أوامر قاضي التحقيق: من الأمر بالحضور إلى الإعتقال الإحتياطي وإجراء الخبرة
خول القانون لقاضي التحقيق صلاحيات واسعة للتأكد من الاتهام ومن الأدلة المقدمة إليه، لتأكيد أو دفع الاتهام. وبالتالي للكشف عن الحقيقة، من خلال الإجراءات المتعلقة بجمع الأدلة كالتنقل والتفتيش، والحجز، والتقاط المكالمات والاستماع إلى الشهود، والخبرة.
ولما كان استنطاق المتهم هو أهم إجراءات البحث عن الدليل، فقد وضع القانون بين يدي قاضي التحقيق مجموعة من الآليات الإجرائية، التي تتعلق بشخص المتهم، عليه أن يعمل على تسخيرها بعيدا عن المؤثرات والأهواء، وفي خدمة العدالة وإحقاق الحق، وبكيفية تنم عن حنكته واستقامته. وأن يراعي عند تقريرها عدم المساس بالحقوق الدستورية للمواطنين.
وهذه الآليات منها ما هو متعلق ومرتبط بشخص المتهم، ويهدف إلى الحد من حريته أو إجباره على المثول أمام قاضي التحقيق وهي الأمر بالحضور والأمر بالإحضار والأمر بالإيداع في السجن والأمر بإلقاء القبض أو الأمر بالاعتقال الاحتياطي. ومنها ما يتعلق بالحد من بعض حقوقه كالأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية، والأمر بتحديد كفالة مالية أو شخصية، والأمر بإغلاق الحدود وسحب جواز السفر.
أما الأوامر التي لا تساعد قاضي التحقيق في البحث عن الدليل، كالأمر بإرجاع الحالة والأمر برد الأشياء المحجوزة، والأمر ببيع الأشياء المحجوزة التي يخشى فسادها، فإنها تتضمن قواعد إجرائية، وأسند القانون أمر إصدارها إلى قاضي التحقيق لتعلق موضوعها بالقضايا المعروضة عليه ويضمن البت فيها مصلحة للضحايا أو لأطراف الدعوى.
يشترط في الأوامر المتعلقة بشخص المتهم والهادفة إلى إجباره على المثول أمام قاضي التحقيق والمنصوص عليها في الباب الثامن من القسم الثالث من الكتاب الأول، والنافذة المفعول في جميع أنحاء المملكة، أن تتحقق فيها إلى جانب الشروط الخاصة بكل واحد منها، الشروط العامة التالية:
1- أن تتم عمليات الضبط والإحضار المأمور بها تحت إشراف قاضي التحقيق ومراقبته.
2 – وأن يشار في كل أمر إلى نوع التهمة وإلى المواد القانونية المطبقة.
3 – وأن تتضمن الأوامر هوية المتهم ورقم بطاقة تعريفه عند الاقتضاء.
4 – وأن يؤرخها قاض التحقيق ويوقعها ويختمها بطابعه.
5 – وأن يحترم حين إنجازها، القواعد المشار إليها سابقا بشأن الاستعانة بترجمان وبالتخاطب مع الصم والبكم.
أولا – الأمر بالحضور :
عرفت المادة 144 من قانون المسطرة الجنائية الأمر بالحضور بأنه ” إنذار يوجهه قاضي التحقيق للمتهم للحضور أمامه في تاريخ وساعة محددين “. وهو بذلك شبيه بالاستدعاء الذي توجهه المحكمة، ولا يقيد حرية المتهم، إلا أنه في حالة عدم امتثال المتهم له، فلقاضي التحقيق أن يلجأ إلى إصدار أوامر أخرى أشد لإحضاره بالقوة. فهو بمثابة إنذار بالحضور قبل استعمال وسائل أخرى للإجبار على الحضور.
يبلغ هذا الأمر إلى المتهم بواسطة عون قضائي أو بواسطة الشرطة القضائية أو القوة العمومية. وعلى قاضي التحقيق أن يستنطق المتهم بمجرد حضوره. ويحق للمحامي أن يحضر إلى جانب المتهم خلال الاستنطاق.
ثانيا – الأمر بالإحضار :
عرفت المادة 146 من ق.م.ج. الأمر بالإحضار بأنه ” الأمر الذي يعطيه قاضي التحقيق للقوة العمومية لتقديم المتهم أمامه في الحال”، ونظرا لطبيعة الأمر بالإحضار المتجلية في التنفيذ المادي بتقييد حرية المتهم وإلزامه بالحضور، فإن القانون أوكل أمر تبليغه وتنفيذه إلى أعوان القوة العمومية المؤهلين قانونا لضبط الأشخاص ونقلهم جبرا ولو لم يكونوا ينتمون إلى جهاز الشرطة القضائية.
ويمكن في حالة الاستعجال نشر الأمر بإحضار المتهم الحر بكافة الوسائل طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 146 من ق.م.ج. وتسليم أصله إلى الجهة المكلفة بتنفيذه. وتختلف طريقة تبليغ وتنفيذ الأمر بالإحضار تبعا للوضعية التي يكون عليها المتهم من حيث كونه معتقلا أو حرا.
1) إحضار المتهم الحر :
تختلف كيفية التنفيذ بحسب ما إذا كان المتهم الحر ( أي غير المعتقل) يوجد داخل الدائرة القضائية للمحكمة التي يعمل بها قاضي التحقيق أو خارجها:
– فإذا كان موجودا داخل الدائرة القضائية، فإنه يتعين على عون القوة العمومية أو ضابط الشرطة القضائية المكلف بتنفيذ الأمر بالإحضار أن يبلغه إلى المتهم بعرضه عليه وتسليمه نسخة منه، ثم يعمل على تقديمه أمام قاضي التحقيق حالا. وإذا رفض الامتثال للأمر أو حاول الفرار فإن العون المكلف بالتنفيذ يجبره على ذلك بالقوة العمومية القريبة التي يتعين عليها الاستجابة لطلب التسخير الذي يتضمنه الأمر.
– وإذا كان المتهم الحر موجودا خارج دائرة نفوذ قاضي التحقيق، فإنه يقدم إلى النيابة العامة بمكان إلقاء القبض عليه، التي يقوم أحد قضاتها باستفساره عن هويته وإشعاره بحريته في ألا يدلي بأي تصريح، وتدوين ما قد يصرح به تلقائيا . ثم يأمر بنقله إلى مقر قاضي التحقيق الذي أصدر الأمر بالإحضار، ما لم يعترض المتهم على ذلك ويستدل بحجج قوية لنفي التهمة عنه. إذ في هذه الحالة ينقل إلى السجن، ويوجه إشعار بذلك وبأسرع وسيلة ممكنة كالفاكس مثلا، إلى قاضي التحقيق مصدر الأمر.
كما يوجه إليه المحضر الذي يتضمن حضور المتهم ويتضمن هويته الكاملة وأوصافه وكافة البيانات التي تساعد على معرفة هويته، وكذلك جميع البيانات التي تساعد على فحص الحجج التي أدلى بها. ويشار فيه إلى إشعاره بحريته في عدم الإدلاء بأي تصريح.
2) إحضار المتهم المعتقل :
قد يكون المتهم معتقلا على ذمة قضية أخرى، فيصدر قاضي التحقيق أمرا بإحضاره. ففي هذه الحالة أوكل القانون إلى مدير المؤسسة السجنية مهمة تبليغ الأمر بالإحضار إليه. وفيما يتعلق بالتنفيذ، يختلف الأمر كذلك بحسب موقع مكان السجن. فإذا كان السجن يوجد بالنفوذ الترابي لقاضي التحقيق، فإن الأمر ينفذ كما هو الشأن بالنسبة لنقل كافة المعتقلين إلى مقر المحكمة. وإذا كان المتهم موجودا بسجن يوجد خارج النفوذ الترابي لقاضي التحقيق فإنه يتم ترحيله إلى السجن الكائن بالنفوذ الترابي لقاضي التحقيق.
وإذا كان معتقلا احتياطيا على ذمة قضية أخرى فلا يتم ترحيله إلا بعد موافقة الجهة القضائية المكلفة بالقضية التي هو معتقل احتياطياً من أجلها، ويقوم بالترحيل رجال الأمن الوطني أو الدرك الملكي تبعا لاختصاصهم المكاني. و على قاضي التحقيق أن يصدر أمرا بالنقل إلى الجهة التي ستتكفل بتنفيذ الترحيل، ويوجه نسخة منه إلى المؤسسة السجنية مع الأمر بالإحضار. وتصرف نفقات النقل من الحساب الخاص بمصاريف القضاء الجنائي.
و على قاضي التحقيق أن يستنطق المتهم في جميع الأحوال بمجرد تقديمه إليه، وإذا تعذر ذلك، يتم نقله إلى السجن على أن يقوم قاضي التحقيق باستنطاقه داخل 24 ساعة. وإذا لم يتم ذلك فإن مدير السجن أن يقدمه تلقائيا إلى النيابة العامة المختصة التي تلتمس من قاضي التحقيق استنطاقه فورا.
وعند تغيبه تلتمس من اي قاض آخر من قضاة الحكم بالمحكمة القيام بذلك على الفور وإلا أطلق سراحه. ويعتبر المتهم الذي لم يستنطق خلال هذا الوقت معتقلا اعتقالا تعسفيا. ويعرض كل قاض أو موظف أمر أو سمح ببقائه بالسجن للعقوبة التي يقررها القانون للاعتقال التعسفي.
و يحق لمحامي المتهم حضور الاستنطاق في جميع الأحوال. كما يجب على قاضي التحقيق أو القاضي الذي يقوم بالاستنطاق أن يستعين بمترجم أو شخص يحسن التخاطب مع المتهم إذا اقتضى الأمر ذلك لكونه أصم أو أبكم أو يتحدث لغة أو لهجة لا يحسنها القاضي.
وإذا تعذر على الشرطة القضائية أو القوة العمومية العثور على المتهم الذي صدر في حقه الأمر بالإحضار، فإنها ترجع الأمر إلى قاضي التحقيق مرفوقا بمحضر يثبت عدم عثورها عليه. وإذا عثر على المعني بالأمر ورفض الامتثال لتنفيذ الأمر بالإحضار أو حاول الهروب بعد أن صرح باستعداده للامتثال فيتم إجباره على الامتثال بواسطة القوة العمومية، ويحق للضابط أو العون المكلف بالتنفيذ في هذه الحالة أن يستعمل القوة العمومية الموجودة بأقرب مكان.
ثالثا – الأمر بالإيداع في السجن :
تعرف المادة 152 من قانون المسطرة الجنائية الأمر بالإيداع في السجن بأنه الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى رئيس المؤسسة السجنية لكي يتسلم المتهم ويعتقله اعتقالا احتياطيا ويسمح هذا الأمر للسلطات المختصة بالبحث عن المتهم والتعرف على مكان وجوده، ويكون كذلك سندا لنقل المتهم إذا كان قد بلغ إليه، ويبلغ الأمر قاضي التحقيق، ويشير إلى التبليغ بالمحضر. للسلطات المختصة بالبحث عن المتهم. ويشترط لإصدار الأمر بالإيداع في السجن:
– أن تكون الأفعال المنسوبة إلى المتهم جناية أو جنحة يعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية. فإذا تعلق الأمر بمتهم من أجل جنحة مرتبطة بالجريمة موضوع التحقيق، ولم تكن العقوبة المقررة لتلك الجنحة عقوبة سالبة للحرية، فإن قاضي التحقيق لا يمكنه إصدار أمر بإيداع المتهم بالسجن من أجلها.
– أن يكون قاضي التحقيق قد استنطق المتهم. فلا يمكن لقاضي التحقيق إصدار أمر بإيداع المتهم في السجن قبل استنطاقه ابتدائيا على الأقل.
– يتم تبليغ الأمر بالإيداع في السجن إلى المتهم، ويشار إلى التبليغ في محضر الاستنطاق.
ومن البديهي أن قاضي التحقيق غير مقيد بملتمسات النيابة العامة سواء كانت ترمي إلى اعتقال المتهم أو عدم اعتقاله. ومن جهة أخرى فإنه يمكن لقاضي الأحداث طبقا للمادة 486 من ق.م.ج. أن يصدر هذا الأمر في حق المتهم الحدث الذي يفوق عمره 12 سنة طبقا للشروط المحددة في المادة 473 من ق.م.ج.، ولا سيما إذا ظهر أن هذا التدبير ضروري، واستحال اتخاذ تدبير آخر غيره.
رابعا – الأمر بإلقاء القبض :
تعرف المادة 154 الأمر بإلقاء القبض بكونه ” الأمر الصادر للقوة العمومية بالبحث عن المتهم ونقله إلى المؤسسة السجنية المبينة في الأمر حيث يتم تسليمه واعتقاله فيها”. و يتعين أخذ رأي النيابة العامة بشأنه إلا إذا كان المتهم في حالة فرار، أو متواجدا خارج تراب المملكة، وكان التحقيق جاريا في حقه بشأن جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة سالبة الحرية. ويمكن في حالة الاستعجال نشره كما ينشر الأمر بالإحضار.
ويسند أمر تنفيذ الأمر بإلقاء القبض إلى القوة العمومية ويبلغ إليها، ويقتضي تنفيذه أن ينقل المتهم بمجرد ضبطه إلى المؤسسة السجنية المنصوص عليها فيه مقابل إشهاد بذلك يسلمه رئيسها لعون القوة العمومية، إذا كان الضبط قد تم داخل دائرة نفوذ قاضي التحقيق.
ويتم استنطاقه من طرف قاضي التحقيق داخل 48 ساعة من الاعتقال، وإلا فإن رئيس المؤسسة السجنية يقدمه إلى النيابة العامة المختصة التي تلتمس من قاضي التحقيق وعند تغيبه من قاض آخر من قضاة الحكم استنطاقه فورا وإلا أطلق سراحه، وكل احتفاظ بالمتهم أكثر من هذه المدة يعتبر اعتقالا تحكميا.
وإذا كان ضبط المتهم قد تم خارج دائرة نفوذ قاضي التحقيق فإنه يقدم بمجرد ضبطه إلى النيابة العامة لمكان ضبطه التي تتحقق من هويته، وتشعره بحريته في الإمساك عن الكلام. فإذا قبل الكلام، تلقت منه تصريحاته في محضر يوجه حالا إلى قاضي التحقيق المختص. كما تخبر هذا الأخير وتلتمس نقل المتهم وتستشير قاضي التحقيق إن تعذر نقله.
ويبقى الأمر بإلقاء القبض ساري المفعول ولو بعد إحالة القضية على المحكمة المختصة من طرف قاضي التحقيق. فإذا ضبط المتهم في أي مكان، فإن النيابة العامة تتأكد من هويته وتشعره بحقه في عدم الكلام وتستنطقه إن رغب فيه، في محضر تضعه بملف القضية أو تحيله إلى النيابة العامة المختصة إن لم تكن هي المختصة.
وعلى عون القوة العمومية الذي ينفذ الأمر أن يراعي حرمة المنازل وأن لا يلجها بعد التاسعة ليلا وقبل السادسة صباحا، وله أن يستعين بالقوة العمومية من أقرب مكان إليه. أما إذا تعذر ضبط المتهم فإن الأمر بإلقاء القبض عليه يبلغ بتعليقه في المكان الذي يوجد به آخر محل لسكناه، ويحرر محضر بذلك من قبل المكلف بالتنفيذ، بمحضر شخصين يختارهما من أقرب جيران المتهم، يوقعان إلى جانبه أو يشار في المحضر إلى رفضهما أو إلى عجزهما عن التوقيع.
ويؤشر عليه من طرف ضابط الشرطة المختص محليا أو من طرف نائبه في حالة غيابه. و تعرض مخالفة الشكليات السابقة، كلا من قاضي التحقيق وعضو النيابة العامة وكاتب الضبط للعقوبات التأديبية، يصرف النظر عن المساءلة الزجرية في حالة الاعتقال التحكمي.
خامساً – الوضع تحت المراقبة القضائية :
يعتبر الوضع تحت المراقبة القضائية من أهم إجراءات التحقيق المتعلقة بشخص المتهم التي استحدثت بالقانون المغربي لأول مرة بمقتضى قانون المسطرة الجنائية. وهو بديل للاعتقال الاحتياطي، وعلى الرغم من كونه يمس بعض الحقوق والحريات الأساسية للمتهم، إلا أنه يختلف عن الاعتقال الاحتياطي في كونه يبقى مجرد تدابير، وإن كان من شأنه الحد من حرية المتهم أو من بعض حقوقه، فإنه يتيح له أن يبقى حرا. في حين يؤدي الاعتقال الاحتياطي إلى حرمان المتهم من حريته والزج به في السجن.
والمشرع اعتبر المراقبة القضائية تدبيراً استثنائياً لا يعمل به إلا في الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية. و يأمر قاضي التحقيق بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية كبديل للاعتقال الاحتياطي من شانه ضمان حضوره لإجراءات التحقيق، كلما لم تكن ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص وخاصة الخصوم، أو الحفاظ على النظام العام تدعو إلى اعتقاله احتياطيا.
ويمكن لقاضي التحقيق اتخاذ هذا التدبير في أية مرحلة من مراحل التحقيق، لمدة شهرين قابلين للتجديد خمس مرات. و يصدره قاضي التحقيق في شكل أمر يبلغه شفهيا للمتهم فور صدوره، ويشار إلى ذلك في المحضر. كما يبلغ إلى النيابة العامة داخل اجل أربع وعشرين ساعة من تاريخ اتخاذه ويتضمن الأمر واحدا أو أكثر من التدابير أو الالتزامات المشار إليها في المادة 161 من ق.م. ج. و التي يتعين على المتهم الخضوع لها.
ولقاضي التحقيق كامل الصلاحية في تغيير التدبير المتخذ، أو إضافة تدبير آخر أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في المادة 161 المشار إليها، تلقائيا أو بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو محاميه، بعد أخذ رأي النيابة العامة. كما يمكن إلغاء التدابير المتخذة في أي وقت وأثناء جميع مراحل التحقيق، إما تلقائيا كذلك أو بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو محاميه.
وإذا لم يحترم المتهم الالتزامات المفروضة عليه فإن قاضي التحقيق يمكنه أن يصدر أمرا بإيداعه في السجن أو بإلقاء القبض عليه إذا كان في حالة فرار، وذلك بعد أخذ رأي النيابة العامة. و لا يجب أن يمس الوضع تحت المراقبة القضائية بحرية الرأي بالنسبة للأشخاص الخاضعين له، ولا بالمعتقدات الدينية أو السياسية، ولا بالحق في الدفاع.
سادساً – الاعتقال الاحتياطي :
الاعتقال الاحتياطي تدبير سالب للحرية يرمي إلى وضع المتهم في السجن، ويصدر على شكل أمر بالإيداع في السجن إذا كان المتهم حاضرا، أو أمر بإلقاء القبض إذا كان المتهم في حالة فرار. ويبلغ فورا للمتهم وللنيابة العامة بنفس الطريقة التي يبلغ بها الأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية. ويحق للمتهم أو دفاعه تسلم نسخة من الأمر بالاعتقال الاحتياطي.
ولا تنص المادة 175 من ق.م.ج. على تسليم نسخة من الأمر بإلقاء القبض. ولكن قواعد حسن سير العدالة واحترام حقوق الدفاع تقتضي تسليم نسخة من الأمر بإلقاء القبض في حالة تنفيذه، ذلك أن نسخة الأمر بالإيداع في السجن تسلم ابتداء من لحظة تنفيذه، اعتبارا لكونه ينفذ فور صدوره ويبلغ إلى المتهم في نفس الوقت.
وإذا كان المشرع قد أعطى للمتهم حق استئناف الأمر بالإيداع في السجن المنصوص عليه في المادة 154 من ق. م.ج ، فإن المادة 223 من هذا القانون التي تحدد أوامر قاضي التحقيق القابلة للاستئناف لم تذكر الأمر بإلقاء القبض المنصوص عليه في المواد 154 وما يليها إلى 158 من ق. م. ج ،
وذلك لأن هذا الأمر لا يكون سندا للاعتقال الاحتياطي إلا لفترة مؤقتة تحددها المادة 156 من ق. م. ج في 48 ساعة من تاريخ الاعتقال، حيث يجب عرض المتهم على قاضي التحقيق الذي يقوم باستنطاقه ويقرر بشأن اعتقاله احتياطيا أو الإفراج عنه. وإذا قرر اعتقاله احتياطيا فإنه يصدر بعد استنطاقه أمرا بالإيداع في السجن.
وإذا كان قرار الإيداع في السجن هو الشكل العملي لتطبيق قرار الاعتقال الاحتياطي، وهو يقبل الاستئناف أمام الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف التي يمكن أن تلغي قرار قاضي التحقيق بالإيداع في السجن مما يترتب عنه الإفراج عنه.
فإنه في حالة عدم تقديم الاستئناف أو عدم قبوله أو رفضه، يبقى الاعتقال الاحتياطي ساريا ولا ينتهي إلا بانتهاء مدته أو عدم تجديدها، أو نتيجة لصدور أمر بالإفراج المؤقت عن قاضي التحقيق وفقا للمادة 179 من ق. م. ج أو عن الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف التي يستأنف لديها قرار قاضي التحقيق وفقا للفقرة الرابعة من المادة 179 من ق. م. ج.
وتكون مدة الاعتقال الاحتياطي في الجنايات هي شهرين اثنين. ويمكن لقاضي التحقيق أن يجدد هذا التدبير خمس مرات أخرى لنفس المدة أي شهرين في كل مرة. وأما في الجنح فإن مدة الاعتقال الاحتياطي تكون شهرا واحدا، ويمكن لقاضي التحقيق أن يجدده مرتين لنفس المدة، أي شهرا واحدا في كل مرة.
ولا يتم التجديد إلا إذا تبين بعد نهاية مدة الاعتقال الاحتياطي أن الضرورة تقتضي استمراره، ويتعين على قاضي التحقيق تعليل الأمر بتجديد الاعتقال الاحتياطي الصادر عنه، تعليلا خاصا. ولا يصدر أمره إلا بناء على طلبات النيابة العامة التي تكون هي الأخرى معللة بأسباب.
سابعاً – الإنابة القضائية :
الإنابة القضائية هي الأمر الذي ينقل بمقتضاه قاضي التحقيق إلى قاض آخر أو إلى ضابط للشرطة القضائية، الصلاحية ليقوم مقامه بعمل من أعمال التحقيق بحيث تكون لهذا الأخير نفس سلطاته وصلاحياته في حدود الإجراءات المحددة في الإنابة. ويعتبر كل إجراء يتم إنجازه خارج حدود الإنابة باطلا لصدوره من شخص غير مؤهل قانونا لإنجازه.
إن سلطة القاضي مهما كانت ممتدة في نفوذها فإنها لاتغطي دائما الامتداد المكاني الذي تطاله أعمال الجناة. لذاك فإن بعض التحريات التي يريد إنجازها يمكن أن تتجاوز حدود اختصاصه المحلي، كالاستماع إلى شاهد أو تفتيش منزل في مكان بعيد . ورغم أنه يجوز لقاضي التحقيق أن ينتقل خارج نفوذ المحكمة التي يزاول فيها عملا بمقتضيات المادة 99 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية، فإنه لأسباب خاصة قد يتعذر عليه إنجاز الإجراءات الضرورية بنفسه،
ولذلك أتاح له المشرع أن يكلف جهة أخرى للقيام ببعض المهام نيابة عنه، وذلك في حدود استثنائية، إذ أن القاعدة هي أن قاضي التحقيق يكلف بالقضية بكيفية شخصية، ويطلب منه القيام بإجراءات التحقيق بنفسه، فإذا عهد ببعضها لجهة أخرى فإنه يكون قد تخلى عن هذه القاعدة
ولذلك فإن المادة 86 من ق. م. ج كانت صريحة في القول بأن تفويض قاضي التحقيق لبعض صلاحياته للشرطة القضائية في إطار إنابة قضائية يتم بصفة استثنائية. ورغم أن هذه المادة تتحدث عن انتداب ضباط الشرطة القضائية من طرف قاضي التحقيق، فإن القاعدة تبقى واحدة بالنسبة لانتدابه للقضاة.
وبالإضافة للطابع الاستثنائي للإنابة القضائية، فإنها لا يمكن أن تشمل كل صلاحيات قاضي التحقيق، وإنما تقتصر على تكليف الجهة المنتدبة (بفتح الدال) للقيام ببعض الإجراءات. كما أن قاضي التحقيق لا يمكنه أن يفوض لتلك الجهة إذا كانت هي الشرطة القضائية. بعض صلاحياته مثل الاستماع إلى المتهم.
ثامناً – إجراء الخبرة :
الخبرة وسيلة من وسائل الإثبات المباشرة التي يلجا بواسطتها القضاء إلى الغير للاستعانة به في أمور تقنية يستعصي عليه معرفتها من أجل الوصول إلى الكشف عن الحقيقة. و يأمر قاضي التحقيق بإجراء الخبرة تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو من الأطراف.
وفي حالة رفض قاضي التحقيق للطلب المقدم إليه لإجراء خبرة يتعين أن يعلل قراره، الذي يكون قابلا للطعن بالاستئناف من طرف النيابة العامة والأطراف. وأما الأمر الصادر عن قاضي التحقيق بإجراء خبرة فلا يقبل الطعن بالاستئناف. ولكن يمكن للأطراف بما فيهم النيابة العامة أن يبدو ملاحظات خلال ثلاثة أيام الموالية التبليغ، حول اختيار الخبير أو المهمة الموكولة إليه مثلا.
و بما أن الخبرة وسيلة إثبات مباشر فقد أوجبت المادة 195 من قانون المسطرة الجنائية، أن يختار الخبير المنتدب من بين الخبراء المسجلين بجدول الخبراء القضائيين. وإذا تعذر ذلك، وتم تعيين خبير من خارج الجدول، فيجب على هذا الخبير أن يؤدي اليمين المنصوص عليها في المادة 345 من ق.م.ج. أمام قاضي التحقيق.
يتم انتداب الخبير بمقتضى قرار يصدره القاضي، تحدد فيه النقط التقنية التي يتعين عليه تقييمها، كالكشف الطبي، أو فحص الأسلحة النارية أو الأوراق المطعون فيها بالزور، أو التشريح أو تحليل الدم أو المواد المخدرة والسامة، وما إلى ذلك من المسائل التي تقتضي دراية علمية ومعرفة تقنية.
ويمكن للنيابة العامة والأطراف اختيار خبراء مساعدين يعينهم قاضي التحقيق لمؤازرة الخبير المعين، في حالة ما إذا تعلق الأمر بإجراء خبرة على أشياء من بينها علامات أو مواد أو منتجات قابلة للتغير أو الاندثار. ويتعين على المتهمين عند تعددهم الاتفاق على اختيار الخبير المساعد، وفي حالة تعارض مصالحهم يتم اختيار خبيرين على الأكثر.
ويتعين على قاضي التحقيق أن يبلغ قراره بإجراء الخبرة إلى النيابة العامة وإلى الأطراف. وفي حالة الاستعجال، يجوز له كلما اقتضت الضرورة ذلك، أن يصدر قرارا معللا يأمر فيه الخبير المعين بالشروع على الفور في إنجاز المهمة المأمور بها ولو قبل تبليغ الأطراف أو النيابة العامة.
ويجب على قاضي التحقيق أن يعرض على المتهم الأشياء المختوم عليها التي لم يتم فتحها أو لم يقع إحصاؤها وفقا للمادة 104 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك قبل تسليمها للخبير. وعليه أن يقوم بإحصاء الأشياء المختومة في المحضر الذي يثبت بمقتضاه تسليمها للخبير وعلى الخبير البقاء في اتصال مستمر مع القاضي خلال ممارسة المهمة المعهود بها إليه وإخباره بتطور عمله.
و إذا اعترضت الخبير مسألة لا تدخل في اختصاصه فلقاضي التحقيق أن يأذن له في الاستعانة بتقنيين تتم تسميتهم من بين التقنيين المؤهلين لذلك، يؤدون اليمين أمام قاضي التحقيق وفق الصيغة المنصوص عليها في المادة 345 من ق.م.ج. إذا لم يكونوا مسجلين بجدول الخبراء القضائيين. ويضاف التقرير المنجز من طرفهم إلى تقرير الخبير المعين. ويتضمن تقرير الخبير وجوبا وصف العمليات التي قام بها ونتائجها، مع إشهاده أنه قام بها شخصيا، أو قام بمراقبتها في حالة استعانته بتقنيين.
Share this content: