أسباب سقوط الدعوى العمومية
نصت المادة الرابعة من قانون المسطرة الجنائية: « تسقط الدعوى العمومية بموت الشخص المتابع وبالتقادم وبالعفو الشامل وبنسخ المقتضيات الجنائية التي تجرم الفعل وبصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به. وتسقط بالصلح عندما ينص القانون على ذلك.
تسقط أيضاً بتنازل المشتكي عن شكايته إذا كانت الشكاية شرطاً ضرورياً للمتابعة. ما لم ينص القانون على خلاف ذلك». وأضاف ظهير 1977/10/8 العفو الخاص.
أولاً: وفاة الشخص المتابع
المسؤولية الجنائية مسؤولية شخصية، فإذا مات الشخص المتابع قبل إقامة الدعوى العمومية، تعين على النيابة العامة حفظ الملف. أما إذا أقيمت الدعوى العمومية بعد الموت، فيجب على المحكمة أن تصرح بعدم قبولها. و إذا مات الشخص المتابع بعد إقامة الدعوى العمومية أو أثناء سريان إجراءاتها، فيجب على المحكمة المعروضة عليها القضية أو قاضي التحقيق التصريح بسقوط الدعوى العمومية.
وتصريح المحكمة بسقوط الدعوى العمومية لا يعتبر فصلاً فيها، وإنما مجرد إعلان عن إنهاء إجراءات المتابعة. أما الدعوى المدنية التابعة فتتابع فيها الإجراءات ضد الورثة والمسؤول عن التعويض المدني طبقاً للمادة 12 من قانون المسطرة الجنائية.
ثانيا: التقادم
تقضى المادة الخامسة من قانون المسطرة الجنائية بما يلي: تتقادم الدعوى العمومية، ما لم تنص قوانين خاصة على خلاف ذلك بمرور عشرين سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجناية،و بمرور خمس سنوات ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجنحة؛ و بمرور سنتين ميلاديتين كاملتين تبتدئان من يوم ارتكاب المخالفة.
غير أنه إذا كان الضحية قاصراً وتعرض لاعتداء جرمي ارتكبه في حقه أحد أصوله أو من له عليه رعاية أو كفالة أوسلطة، فإن أمد التقادم يبدأ في السريان من جديد لنفس المدة ابتداء من تاريخ بلوغ الضحية سن الرشد المدني »
و هناك قوانين خاصة تنص على آجال أخرى للتقادم، بعضها أطول مما نص عليه قانون المسطرة الجنائية، كقانون العدل العسكري الذي يقضي بأن مدة التقادم في جريمتي العصيان والفرار من الجندية، لا تبتدئ إلا من اليوم الذي بلغ فيه سن الجاني خمسين سنة.
ومنها ما يقرر أحكاما أخف كالمادة 25 من قانون الصيد البري التي قررت تقادم الدعوى بعام واحد من تاريخ إنجاز المحضر المثبت للمخالفة. وكتقادم جريمة القذف بواسطة الصحافة بستة أشهر من تاريخ نشر المقال أو إجراء المتابعة.
ويعتبر تاريخ ارتكاب الجريمة هو منطلق احتساب أجل التقادم. ومؤدى ذلك أنه إذا انصرمت المدة التي يحددها المشرع دون أن تبادر النيابة العامة أو الجهة المخول إليها حق إقامة الدعوى العمومية إلى ممارسة هذه الدعوى، فإن الدعوى تعتبر قد سقطت بمضي المدة وتمتنع بعد ذلك ممارستها، ويتعين على القضاء – في كل الأحوال – التصريح بسقوطها.
وتعتبر مدة التقادم عملا بالمادة 750 من الآجال الكاملة لا تشمل اليوم الأول ولا اليوم الأخير . أي أنه لا يحسب ضمن المدة يوم ارتكاب الجريمة ويوم القيام بإجراء المتابعة. وإذا كان اليوم الأخير يوم عطلة امتد الأجل إلى أول يوم عمل بعده. غير أن مدة التقادم يمكن أن تستمر أكثر من المدد المشار إليها في المادة الخامسة، وذلك في الحالات التي يطرأ فيها إجراء قاطع أو سبب موقف للتقادم.
والإجراء القاطع لمدة التقادم هو كل إجراء من إجراءات التحقيق أو من إجراءات المتابعة تقوم به السلطة القضائية أو تأمر بالقيام به. وإجراءات التحقيق هي الإجراءات التي تندرج في إطار التحقيق الإعدادي أو التحقيق النهائي لقضية من القضايا، وتقوم به السلطة القضائية إما في إطار مسطرة التحقيق الإعدادي أو في إطار تحقيق تكميلي، أو في إطار مناقشة قضية بالجلسات.
وأما إجراءات المتابعة فهي كل الإجراءات التي تقوم بها الجهة المكلفة بإقامة الدعوى العمومية لعرض الخصومة على القضاء قصد البت فيها. ويترتب على الإجراء القاطع اعتبار الزمن الذي مضى منذ ارتكاب الفعل الجرمي كان لم يكن، ويبدأ احتساب مدة التقادم بكاملها من جديد انطلاقاً من تاريخ الإجراء القاطع. ويمكن أن يتكرر الأمر أكثر من مرة.
وأما السبب الواقف فيتمثل في استحالة إقامة الدعوى العمومية الناتجة عن القانون نفسه ولا يعني توقف التقادم إهمال احتساب المدة المنصرمة منذ تاريخ ارتكاب الجريمة، وإنما يعني أن حساب التقادم يتوقف في التاريخ الذي يطرأ فيه المانع القانوني الذي يحول دون إقامة الدعوى العمومية، ويستأنف السريان بارتفاع المانع، مع احتساب المدة السابقة عن التوقف.
ثالثا : العفو الشامل
العفو الشامل Ammistie يتم بنص تشريعي صريح . ويحدد النص المذكور ما يترتب على العفو الشامل ( أو العام ) من آثار، دون المساس بحقوق الغير. وإذا صدر العفو الشامل قبل إقامة الدعوى العمومية غل يد النيابة العامة عن تحريكها. وإذا صدر أثناء مواصلة إجراءاتها كان سبباً لسقوط الدعوى العمومية. وإذا صدر بعد صدور الحكم البات فيها فإنه يؤدي إلى سقوط العقوبة.
رابعاً: العفو الخاص
ينص الفصل 53 من مجموعة القانون الجنائي على أن العفو من حقوق الملك، وأنه يباشر طبقا للظهير الشريف رقم 1.57.387الصادر في 6 فبراير 1958. ويتعلق الأمر بالعفو الخاص Grace. وبمقتضى ظهير 6 فبراير 1958 المعدل بظهير 1977/10/8 يمكن إصدار العفو قبل تحريك المتابعة أو خلال ممارسة الدعوى العمومية أو بعد إصدار حكم بعقوبة أصبح نهائيا.
والعفو الصادر قبل الشروع في المتابعات أو خلال إجرائها، يحول دون ممارسة الدعوى العمومية أو يوقف سيرها حسب الحالة في جميع مراحل المسطرة ولو أمام المجلس الأعلى، وهو كالعفو الشامل يسقط الدعوى العمومية.
خامساً : نسخ المقتضيات الجنائية التي تجرم الفعل
إذا ارتكب شخص فعلا يعاقب عليه التشريع الجنائي، ثم صدر قانون جديد ينسخ النص الذي كان يجرم ذلك الفعل، قبل متابعة الفاعل أو أثناء إجراءات المتابعة، فإن الدعوى العمومية تسقط بسبب رفع صفة الإجرام عن الفعل الذي كان معاقباً عليه ساعة ارتكابه، ولم يبق كذلك ساعة إجراء المتابعة من أجله أو أثناء المحاكمة. وإذا صدر القانون الجديد بعد اكتساب الحكم بالعقوبة حجية الأمر المقضي، فإن أثره ينسحب إلى العقوبة ويؤدي إلى وضع حد لتنفيذها.
وقد نص الفصل الخامس من القانون الجنائي أنه:لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لم يعد يعتبر جريمة بمقتضى قانون صدر بعد ارتكابه فإذا كان قد صدر حكم بالإدانة فإن العقوبات المحكوم بها أصلية كانت أو إضافية، يجعل حد لتنفيذها .إلا أن مقتضيات الفصل 5 من القانون الجنائي لا تسري على القوانين المؤقتة التي تظل مقتضياتها سارية على الجرائم التي ارتكبت خلال مدة تطبيقها (الفصل 6 من القانون الجنائي).
سادساً: صدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به
من القواعد الأساسية التي تقوم عليها أسس المحاكمة العادلة، عدم إمكانية محاكمة شخص مرتين من أجل الفعل الواحد، حتى ولو اتصف الفعل بأكثر من وصف. ولذلك فقد قضت المادة 4 من ق م ج أن الدعوى العمومية تسقط بصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به. إلا أن الاحتجاج بسبقية الحكم في الموضوع، وبالتالي التصريح بسقوط الدعوى الجديدة، لا يقبل إلا إذا توفرت في الحكم السابق الشروط التالية:
1- أن يكون حكماً قضائياً صادراً عن سلطة قضائية. وقد عبرت المادة الرابعة بلفظ مقرر . والمقرر في مفهوم قانون المسطرة الجنائية هو الحكم أو القرار أو الأمر الصادر عن هيئة قضائية
2- أن يكون الحكم حائزاً لحجية الشيء المقضي به. أي غير قابل للطعن فيه بالتعرض أو الاستئناف أو النقض إما لأنه كذلك بطبيعته، وإما لأنه قد استنفذ طرق الطعن فيه، وإما لفوات مواعيد الطعن
3- أن يكون الحكم قطعياً. أي حاسماً في موضوع النزاع مما يحول دون عرضه على القضاء من جديد.
سابعاً: الصلح
يسمح القانون بإجراء المصالحة بشأن بعض الجرائم، ويعتبر ذلك من أسباب انقضاء المتابعة الجنائية بشأنها. ومن بين النصوص القانونية التي تقضي صراحة بجواز المصالحة النصوص الآتية: المادة 74 من ظهير 1917/10/17 المتعلق بالمحافظة على الغابات؛ المادة 22 مكرر من ظهير 1923/7/21 المنظم للصيد البري ؛ والمادة 33 من ظهير 1926/04/11 المنظم لصيد السمك في المياه الداخلية، المادة 53 من ظهير 1973/11/23 المنظم للصيد البحري؛ المواد من 273 إلى 277 من مدونة الجمارك الصادرة في.77/10/9.
ففي مثل هذه الحالات يتعين على المحكمة، إذا أبرم الصلح أن تصرح بسقوط الدعوى العمومية، لأن الصلح يعتبر من أسباب انقضائها. وإذا كانت الدعوى العمومية لم تتم ممارستها بعد، فينبغي على النيابة العامة أن تقرر حفظها لسقوطها بسبب الصلح.
ومن البديهي أن الصلح لا يعتبر مسقطاً للدعوى العمومية إلا إذا كان القانون يرتب عليه هذا الأثر، وأما في الحالات الأخرى فإن الدعوى العمومية تبقى صحيحة، ويقتصر تأثير الصلح على مقتضيات الدعوى المدنية التابعة، وأحياناً تأخذها المحكمة بعين الاعتبار عند تقدير العقوبة.
ثامناً: التنازل عن الشكاية
من أسباب سقوط الدعوى العمومية سحب الشكوى متى كانت شرطاً ضرورياً للمتابعة، ولذلك فإن التنازل عن الشكاية ينهي الدعوى العمومية في جميع الجرائم التي تتوقف فيها المتابعة على شكاية. ومن بين الجرائم التي تتوقف المتابعة فيها على شكاية جريمة الخيانة الزوجية.
وينص الفصل 492 من القانون الجنائي على أن سحب الشكاية يضع حداً لآثار الحكم بالمؤاخذة الصادر ضد الزوج أو الزوجة .والجدير بالذكر أن التنازل عن الشكاية يعتبر من أسباب سقوط الدعوى العمومية، متى كانت الشكاية شرطاً أساسياً لتحريك المتابعة، دون حاجة لأن يصرح النص صراحة بذلك، لأن مقتضيات المادة الرابعة عامة تنطبق على جميع الجرائم التي يتوفر فيها هذا الشرط، أي التي تكون الدعوى العمومية فيها متوقفة على تقديم الشكاية.
Share this content: