|

الأهلية في عقد الزواج

تناولت مدونة الأسرة أحكام الأهلية في الكتاب الرابع، ونصت في المادة 206 على أن الأهلية نوعان: أهلية وجوب وأهلية أداء، فأهلية الوجوب حسب المادة 207 هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون، وهي ملازمة له طول حياته ولا يمكن حرمانه منها، أما أهلية الأداء فهي حسب المادة 208 صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته، ويحدد القانون شروط اكتسابها وأسباب نقصانها أو انعدامها.

أولا – أهلية إبرام عقد الزواج :

نصت المادة 19 من مدونة الأسرة على أنه تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية. يتضح من خلال المادة أن المشرع اشترط إضافة إلى سن الزواج أن يكون الزوجان عاقلين بالغين من أجل صحة الزواج

– العقل : وهو ما نميز به بين الحق والشر والخير والباطل، والعقل شرط أساسي في إبرام عقد الزواج بدون شك، لأن كل تصرف قانوني كيفما كان نوعه يقوم بين شخص فاقد العقل بسبب الجنون أو العته يعتبر باطلا بطلانا مطلقا.

البلوغ : انتهاء حد الصغر، فلا يمكن تكثير سواد الأمة من عدم، فالبلوغ جوهر التلاقح من أجل التناسل، والحكم المعتمد عند المالكية هم العلامات التي تظهر عند الفتى بخروج المني، وعند الفتاة بالحيض أو الحمل، أو ظهور شعر العانة عند كليهما، وإن لم تظهر هذه العلامات فإن الحكم الأقصى هو بلوغ الثامنة عشرة من العمر، ويخالفهم الحنفية في بلوغ الحد الأقصى لبلوغ الأنثى وهو سن 17 عشرة سنة من عمرهما.

والمدونة تلافت كل الاختلافات حول سن الزواج وحددته في 18 سنة للذكر والأنثى معا، تكريسا لمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، وللتذكير أن السن يختلف من كل دولة ومرد ذلك إلى اختلاف العادات والتقاليد وكذا الظروف الطبيعية الخاصة بكل بلد.

ثانيا – الزواج دون سن الأهلية :

إذا كان الأصل ألا ينعقد العقد إلا بإتمام الفتى والفتاة 18 سنة كاملة، فإنه استثناء أجازت مدونة الأسرة لقاضي الأسرة المكلف بالزواج النزول عن هذا السن والسماح لمن هم دونه بالزواج، حيث خوله المشرع سلطة تقديرية واسعة في الإذن بزواج القاصر، وذلك بواسطة مقرر معلل يبين فيه المصلحة التي ستتحقق للقاصر من وراء زواجه.

ولقد حدد المشرع الأسري الضوابط والمعايير التي يجب على القاضي مراعاتها عند بته في ملف زواج القاصر، وذلك من أجل الوقوف على هذه المصلحة.

وقد نصت المادة 20 من مدونة الأسرة عليها كما يلي:” لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخيرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي. مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن”.

وهكذا أجازت المدونة الجديدة زواج الفتى أو الفتاة دون سن 18 سنة المنصوص عليها في المادة 19 إذا توافرت الشروط التالية:

1 – موافقة وإذن قاضي الأسرة بزواج الفتى أو الفتاة :

يتضح من خلال المادة 20 أعلاه أن المشرع المغربي فرض ضرورة الحصول على إذن قاضي الأسرة المكلف بالزواج من أجل إبرام عقد زواج القاصر بهدف حماية هذا الأخير. لكن ومن أجل منح الإذن بزواج القاصر يقتضي الأمر إتباع مجموعة من الإجراءات الخاصة، وتتمثل في ضرورة تقديم طلب كتابي إلى قاضي الأسرة المكلف بالزواج، بحيث يطلب فيه الولي القانوني للقاصر الإذن له بتزويج القاصر الذي هو تحت ولايته،

ويشتمل هذا الطلب على هوية القاصر وهوية نائبه الشرعي، بحيث يوقع هذا الأخير رفقة القاصر، وتجب الإشارة إلى أن الطلب لا يقبل إن قدم شفاهيا خلافا لمقتضيات الفصل 31 من قانون المسطرة المدنية الذي يجيز رفع الدعوى أمام المحكمة الابتدائية بين المقال المكتوب الموقع عليه من طرف المدعي أو وكيله أو بواسطة تصريح يدلي به المدعي شخصيا.

ويجب أن يتم تحديد المصلحة والأسباب المبررة لهذا الزواج في هذا الطلب، بالإضافة إلى الإدلاء بنسخة من عقد الولادة تحدد سن الفتى أو الفتاة بالضبط أو شهادة طبية تؤكد توفر الطالب على علامات البلوغ عند الاقتضاء وبعد ذلك يتم إحالة طلبات الإذن بزواج القاصر على قسم قضاء الأسرة، بحيث تسجل في سجل معد لذلك وتفيد حسب الترتيب التسلسلي لتلقيها. بالإضافة إلى تاريخ ورودها، بعد ذلك يفتح لكل طلب ملفا خاصا من أجل إحالته على قاضي الأسرة المكلف بالزواج ليبت فيه.

2 – يتعين على القاضي بيان الأسباب الداعية إلى السماح بهذا الزواج :

وبيان مصلحة القاصر وهذه المصلحة متروكة لتقدير القاضي يستشفها ويستنتجها من ظروف كل حالة على حدة، ففكرة المصلحة هي فكرة نسبية تختلف من شخص لآخر تبعا لظروفه الشخصية والموضوعية ولعل هذه المصلحة تتجلى في كون هذا الزواج سيؤدي إلى تحصين القاصر وحمايته حيث يشكل خوف أبوي القاصر عليه من الضياع والفساد أحد أوجه هذه المصلحة،

كما جاء الأمر في تصريح لأبوي القاصر والذي ورد فيه “….. إنهما يرغبان في تزويج ابنتهما القاصر خوفا عليها من الضياع والفساد…. ولما فيه من مصلحة في ذلك…”. كما قد تقتضي مصلحة القاصر عدم منح الإذن حتى وإن دفع الولي بالخوف من العنت. ذلك أن القاضي قد يرى خلاف ذلك خاصة إذا كانت القاصرة في سن مبكر.

3 – يتعين على قاضي الأسرة قبل الإذن بالزواج دون السن القانونية للزواج أن يستمع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي :

ويبدو من خلال هذا الشرط بأن إذن الأبوين معا أو النائب الشرعي ليس أمرا لازما بخلاف ما كان عليه الحال في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، حيث كان الفصل التاسع يشترط لزوما موافقة الولي حتى إذا امتنع وتمسك كل برغبته رفع الأمر إلى القاضي.

فقاضي الأسرة المكلف بالزواج يقوم بهذا الإجراء، وذلك حتى يقف عند المصلحة المتوخاة من وراء هذا الزواج، فهذا الاستماع يفيده مبدئيا في تكوين فكرة حول الزواج المطلوب وأطرافه وفرص تحقق نجاحه، كما أنه يمنح للقاضي صورة تقريبية عن السن الحقيقي للقاصر في حالة وقوع خطأ مادي في سجلات الحالة المدنية وإدلاء القاصر بعقد ولادة يتضمن بأنه دون أهلية الزواج، وهكذا يتأتى له البحث في هذه المسألة من خلال المقارنة بين مختلف الوثائق الإدارية المدلى بها أو من خلال الاطلاع على كناش الحالة المدنية.

4 – يتعين على قاضي الأسرة أن يأمر بإجراء خبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي :

للتأكد من مدى قدرة الفتى أو الفتاة على تحمل الأعباء المادية والمعنوية الناجمة عن الزواج والمسؤوليات المترتبة عليه، والجدير بالذكر أنه من الناحية العملية غالبا ما يتم الاعتماد على الخبرة الطبية من أجل منح الإذن بزواج القاصر, وتجدر الإشارة إلى أن قناعة القاضي هي الأساس في منح الإذن،

وبالتالي فإن تقرير الخبير لا يلزمه في شيء، وإنما هو مجرد إمكانية منحها المشرع للقاضي من أجل الاعتماد عليها في بناء قناعته ليست إلا فسلطة القاضي التقديرية في هذا المجال جد واسعة حيث يمكن للقاضي رفض طلب زواج القاصر الذي أثبتت الخبرة الطبية قدرته على الزواج، ويمكن للقاضي الاستغناء عن الخبرة الطبية ببحث اجتماعي قد يأمر بإجرائه إذا اقتضت الضرورة ذلك.

ثالثا – زواج المصاب بإعاقة ذهنية ( زواج المجنون):

لا يشتمل إذن قاضي الأسرة المكلف بالزواج القاصر فقط بل يشتمل كذلك الشخص المصاب بإعاقة ذهنية ذكر كان أو أنثى، والمعاق ذهنيا شخص لا يستطيع أن يستقل بتدبير شؤونه بنفسه بسبب الإعاقة الدائمة أو توقف نموه العقلي في سن مبكرة.

وهكذا فإن كل إعاقة لا يكون العقل فيها زائلا مثل الصم والبكم أو شلل أحد الأطراف، يباح للمصابين بها الزواج وهو زواج صحيح متى توفرت أركانه وشروطه. أما المعاق ذهنيا أو المتخلف عقليا، الذي لا يدرك ما يقول ويفعل فهو في حكم المجنون.

واحتراما لحقوق الأشخاص وحريتهم في الزواج، اشترط المشرع شروط أساسية قصد أن يأذن قاضي الأسرة المكلف بالزواج لهذا النوع من الأشخاص بالزواج، أشارت إليها المادة 23 من هذه المدونة وهي : تقديم تقرير حول حالة الإعاقة من طرف طبيب خبير أو أكثر؛ ويتوجب على القاضي أن يطلع الطرف الآخر على التقرير وينص على ذلك في محضر؛ ويجب أن يكون الطرف الآخر راشدا ويرضى صراحة في تعهد رسمي بعقد الزواج مع المصاب بالإعاقة.

رابعا _ الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي :

من أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة أيضا ما ورد عليه النص في المادة 22 حيث أعطت الحق للفتى والفتاة المأذون لهما بالزواج دون سن 18 في اكتساب الأهلية الممارسة الحقوق والالتزامات الناجمة عن عقد الزواج بمجرد إبرام العقد، بحيث إن هذه الأهلية تخول لهما رفع دعاوي قضائية بالنسبة لكل القضايا المتعلقة بالآثار الناجمة عن عقد الزواج من حقوق والتزامات.

ويمكن للمحكمة بطلب من أحد الزوجين أو نائبه الشرعي أن تحدد التكاليف المالية للزوج المعني وطريقة أدائها، فالخلاف قد يحدث بين المتزوج القاصر وبين نائبه الشرعي حول تقدير أو كيفية أداء ما يحتاج إليه القاصر من التكاليف المالية لحياته الزوجية كتقدير النفقة الشهرية أو السنوية، فالمحكمة تبت في مثل هذه النزاعات وتسمع الدعوى المقدمة من المأدون لهم بالزواج دون السن القانونية بمجرد إبرام العقد.

وبالتالي فالقاصر الذي لم يتم ثمان عشرة سنة المأذون له بالزواج، يكتسب أهلية التقاضي في كل ما يتعلق بآثار الزواج من حقوق والتزامات باستثناء ما يتعلق بالتصرفات المالية للقاصر، فلا بد لصحتها من دخول الحاجر في الدعوى كدعوى الطلاق الخلعي، فالزوجة التي دون سن الرشد القانوني إذا خولعت وقع الطلاق، ولا تلتزم ببدل الخلع إلا بموافقة النائب الشرعي.

وبذلك فالأمور التي لها علاقة بالحالة الشخصية يمكن توجيه دعوى بشأنها من طرف القاصر أو ضده، أما إذا تعلق الأمر بمسائل مالية تحتم دخول الحاجر في الدعوى، وهذا ما هو إلا تأكيد على الخصوصية التي تنفرد بها القضايا الأسرية، والتي حاول المشرع المغربي من خلالها توفير أكبر قدر ممكن من الحماية للقاصرين.

وشرط الأهلية يعتبر من النظام العام، يمكن الإدلاء بعدم توافر هذا الشرط من قبل الخصوم في أي مرحلة من مراحل الدعوى وحتى أمام محكمة النقض لأول مرة، كما يجب على القاضي إثارته من نفسه والحكم برد الدعوى، إذا تبين له أن المدعي لا يتمتع بأهلية الادعاء أو كان تقدم بالدعوى دون الحصول على الإذن المتطلب قانونا لجواز الادعاء.

فأهلية التقاضي مفروض توافرها في المدعي أو المدعى عليه، وإلا كانت الدعوى غير مقبولة، ما عدا في الحالات الاستثنائية والتي تمت فيها مراعاة البعد الاجتماعي والإنساني الذي تتميز به قضايا الأحوال الشخصية.


  • ادريس الفاخوري: قانون الأسرة المغربي، أحكام الزواج، انحلال الرابطة الزوجية، طبعة 2019.2020.
  • محمد الشافعي: الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، سلسلة البحوث القانونية 24.
  • محمد الكشبور: الواضح في مدونة الأسرة، الطبعة الثالثة 2015.
  • محمد الكشور: الخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء سنة 2000.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *