أصحاب الحق في الحضانة وترتيبهم
إن الهدف الأساسي من الحضانة هو مصلحة المحضون التي لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق العناية به ، فالمادة 164 من مدونة الأسرة تعتبر الحضانة من واجبات الأبوين حال قيام الزوجية، ويتحملان هذا الواجب دون تمييز خلال الزواج.
فالحضانة خلال العلاقة الزوجية تتعاقبها حقوق الأطفال على أبويهم في حماية حياتهم منذ الحمل وتثبيت هويتهم إلى بلوغهم سن الرشد القانوني (18 سنة شمسية كاملة) دون تمييز بين الذكر والأنثى. فالمكان الطبيعي لتربية الطفل هو بيت الزوجية ويحق للأم الموظفة أن تتوقف مؤقتا عن ممارسة وظيفتها بطلب منها إذا كان ذلك لتربية ولد يقل سنه عن خمس سنوات أو يكون مصابا بعاهة تتطلب معالجات مستمرة، كما يمكن للأم الأجيرة باتفاق مع مشغلها الاستفادة من عطلة بدون أجر لمدة سنة لتربية مولودها.
غير أن إسنادها وممارستها من طرف أحد الأبوين أو من غيرهما يطرح بحدة بعد انحلال ميثاق الزوجية، سواء بطلاق أو بتطليق. فمدار الحضانة هو مصلحة المحضون وأن المقتضيات الواردة في باب الحضانة في مدونة الأسرة تؤكد على هذه القاعدة، كما تؤكد أيضاً على أن للقاضي أو المحكمة أن تتدخل كلما اقتضت مصلحة المحضون ذلك لتعزيز ما فيه حماية له، ومن ذلك تقرير في شأن من هو مؤهل كلما استوجب الأمر ذلك.
فالمحاكم تلتمس هذه المصلحة في كل قضية معروضة أمامها، كما أنه يتضح من كل النصوص المتعلقة بالحضانة في مدونة الأسرة أن المشرع قد ارتأى أن يجعلها للمحضون وحده نظرا لعدة اعتبارات يتجلى البعض منها في السلطة التقديرية التي منحت للمحكمة في هذا المجال، وفي الدور كذلك الذي أصبحت تقوم به المحكمة في البحث عن الأصلح بالنسبة للحضانة عن طريق الإستعانة بمساعدة إجتماعية، وأخيراً في إخطار النيابة العامة بكل ضرر يمس المحضون من طرف الأب أو الأم والأقارب وغيرهم، وللنيابة العامة أن تحرك الدعوى إما بإصلاح الوضع أو بإسقاط الحضانة.
وبالرغم من أن المادة 163 من مدونة الأسرة عرفت الحضانة بأنها حفظ الطفل مما قد يضره والقيام بتربيته ومصالحه، يمكن القول إن دور الأم يقتصر فقط على تلبية حاجيات المحضون من حفظ وصيانة وطعام وملبس ونظافة في فجر حياته وليس القيام بجميع مصالحه كما ورد في المادة السالفة، ويرجع ذلك إلى الأسباب التالية:
أ) لا تمارس الأم حق الولاية خلال الحياة الزوجية مادام الأب حيا، ونتيجة لذلك لا يمكن لها أن تدافع عن شؤون ومصالح أبنائها المادية منها وكذلك المعنوية.
ب) إن المادة 3/173 من مدونة الأسرة تؤكد ما سبق عندما تشترط لأهلية الحضانة القدرة على تربية المحضون وصيانته صحة وخلقا وعلى مراقبة تمدرسه.
ت) تقضي المادة 4 من نفس المدونة بأن الأسرة تحت رعاية الزوجين، ولكن الأب يبقى وحده الولي الشرعي لأولاده مادام حيا وبالتالي يعتبر الطفل ساكنا مع أبيه ما دامت الزوجية قائمة ويتحمل هذا الأخير مسؤولية عما يسببه القاصر من ضرر للغير.
أولا – صاحب الحق في الحضانة :
تقضي مدونة الأسرة بأن الأم هي الأولى بالحضانة على أطفالها إذا انقضت العلاقة الزوجية بطلاق أو بتطليق، لأن الأم أقرب الناس إلى المحضون وأرحم من غيرها عليه ولأجل ذلك تمارس الأم الحضانة على ولدها وتستمر في ممارستها إلى حين بلوغ سن الرشد القانوني للذكر والأنثى على حد سواء، ولا يسقط حقها إلا بالأسباب التي نص عليها المشرع.
غير أن المشرع خول الحق للأب في ممارسة الحضانة مباشرة بعد سقوطها عن الأم بموجب شرعي أو بالوفاة، فالأب أصبح في المرتبة الثانية بعد الأم لممارسة الحضانة على أبنائه، ويعتبر تخويل هذا الحق للأب تطورا ملموسا في هذا المجال ولكن تنازل الأب عن حضانة أبنائه لمطلقته يلزمه ولو تزوجت غير قريب من المحضون.
وإذا أصبح الأب في الوقت الحاضر أولى بحضانة أولاده بعد الأم، فإن المشرع لم يهمل باقي أقارب المحضون من جهة أمه أو من جهة أبيه لأن الترتيب الذي وضعته مدونة الأسرة ماهو إلا أمر اجتهادي ليس فيه نص صريح من الكتاب المقدس ولا من السنة النبوية الثابتة.
ثانيا – ترتيب مستحقي الحضانة :
قدم الفقهاء باختلاف مذاهبهم الأم والنساء من جهتها على الرجال ومن بينهم الأب في ممارسة الحضانة، والأساس الذي استندوا إليه في تحديد المستحقين للحضانة للنساء قبل الرجال هو القرابة المحرمية التي تعتبر قرينة على وجود الشفقة والعطف والحنان في الحاضنة تجاه ولدها المحضون. فالقريبات من جهة الأم – في باب الحضانة – يكن أرحم إلى المحضون من الأقارب من جهة الأب.
غير أن مدونة الأسرة حذفت الترتيب الذي وضعه الفقه الإسلامي والذي كان يعتمد عليه في إسناد الحضانة إلى النساء من جهة الأم قبل الأب والنساء من جهته، حيث نظمت المادة 171 من مدونة الأسرة مراتب الحضانة وحددت صراحة الأشخاص الذين يمكنهم ممارسة الحضانة إبتداءاً، والأشخاص الذين تسند إليهم إن قررت المحكمة ذلك. فالمادة المذكورة أعلاه تقضي بأن الحضانة تخول للأم، ثم للأب، ثم لأم الأم (أي الجدة من جهة الأم) ،
فإن تعذر ذلك، فللمحكمة أن تقرر بناء على ما لديها من قرائن لصالح رعاية المحضون إسناد الحضانة لأحد الأقارب الأكثر قدرة دون تمييز في ذلك لمن هم من جهة الأب أو من جهة الأم، خاصة في حالة عدم وجود الأشخاص الثلاثة المذكورين أعلاه (الأم، الأب، الجدة)، كما لوكان الطفل يتيم الأبوين والجدة من جهة الأم مثلا.
وطبقا للمقتضيات المنصوص عليها في المادة 171 من مدونة الأسرة، فإن الأم هي الأولى بالحضانة وإذا تنازلت عنها أو سقطت عنها بموجب شرعي أو بالوفاة، تنتقل الحضانة إلى الأب الذي يأتي بعدها حسب الترتيب المنصوص عليه في المادة اعلاه ، (فرتبة الأب موالية الرتبة الأم ومقدمة على رتبة الجدة من جهة الأم).
وإذا تعذر ذلك، ينتقل الأمر مباشرة إلى القضاء للنظر في من هو أهل لرعاية المحضون لأن القائمة الطويلة للحاضنات والحاضنين التي كان يعتمد عليها في ظل مدونة الأحوال الشخصية (الملغاة) ولو كانت في مصلحة المحضون من حيث المظهر، فإنه كان لا يؤخذ بها عمليا لأن الطفل أصبح – مع تشتت العلاقات الأسرية بسبب تصدع العائلة الممتدة وتفككها – أكثر ارتباطا بأبيه الذي يقوم بتربيته وإعداده للحياة
وليس بعمته أو خالته أو غيرهن من النساء اللاتي أصبحن في الغالب لا يتواجدن جغرافيا بالقرب من المحضون كما كان عليه الأمر في عهد الأسرة الممتدة، أي العائلة التي كانت تشكل إلى وقت قريب قبيلة أو دواراً أو فخدة يتعايش فيها أكثر من جيل.
غير أن المشرع عالج الحالة التي لا يوجد فيها حاضن يعتني بالطفل أو يوجد ولكنه رفض ممارسته الحضانة، أو لم تتوفر فيه الشروط التي تؤهله لذلك حيث يرفع من يعنيه الأمر أو النيابة العامة الأمر إلى المحكمة لتقرر من تراه صالحا من أقارب المحضون أو غيرهم، وإلا اختارت إحدى المؤسسات المؤهلة لذلك، ولكن المشرع لم يحدد نوعية ولا طبيعة هذه المؤسسات المؤهلة للحضانة.
- محمد الشافعي: الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، سلسلة البحوث القانونية 24.
Share this content: