|

الصداق في مدونة الأسرة – تعريفه وأنواعه

أولا / تعريف الصداق :

الصداق في اللغة من باب أصدق يصدق إصداقا، ويجمع على صدقة وصدقات بضم الدال، قال تعالى ” وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا” (سورة النساء الآية 04) يقال أصدقها كذا … إذ عين لها صداقا، أو أعطاها إياه، و اصطلاحا هو مال يجب في عقد النكاح على الزوج في مقابلة منافع البضع، إما بالتسمية أو بالعقد.

وقد اهتم الفقهاء بتعديد المصطلحات الدالة على الصداق أو المهر، بل رتبوا على بعضها أحكاما، وقد جمع بعض تلك المصطلحات الناظم في قوله: صداق ومهر نحلة وفريضة حياء وأجر ثم عقد علائق، و اتفق الفقهاء على أن المهر حق واجب للمرأة على الرجل، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: فقوله تعالى “وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ ۚ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُم بِهِۦ مِنْهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُم بِهِۦ مِنۢ بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا “(سورة النساء الآية 24).

أما السنة: فقد دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة، ومنها: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأى على عبد الرحمن بن عوف درع زعفران فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : مهيم؟ فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة. فقال: ماأصدقتها ؟ قال وزن نواة من ذهب فقال: بارك الله لك، أولم ولو بشاة. أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها.

وعرفته مدونة الأسرة الصداق في المادة 26 بقولها : الصداق هو ما يقدمه الزوج لزوجته إشعارا بالرغبة في عقد الزواج وإنشاء أسرة مستقرة وتثبيت أسس المودة والعشرة بين الزوجين، وأساسه الشرعي هو قيمته المعنوية والرمزية وليس قيمته المادية.

ويتبين من تعريف المدونة هذا أن الصداق هو ما يقدمه الزوج لزوجته بمناسبة زواجهما، قاصدا من وراء ذلك استمالة نفسية المرأة وإشعارها برغبته فيها، وإنشاء أسرة مستقرة معها على أسس سليمة والأساس في الصداق هو قيمته المعنوية والرمزية لا المادية

وتكون المدونة قد دحضت بعض العادات والتقاليد الفاسدة التي تعتبر الصداق قيمة للمرأة والعكس هو الصحيح، بل هو علامة من علامات إخلاص الرجل وصدقه نحو زوجته. ويضاف إلى هذا أن المرأة لا تكلف بالنفقة، وإنما الرجل هو المكلف بالإنفاق لأنه أقدر من المرأة على كسب العيش والحصول عليه بالتعب والمشقة.

ثانيا / حكم الصداق وتحديده :

لا يجوز الزواج بدون صداق، فهو شرط صحة عقد الزواج، وواجب على الزوج اتجاه زوجته، ولا يجوز الاتفاق على إسقاطه ( المادة 13 من المدونة). وقد نصت المادة 27 من مدونة الأسرة على تحديد الصداق عندما نصت على مايحدد الصداق وقت إبرام العقد، وفي حالة السكوت عن تحديده، يعتبر العقد زواج تفويض.

إذا لم يتراض الزوجان بعد البناء على قدر الصداق في زواج التفويض، فإن المحكمة تحدده مراعية الوسط الاجتماعي للزوجين.يتضح من المادة أعلاه، على أنه إذا تم الزواج دون ذكر الصداق فإن العقد يكون صحيحا ويعتبر الزواج زواج تفويض وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 27 “يحدد الصداق وقت إبرام العقد، وفي حالة السكوت عن تحديده، يعتبر العقد زواج تفويض ….”.

وإذا لم يحدد الصداق وقت إبرام العقد وتم البناء بالزوجة ولم يحصل التراضي بينهما حول قدر الصداق وتم البناء فإنه يصحح بصداق المثل الذي تحدده المحكمة مراعية بعين الاعتبار الوسط الاجتماعي للزوجين ومكانتهما الطبيعية تماشيا مع ما جاءت به الفقرة الثانية من المادة 27 من المدونة.

ثالثا / شروط الصداق :

اشترط الفقهاء في الصداق أن يكون مما يجوز تملكه شرعا ( حلالا) فلا يصح أن يكون خمرا أو خنزيرا، وهو ما نصت عليه المادة 28 من المدونة “كل ما يصح شرعا صلح أن يكون صداقا”، وأن يكون معلوما ومعينا، فلا يجوز أن يكون عقارا غير محدد المساحة والحدود، أو ثوبا غير معين نوعه، أو دراهم لم يبين قدرها، وأن يكون مالا أو شيئا ذا قيمة مالية، كسيارة أو قطعة أرضية أو ذهبا أو فضة…، وأن يكون مقدورا على تسليمه، وهذا ما عبر عنه الفقهاء بالسلامة من الغرر، على سبيل المثال أن يكون كنزا في باطن الأرض أو ثمر لم يبد صلاحها.

رابعا / مقدار الصداق :

اتفق الفقهاء على سنية تخفيف المهر، وكراهية المغالاة فيه، ومن الأدلة على ذلك: قوله – صلى الله عليه وسلم “إن أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة”.

وقد اختلف الفقهاء في تحديد مقدار الصداق فالحنفية مثلا قالت بأن أقل المهر عشرة دراهم. أما الشافعية فلم يقيداه بحد أدنى، بل أن كل ما هو مقوم بمال جاز أن يكون صداقا، في حين المالكية قلوا إن أقل المهر ربع دينار أو ثلاثة دراهم من الفضة الخالصة من الغش.

وعليه فإن الأصل هو عدم المغالاة في المهور، وهو ما أخذت به المدونة حيث جعلت أساسه الشرعي في قيمته المعنوية أو الرمزية وليس قيمته المادية، وأضافت المطلوب شرعا هو تخفيف الصداق، يبقى للمرأة الحرية في أن تتزوج بما ظهر لها من صداق، مادامت قد بلغت سن الرشد، كما أن الصداق ملك للمرأة تتصرف فيه كيف شاءت، ولا حق للزوج في أن يطالبها بأثاث أو غيره، مقابل الصداق الذي أصدقها إياه.

خامسا / أنواع الصداق :

يتنوع الصداق من حيث تسميته إلى صداق مسمى وصداق المثل ومن حيث أداؤه إلى صداق مؤجل وصداق معجل.

1 – الصداق المسمى :

هو ما سمي فيه المهر وقت العقد، كما يسمى الثمن وقت البيع، فأطراف العقد تتفق على تسمية النوع والقدر من الصداق، وقد كانت تنص عليه مدونة الأحوال الشخصية من الفصل الخامس ” لابد من تسمية مهر للزوجة ولا يجوز العقد على إسقاطه. وتم حذف هذا الفصل نهائيا في مدونة الأسرة.

2 – صداق المثل :

فهو صداق يراعي فيه المركز الاجتماعي لكل من الزوجينمن حيث السن البكارة والعلم والجهل …. وقد حدد الفقهاء حالات معينة يجب فيها للزوجة صداق من هذه الحالات:

أ – زواج التفويض :

وهو الزواج الذي يتم فيه إنشاء العقد بدون تسمية الصداق ولا إسقاطه. وفي حالة عدم التراض بين الزوجان بعد البناء على قدره فإن المحكمة تحدده مراعية الوسط الاجتماعي للزوجين.

ب – الزواج الفاسد لصداقه :

ومن صوره أن يسمى للزوجة صداق مما لا يصح الالتزام به شرعا، أي مما لا يدخل شرعا في دائرة التعامل، حيث يفسد العقد لصداقه، وهو يفسخ قبل البناء ويصحح بعد البناء بصداق المثل، تطبيقا للمادة 60 من مدونة الأسرة، الذي نصت على ما يلي: “يفسح الزواج الفاسد قبل البناء ولا صداق فيه إذا لم تتوفر في الصداق شروطه الشرعية، ويصحح بعد البناء بصداق المثل، وتراعي المحكمة في تحديده الوسط الاجتماعي للزوجين”.

ج – الاتفاق على إسقاط الصداق :

إذا اتفق الطرفان على إسقاط الصداق فإن العقد يكون فاسدا وللزوجة صداق المثل بعد البناء، إما إذا مات عنها أو طلقت قبل البناء فلا يجب لها شيء من الصداق.

3 – الصداق المعجل والصداق المؤجل :

يمكن للزوج أن يعجل الصداق، أو يؤجله جزئيا أو كليا إلى أجل مسمى، ويذهب بعض المالكية إلى القول بكراهة تأجيل الصداق بكامله، وهذا ما عبر عنه ابن عاصم في تحفته بقوله: ويكره النكاح بالمؤجل إلا إذا كان مع معجل.

فالزوج الملزم بالصداق يدفع للزوجة ما اتفق على تعجيله، ويبقى على ذمته مؤخرالصداق إلى أجل مسمى طبقا لمقتضيات المادة 30 من المدونة.

فالأصل أن الصداق يؤدى عند إبرام العقد، ما لم يتعلق الأمر بزواج التفويض أوالمؤجل من الصداق.

وهكذا، فإذا اتفقا على تعجيله أو تعجيل جزء منه فالزوج مطالب بأداءه قبل بداية المعاشرة الزوجية، على اعتبار أنه من شروط صحة العقد، والزوجة يجوز لها عدم تمكين الرجل من نفسها ما لم يؤد الحال من الصداق، وإذا وقعت المعاشرة الزوجية، أي الدخول قبل الأداء، فإن الصداق يصبح دينا على ذمة الزوج، يؤدى عاجلا أو أجلا، وإذا مات فإنه يستخلص من تركته لفائدة الزوجة أو ورثتها وهو ما نصت عليه المادة 31 من المدونة.

سادسا / استحقاق الصداق :

نظمت المادة 32 من مدونة الأسرة حالات استحقاق الزوجة الصداق إما استحقاقه كاملا (1) أو نصفه (2) ومتى لا تستحق شيئا منه (3).

1 – استحقاق الزوجة الصداق كاملا :

تستحق الزوجة الصداق كاملا في صورتين:

في البناء الحقيقي: ويقصد به الدخول الذي يتم فيه المسيس بين الزوجين، حيث إن الزوج يعاشر زوجته معاشرة شرعية بعد العقد عليها، وبعبارة أخرى حصول الاتصال الجنسي المباشر الحقيقي. وهناك من اعتبر الخلوة الصحيحة أو الدخول الحكمي توجب الصداق بأكمله على الزوج، غير أن المالكية تقول إنه يتأكد وجوب الصداق بكامله، إذا مرت على العقد سنة كاملة، واستمتع بها دون دخول حقيقي.

الموت قبل البناء: ويقصد به وفاة الزوج قبل البناء بزوجته، ولأن حق الزوجة هنا في ملكية صداقها ثابت بالعقد، سواء كان صحيحا أو فاسدا، وسواء تم البناء أو لم يتم. ولا يسقط هذا الحق بالموت أبداء كما لا يخضع لأي تقادم، ويؤدى من تركة زوجها في حالة الوفاة.

2 – استحقاق الزوجة نصف الصداق :

تستحق الزوجة نصف الصداق إذا طلقت قبل البناء وبعد تسمية الصداق لقوله تعالى “وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ” (سورة البقرة الآية 237).

فإذا كانت المرأة قد حازت جميع صداقها المسمى لها وطلقت قبل البناء، عليه أن تسترجع لمطلقها النصف من الصداق، إما إذا لم تكن تحزه فعليها أن تطالب بالنصف بعد الطلاق، اللهم إذا سامحت مطلقها في النصف الواجب أو سامح هو في النصف الزائد.

3 – متى لا تستحق شيئا من الصداق :

عددت المادة 32 من المدونة الحالات التي لا تستحق فيها الزوجة شيئا من الصداق قبل البناء وهي كالتالي: إذا وقع فسخ عقد الزواج لسبب من أسباب الفسخ كان يكون الزواج فاسد الصداقه. واكتشاف لعيب في أحد الزوجين وتم رد عقد الزواج بناء على هذا العيب إما في الزوج وإما في الزوجة. وإذا وقع الطلاق قبل البناء في زواج التفويض.


  • محمد الشافعي: الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، سلسلة البحوث القانونية 24.
  • محمد الكشبور: الواضح في مدونة الأسرة، الطبعة الثالثة 2015.
  • علي حسب الله: الزواج في الشريعة الإسلامية.
  • أحمد الوجدي، عبد الالاه المحبوب، أحلام عليمي، محاضرات في مدونة الاسرة، الموسم الجامعي 2021/2020.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *