يترقب الضابط دنو الساعة التاسعة ليلا بلحظات قليلة ليبدأ في التفتيش بغاية الاستمرار فيه خارج الوقت المباح دون أن يضطره لذلك أي سبب، في حين أنه كان يمكنه مباشرته قبل ذلك، أو تأخيره لوقت لاحق دون ضرر.

فعمل الشرطة القضائية مؤسس على الشرعية والمشروعية ولا ينبغي أن تمارس الإجراءات المسطرية بشكل تحايلي، وليس من المشروعية التحايل على القانون، ولا ينبغي أن يجعل من التفتيش عملية لانتهاك حرمة المنزل وتخويف ساكنته من نساء وأطفال في وقت متأخر من الليل.

غير أنه يحق لضابط الشرطة القضائية القيام بالتفتيش ولو كان الوقت القانوني لإجرائه يوشك على الانتهاء إذا دعت لذلك ضرورة ملحة للبحث، سيما في حالة الاستعجال إذا خيف تبديد أدوات الإثبات أو تعلق الأمر باحترام فترة الحراسة النظرية مثلا.وإذا تعلق الأمر بتفتيش محلات يمارس فيها بصفة معتادة عمل ليلي، فإن التفتيش يمكن أن يتم فيها في أي وقت.

والجدير بالذكر أن ما دعا المشرع إلى إباحة تفتيش هذا النوع من المحلات ولو خلال الأوقات التي يمنع فيها التفتيش ما بين الساعة 9 ليلا وقبل 6 صباحاً هو اعتياد ممارسة أنشطة وأعمال ليلية بهذه الأماكن وليس ممارستها بصفة عرضية، فلا ينبغي تناسي الحرمة التي يعطيها الدستور للمنازل.

ومن جهة أخرى فإذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية من بين الجرائم المنصوص عليها في القانون 03.03 الصادر في 28 ماي 2003، فإنه يمكن أن يجري التفتيش بإذن كتابي من النيابة العامة حتى خارج الأوقات المسموح بها إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث أو حالة الاستعجال القصوى، أو إذا كان يخشى اندثار الأدلة.

ه – بطلان التفتيش :

رتب القانون على عدم احترام الإجراءات المنصوص عليها في المواد 59 و 60 و 62 من ق.م.ج. بطلان الإجراء المعيب وما قد يترتب عنه من إجراءات.

والملاحظ أنه خلافا للفصل 65 من قانون المسطرة الجنائية الملغى الذي كان ينص على أن خرق الفصول 61 و 62 و 64 من يترتب عنه البطلان، مما أحدث جدلا فقهيا وقضائيا أدى إلى قول البعض ببطلان جميع إجراءات البحث التمهيدي، وقول البعض الآخر ببطلان الإجراء المعيب فقط وبقاء الإجراءات الأخرى المنجزة بصفة قانونية معمولا بها، فإن المادة 63 من قانون المسطرة الجنائية الجديد قررت صراحة بطلان الإجراء المعيب والإجراءات التي تترتب عنه انطلاقا من القاعدة الفقهية ما بني على باطل فهو باطل.

فالإجراء المعيب يعد باطلا ومبطلا لما يترتب عنه من إجراءات.وعليه فإذا تقرر بطلان محضر التفتيش والحجز بسبب خرق الإجراءات المسطرية فإن ذلك لا يؤدي إلى بطلان محضر البحث التمهيدي الذي يتضمن تصريحات المتهم وباقي الإجراءات الأخرى السليمة التي لم تترتب عن الإجراء الباطل، حيث يجوز للمحكمة الأخذ بها. وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية بقولها بطلان التفتيش لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها التفتيش.

و – سرية التفتيش :

وأخيرا فإن المادة 61 من قانون المسطرة الجنائية عاقبت كل من قام بإفشاء فحوى وثيقة تم حجزها أثناء التفتيش إلى شخص غير مؤهل قانونا للإطلاع عليها، دون موافقة الشخص المحجوز منه أو ذوي حقوقه، أو من وقع عليها، أو من وجهت إليه، ولو كان ذلك لفائدة البحث. وحددت العقوبة في الحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر والغرامة من 1200 درهم إلى 2000 درهم.

وترمي هذه العقوبة إلى توفير الحماية والحصانة للأسرار التي تتضمنها هذه المستندات، بحيث لا يطلع عليها الأغيار دون إذن أصحابها.

وهذا المنع يسري أيضا على الشخص الذي ينوب عن صاحب المنزل موضوع التفتيش كما يسري على الشاهدين اللذين يعينهما الضابط لحضور عملية التفتيش، وعلى المرأة التي تنتدب لتفتيش النساء.ولم يكتف المشرع بالعقوبة المقررة في المادة 15 من ق.م.ج. بشأن سرية البحث والتحقيق، لأنه أراد بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 61 من ق.م.ج. حماية الحياة الخاصة وحرمة المساكن.

ثانيا – الاستعانة بالأشخاص المؤهلين :

تخول المادة 64 من ق.م.ج. لضابط الشرطة القضائية إذا اقتضى الأمر القيام بمشاهدات ضرورية الاستعانة بأهل الخبرة وهذا لا يعني أن ضابط الشرطة ينتدب خبراء لإنجاز هذه المأمورية على اعتبار أن سلطة انتداب الخبراء موكولة للسلطة القضائية ( قاضي التحقيق أو المحكمة ) لأن الخبرة وسيلة من وسائل التحقيق القضائي،

وعليه فصلاحية الشخص الذي تستعين به الشرطة القضائية تقتصر على مشاهدة الوقائع والأدلة التي تتعرض بسرعة للاندثار ويكون من شأن الكشف عن حقيقتها قبل تلاشيها المساعدة على الوصول إلى الحقيقة. وهذه الصلاحية المخولة لضابط الشرطة مشروطة بأمرين.

أولهما: أن تكون المعاينة لا تقبل التأخير، كما لو كانت الأشياء المطلوب مشاهدتها معرضة للاندثار والتلاشي، ويتعذر تدارك الأمر فيما بعد أثناء عرض القضية على قاضي التحقيق أو المحكمة، بحيث إذا لم يعرضها الضابط على الشخص المؤهل حالا فقدت المحاكمة عنصرا من العناصر التي قد تكشف لها الحقيقة.

ثانيهما: أن يقتصر عمل الشخص المؤهل ( سواء كان خبيرا مسجلا في اللائحة أو غير مسجل فيها) على إبداء رأيه الفني المستخلص من مشاهدته للواقعة المعرضة للاندثار مستعينا في ذلك بوسائل وأدوات فنية وعلمية لإبداء رأيه بما يمليه عليه شرفه وضميره.

وقد كان الفصل 66 من القانون الملغى يوجب على الخبير المعين لهذه المهمة أداء اليمين بصيغة غير محددة. وقد أحسن المشرع صنعا في المسطرة الحالية حينما لم يلزم الشخص المؤهل بأداء اليمين طالما أنه لا يستعان به بصفته خبيراً قضائيا، وإنما بصفته صاحب علم ومعرفة في مجال تخصصه، تقتصر مهمته على معاينة ما يراه وإعطاء رأيه فيه وفقا لما يمليه عليه شرفه وضميره.

كما أن المادة 77 من ق.م.ج سمحت لممثل النيابة العامة أن يقوم شخصياً أو بواسطة ضابط للشرطة القضائية بالاستعانة بذوي الكفاءة لتحديد ظروف وفاة مشكوك فيه. وهذا ما يسمح بتسخير الطبيب الشرعي للقيام بتشريح أو فحص أو معاينة لجثة من أجل تحديد ظروف الوفاة والكشف عن أسبابها.

ثالثا – التحفظ على الأشخاص بمكان التحريات :

يمكن لضابط الشرطة القضائية أن يمنع كل شخص يظهر له أنه مفيد في تحرياته المتعلقة بالكشف عن الجريمة من الابتعاد عن مكان وقوعها. ويستمر هذا المنع إلى غاية إتمام الضابط تحرياته بمكان الجريمة، ولم تحدد المادة 65 من ق.م.ج. الفترة الزمنية لهذا المنع، إلا أن ظاهر النص يوحي بأن الأمر يتعلق بإتمام التحريات المجراة بمكان الجريمة المتلبس بها وليس إتمام البحث كله.

فالأمر يتعلق بمنع الابتعاد من مكان وقوع الجريمة ولا يبدو مستساغاً أن يظل الشخص المفروض عليه هذا الإجراء واقفاً بمكان الجريمة أياماً أو شهوراً لحين نهاية البحث، ولا حتى ساعات طويلة.

كما خولت هذه المادة الصلاحية لضابط الشرطة في التحقق من هوية أي شخص تبين له أنه من الضروري التعرف على هويته والتحقق منها. وقد تتم هذه العملية في مكان الجريمة، إذا وجد الشخص بذلك المكان أو قريباً منه.

وقد يتعلق الأمر بالتعرف على هوية أي شخص آخر يفترض أن له علاقة بالجريمة، كما لو بلغ لعلم ضابط الشرطة القضائية أن شخصا تنطبق عليه أوصاف معينة قد كان بصحبة القتيل مثلا، فإنه يمكن مطالبة كل شخص تنطبق عليه تلك الأوصاف بالإدلاء بالهوية أو التأكد منها.

ويلزم القانون كل شخص طالبه ضابط الشرطة القضائية بمعاينة هويته أو التحقق منها بالامتثال لطلب الضابط وللعمليات التي قد يستلزمها هذا التدبير، وقد تكون تفتيشا جسمانيا أو قياساً للطول أو أخذا للبصمات أو مقارنة مع بعض الصور، وقد تكون مجرد الإدلاء بوثائق تثبت الهوية، أو الإجابة على بعض الأسئلة.

ويرتب القانون على عدم الاستجابة لضابط الشرطة القضائية عقوبة تتراوح بين الاعتقال من يوم واحد إلى عشرة أيام وغرامة تتراوح بين 200 درهم و 1200 درهم أو إحدى العقوبتين فقط. وينبغي الإشارة هنا إلى القاعدة التي رسمها المشرع بشأن تفتيش النساء بواسطة امرأة.

رابعا – الحراسة النظرية :

يعتبر الوضع تحت تدابير الحراسة النظرية من أخطر الإجراءات التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية الماسة بالحرية الشخصية التي تباشر أثناء البحث التمهيدي. والتي من شأنها تقييد حرية المشتبه فيه وحرمانه من التنقل، لذلك أحاطه المشرع بعدة ضمانات تفاديا لكل شطط وتعسف، وألزم المشرع ضابط الشرطة القضائية بتوثيق جميع العمليات التي يقوم بها بدءا من الانتقال إلى مكان الجريمة والقيام بالمعاينات الضرورية، مرورا بإجراءات التفتيش والحجز بالاحتفاظ بالأشخاص ووضعهم تحت الحراسة النظرية والاستماع إليهم وتقديمهم إلى النيابة العامة.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *